في نهاية شهر أيار (مايو) الماضي، اقتحمت السلطات النرويجية وعناصر مكافحة الجرائم الاقتصادية مقر الشبكة الدولية للحقوق والتنمية في مدينة ستافنجر، التي تعرف نفسها على أنها شبكة دولية تعمل في مجال حقوق الإنسان ولديها العديد من الفروع حول العالم، واقتحمت كذلك منزل مديرها لؤي ديب في المدينة ذاتها الواقعة على بحر الشمال، واعتقل ديب، المقرب جدًا من القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان وأحد رجاله في أوروبا، بتهمة تبييض أموال وارتكاب جرائم احتيال، وبقي رهن الاعتقال مدة 48 ساعة، وفور خروجه من المعتقل فر هاربًا إلى مصر ومن ثم إلى الإمارات.
لؤي ديب وشبكته متهمون بتلقي أموال بقيمة 13 مليون دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة وتبييضها عن طريق فروع شبكته، إضافة إلى تسجيل جامعة وهمية اكتشفت السلطات أن عنوانه هو ذاته عنوان منزله في النرويج، وبدأت بمراقبة الشبكة عندما أصدرت قائمة بالدول التي تراعي وتحافظ على حقوق الإنسان، صنفت فيها الإمارات في المركز الثاني عشر متفوقة على ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، الأمر الذي أثار شكوك السلطات وتسبب في وضع الشبكة تحت المجهر.
علاقة مع الداخل الفلسطيني
وضمن تحقيق أجراه موقع ‘عرب48’ تبين أن لؤي ديب وشبكته عملوا عن طريق فرعهم في الأردن ضمن ‘حملات إغاثة’ للاجئين السوريين في الأردن ولقطاع غزة مع مؤسسات من الداخل الفلسطيني كالمركز العربي للحقوق والتنمية ومقره في مدينة شفاعمرو. وبحسب شهادات حصل عليها ‘عرب 48’ تثار تساؤلات عديدة حول إدارة الفرع في الأردن، إذ لم يقدم في نهاية الحملة تقرير مالي واضح لنشطاء مركزيين في الحملة في الداخل، رغم مطالب النشطاء العديدة والحثيثة بتسليمه، إذ لم ترسل الشبكة أي تقرير مالي أو دليل على وصول الأموال والمواد الإغاثية إلى قطاع غزة. (شاهد الصورة أدناه)
ويقول أحد المتطوعين في الحملة فضل عدم الكشف عن اسمه لـ ‘عرب 48’: ‘بعد انتهاء حملة الإغاثة لأهلنا في غزة بعد العدوان الأخير، طلبنا من الفرع الأردني للشبكة الدولية بتقرير مالي واف عن المبالغ المالية والمساعدات وكيفية توزيعها، لكنهم لم يرسلوا شيئًا ولم يكن هناك أي دليل على وصول الأموال وشحنات الإغاثة إلى هناك’.
وقال متطوع آخر كان ضمن فريق المتطوعين في الحملة لـ’عرب 48′ إن ‘الفرع الأردني للشبكة الدولية للحقوق والتنمية التي يديرها ديب لم يسلمنا وصلًا رسميًا موقعًا من الشبكة، إنما باسم مدير الفرع الأردني، الأمر الذي أثار الشكوك وجعلنا نطلب تقارير ودلائل على وصول الأموال لأهلنا في القطاع’.
وعن رد الشبكة على الطلبات قال المتطوع: ‘في البداية تهربوا من الموضوع في الفرع الأردني فبدأنا بإرسال طلبات التقارير إلى مدير الشبكة لؤي ديب وطلبنا عقد جلسة معه. في البداية قال إنه مشغول بالانتخابات التونسية، وبعد الانتخابات التونسية لم يرد على توجهاتنا عبر البريد الإلكتروني’.
وعن دور المركز العربي للحقوق والتنمية في الحملة وعلاقته بالشبكة الدولية للحقوق والتنمية قال مدير المركز، راني إسماعيل، لـ’عرب 48′ عبر الهاتف إن ‘المركز هو مؤسسة مستقلة وليس أحد فروع الشبكة الدولية للحقوق والتنمية، لكننا تلقينا تمويلًا منها عدة مرات لمشاريعنا لكن لا علاقة لنا بموضوع تبييض الأموال، فالدعم كان لمشاريع نقيمها ونشرف عليها’.
وإسماعيل، الذي يعرف نفسه في صفحته في موقع التواصل الاجتماعي على أنه منسق المجموعات الشبابية للشبكة الدولية للحقوق والتنمية، رفض التعليق على دور الشبكة في حملة الإغاثة للأهل في غزة، كذلك يرفض الإجابة على سؤالنا حول زيارته لمدينة ستافنجر النرويجية في شهر نيسان/ إبريل إذا ما كانت لمقر الشبكة الدولية للحقوق والتنمية التي توجه إليها الشبهات بتبييض الأموال، وحول إذا ما التقى مدير الشبكة، لؤي ديب، الهارب من العدالة هناك.
علاقة المركز في شفاعمرو بالشبكة الدولية
على الرغم من تأكيدات راني إسماعيل على أن المركز العربي للحقوق والتنمية ليس فرعًا للشبكة الدولية التي يديرها ديب، إلا أن نشطاء ومتطوعين عملوا في حملات الإغاثة وبضع مشاريع أخرى تابعة للمركز أكدوا أنه جزء من الشبكة وله علاقة وثيقة بها، لكنهم لم يعلموا بعلاقة الشبكة الدولية بدحلان والنشاط الإجرامي وعمليات الاحتيال التي يقوم بها ديب.
وفي مراسلات بين النشطاء والشبكة الدولية، يملك ‘عرب 48’ نسخًا عنها، تم تعريف إسماعيل على أنه مندوب الشبكة الدولية للحقوق والتنمية في الداخل، وأن كل قنوات التواصل مع الشبكة الدولية تمر عن طريقه، والمركز في شفاعمرو أقيم بتمويل من الشبكة.
ما علاقة دحلان بالداخل
لا يمكن الجزم بالهدف من نشاط ديب في الداخل وتقديمه مساعدات مالية للمركز الذي يديره إسماعيل، لكن يمكن الجزم بعلاقة ديب بالهارب من العدالة الفلسطينية محمد دحلان وأحد رموز التنسيق الأمني مع السلطات الإسرائيلية في السابق، خصوصا وأن التحقيقات النرويجية تؤكد أن ديب تلقى أمواله من دولة خليجية هي الإمارات التي تأوي دحلان وتقدم له الدعم السخي ماليا وسياسيا.
دحلان، منذ فراره من العدالة الفلسطينية، لم يكف عن السعي لتعزيز مكانته السياسية وتضخيم ثروته بشتى الوسائل، بالإضافة إلى دعم سخي على صعيد السياسة والأموال من دولة الإمارات العربية المتحدة، ربما تكون هذه إحدى محاولاته لتعزيز مكانته وتحسين صورته في الداخل الفلسطيني.
وديب، الذي عرفته وسائل إعلام وجهات فلسطينية بذراع دحلان الضاربة في أوروبا، أقام العديد من الاستثمارات وسجل في سجلاته المالية، بحسب ما كشفته السلطات النرويجية، أموالًا على أنها ميزانيات جمعيات حقوقية وإغاثية من مساعدات ورواتب موظفين ونشطاء، تبين لