تساؤلات كثيرة حول الظهور الميداني والاجتماعي والإعلامي، المكثف لوزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدا لله- نجل العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في هذا الوقت بعد تواريه عن الأنظار فترة بعد رحيل والده، وتنصيب الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، والأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد، ووسط تواتر أخبار عن قرب ضم الحرس الوطني إلى وزارة الدفاع، الأمر الذي يعني نهاية دور “متعب”، ليلحق بإخوانه “تركي” الذي كان أميرًا للعاصمة الرياض، و”مشعل” الذي كان أميرًا للعاصمة المقدسة، فهل أراد “متعب” من وراء هذا الظهور المكثف إرسال رسالة واضحة إلى “ابن سلمان” أنه متواجد، ويثنيه عن تفكيره بالتخلص منه، وإبعاده عن الحرس الوطني، الذي يعد ثاني قوة ضاربة بعد الجيش، وتم تسليحه بعدة وعتاد كبير أثناء العاهل الراحل، وصار “وزارة” مثل وزارة الدفاع، لأول مرة منذ إنشائه؟
الخبراء والمختصون بالشأن السعودي، يرون أن تحركات “متعب” العسكرية، والاجتماعية، واستخدام فريقه الإعلامي على أوسع نطاق، جاءت ردًا على محاولات تهميشه، وإبعاده عن الحياة العامة، وصولًا إلى تنفيذ مخطط إبعاده، وهو الأمر الذي يسعى إليه بقوة “محمد بن سلمان”، وبرضا من “محمد بن نايف”، الذي كان يقلقه جدًا صعود “متعب” بقوة إبان حكم الملك عبد الله، والمخطط الذي كان يسعى رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري لتنفيذه، بعد استحداث منصب “ولي ولي العهد” للأمير مقرن بن عبد العزيز، وطبقًا لهذا المخطط كان سيصعد “متعب” إلى هذا المنصب في حالة رحيل “سلمان”، أولًا، فكان سيتم تصعيد “مقرن” لولاية العهد- ثم التخلص منه كما فعل سلمان، وتنصيب “متعب” وليًا لولي العهد ثم لولاية العهد، وهو المخطط الذي نفذه الملك سلمان ونصب “ابن نايف” وليًا للعهد، ونجله “محمد بن سلمان” وليًا لولي العهد.
مخطط التويجري الذي نفذه “سلمان” لصالحه
وبعد القرارات السلمانية المفاجئة، صار “متعب” مهمشًا، وانعزل فترة عن الحياة العامة, وتوارى عن الإعلام تمامًا، بل وامتنع عن حضور اجتماعات “مجلس الشؤون السياسية والأمنية”، الذي أنشأه الملك سلمان، ويترأسه الأمير محمد بن نايف نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، وبتتبع اجتماعات المجلس لم يحضر “متعب بن عبد الله”، اجتماعاته في شهر جمادي الأول أيام 26،24،17،12،4، وكذلك اجتماعات 25،16،11،4،2 في جمادي الآخر, واجتماع 2رجب وهو آخر اجتماع حضره الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، قبل إعفائه من منصبه، ولكن بدأ متعب بن عبد الله في حضور اجتماعات المجلس من غرة شهر شعبان، مما يعكس تحولًا في تفكير “متعب”، وإحساسه بالخطر.
الصراع القوي في مثلث الحكم
وكان المغرد السعودي الشهير “مجتهد”، رصد في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، غياب “متعب بن عبد الله” عن اجتماعات “مجلس الشؤون السياسية والأمنية”، طبقًا للصور المنشورة لهذا الاجتماع، وعزى “مجتهد” ذلك إلى اعتراض “متعب” على ترؤس “ابن نايف” للاجتماع، واعتراضه على قرارات العاهل السعودي الملك سلمان، بتنصيب “المحمدين” في منصبي “ولاية العهد” و”ولي ولي العهد”، وطرح “مجتهد” تساؤلات عبر حسابه حول عدم اهتمام وسائل الإعلام السعودية بذكر الحاضرين في الاجتماع، على غير عادة الأخبار الرسمية في المملكة.
سر الاختفاء لوزير الحرس
وقال “مجتهد” في تغريدة له: “لماذا لم تسرد وكالة الأنباء السعودية والصحف أسماء من حضر المجلس السياسي والأمني، واكتفت بالقول إنه عقد برئاسة ابن نايف؟”، مضيفًا: “شاهد الصور وتعرف الجواب”.
وكانت صور الاجتماع قد أظهرت غياب الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزير الحرس الوطني وعضو المجلس ونجل الملك الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز عنه، فيما برز الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز نجل الملك وعضو المجلس باعتباره وزيرًا للدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، على يمين الأمير محمد بن نايف.
وبعد تواتر الأخبار عن إبعاد “متعب” وضم الحرس الوطني لوزارة الدفاع، وإلغاء منصب وزير الحرس، بدأ متعب في الظهور بشكل مكثف في وسائل الإعلام، على ثلاث مستويات: الأول وهو البعد الاجتماعي من زياراته لمشايخ القبائل ومواساته وتعازيه والاستجابة للحالات المرضية والإنسانية، وتغطية هذه الفعاليات إعلاميًا بشكل مركز، البعد الثاني: الظهور على الجبهة الجنوبية مع قوات الحرس الوطني فجرًا ونهارًا وليلًا، والتقاط الصور مع الجنود والضباط “سلفي” و”جماعي”، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” بشكل مكثف، إضافة إلى التصريحات النارية التي يدلي بها “متعب”، وأنه “فداء للوطن”، وأن “روحه ليس بأغلى من أرواح قوات الحرس الوطني، أو وزارة الداخلية، أو وزارة الدفاع “.
الظهور بقوة على مواقع التواصل
وتم تدشين هشتاقات يومية عن #الحرس_الوطني مع الأمير متعب بن عبدالله، #متعب_بن_عبدا لله، كل بيت في #نجران و#جازان “هو بيتي.. وحياتي ليست أغلى منهم”، #متعب_بن_عبدا لله في نجران على خطى ملك الإنسانية عساه بجنات النعيم، زيارة #متعب_بن_عبدا لله لـ #الحد_الجنوبي #نجران_تحت_القصف “كان لها الأثر العظيم في رفع معنويات الجنود”، تجهيزات وجاهزية #الحرس_الوطني تثبت نجاح أسوده، ووزيره الأمير #متعب_بن_عبدا لله في قيادته، ومؤخراً سرني تنقلات الأمير في الواجبات الإنسانية، زيارة أمير الإنسانية #متعب_بن_عبدالله “للبطل الطفل ريان البلوي.. يا جمال قلبه ذكرني بحبيب الشعب الله يرحمه”.
وحرصت وكالة الأنباء السعودية الرسمية في بث خبرها عن اجتماعات “مجلس الشؤون السياسية والأمنية”، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدا لعزيز، أن يتضمن حضور الأمير متعب بن عبد الله بن عبدا لعزيز وزير الحرس الوطني، كذلك التغطية المكثفة لزيارته للحد الجنوبي “لنقل تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدا لعزيز القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية, لمنسوبي القوات العسكرية بمنطقة نجران”.
الفرق الإعلامية
البعد الثالث الذي حرص عليه “متعب بن عبد الله” هو البعد الإعلامي، من خلال جهاز العلاقات العامة والإعلام في الحرس الوطني، وما يملكه من إمكانات، أو من خلال الفريق الإعلامي القوي والمتشعب في جميع وسائل الإعلام السعودية المقروءة والمسموعة والمرئية، أو من الفرق المكلفة بالعمل في مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، وهي أذرع قوية ينفق عليها بسخاء, معظمها يعمل من الإمارات ومصر، ويدفع لها بسخاء، وهي تستفيد من صور “متعب” وتقوم ببثها على أوسع نطاق مع “الإعجاب” و”الفلو” و”ريتويتات”، وهو يجاري في هذا الجانب الفرق الإعلامية التي تعمل لتلميع صورة “محمد بن سلمان”، وإن كانت فرق “متعب” أكثر خبرة وقوة ويدفع لها بسخاء شديد.
إبعاد “متعب” إلى الجنوب
أما الناشطة السعودية المعارضة الدكتورة مضاوي الرشيد- أستاذ زائر في جامعة الاقتصاد والسياسة بلندن، فقد رأت في إبعاد “متعب” للجبهة الجنوبية “نفيًا له”، وقالت في حسابها في “تويتر”: “لقد نفوا متعب بن عبدالله-وزير الحرس الوطني السعودي، إلى الحدود الجنوبية، لينشغل بالحرب على اليمن وينسى أنه لم يفز بحصة الأسد، التي أخذها بن سلمان-وزير الدفاع وولي ولي العهد”، في إشارة إلى تواجد متعب بالحد الجنوبي، وتفقده لقواته بعد سقوط قذائف على المدن الجنوبية من الأراضي اليمنية.
وقالت “مضاوي” في تغريدة لها: “المهم إبعاد الحرس الوطني عن الرياض وإشغالهم في الحرب الجنوبية على اليمن”، وكانت “مضاوي” قد استنكرت شن المملكة السعودية لعاصفة الحزم على اليمن، قائلة: “إن أردت أن تخسر حربًا فحارب على عدة جبهات”، مشيرة إلى أن هذا هو حال السعودية بين حربها على داعش، وحربها على إيران “تشتت وتخبط”.
انقسام في الأسرة الحاكمة
أما مدير برنامج الاستخبارات بمعهد بروكينجز الأمريكي “بروس ريدل”،, فقد توقع في مقال نشره بموقع “المونيتور” الأمريكي، تعامل العاهل السعودي الملك سلمان بحرص وحذر مع الحرس الوطني، الذي يقوده الأمير متعب بن عبد الله, لأن الإطاحة به ستنفر فصيلًا قويًا داخل الأسرة الحاكمة مصاب بالفعل بخيبة أمل، بعد فقدان أميرين منه لمنصبيهما بعد وصول الملك سلمان للسلطة، وتحدث “ريدل” عن أن الحرس الوطني لديه ولاء عميق لأسرة الملك الراحل عبد الله، في وقت يشعر فيه أمراء آخرون بعدم الرضا بعد فقدانهم للنفوذ، بعد وفاة الملك الراحل عبد الله، واعتبر “ريدل” أن تغيير قيادة الحرس الوطني في ذلك التوقيت خلال الحرب التي تقودها المملكة ضد الحوثيين، سيرسل رسالة بفشل تلك القيادة، وربما يكون لذلك التحرك أثر عكسي بالنسبة للملك وابنه ووزير الدفاع.
وأضاف “ريدل” أن الحرب التي تقودها المملكة ضد الحوثيين لم تأت بنصر حاسم كما وعدت القيادة السعودية، خاصة أن الحوثيين لم ترهبهم العملية العسكرية، والتقوا مؤخرًا بمسؤولين أمريكيين في سلطنة عمان. وأشار إلى أن طريقة تعامل العاهل السعودي مع “متعب”، ربما تكون مؤشرًا بشأن كمية المخاطر التي على استعداد لأن يخوضها الملك سلمان.
النفوذ المتزايد لـ”ابن سلمان”
أما صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فقد رجحت أن يقوم نجل الملك الحالي ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بعزل الأمير متعب بن عبد الله من منصب وزارة الحرس الوطني، وتسلمها منه في المستقبل القريب، وتطرقت “نيويورك تايمز”، في تقرير لها كتبه “ديفيد كركباتريك”، إلى مكانة الأمير محمد بن سلمان، وتسلمه السريع لمنصب ولي ولي العهد، وقالت :”إن بعض الدبلوماسيين الغربيين قالوا، دون الكشف عن هويتهم خوفًا من انزعاج الأمير محمد بن سلمان، إنهم يشعرون بالقلق من النفوذ المتزايد لهذا الأمير، فيما وصفه بعضهم بالعجول، ويتخذ قرارات غير مدروسة”.
وكشف التقرير أيضًا، أن أحد مساعدي الأمير متعب وزير الحرس الوطني السعودي، قال لدبلوماسيين غربيين، إن من المحتمل إقصاء الأمير محمد بن سلمان الأمير لمتعب بن عبد الله من منصبه، فهل تحركات “متعب” الأخيرة رسالة قوية وواضحة لمن يحاولون إبعاده والتخلص منه، والتأكيد على أنه رقم يصعب تجاوزه بارتباطه بقوة الحرس الوطني؟
المصدر : شؤون خليجية
د. عبد الله بن محمد المقرن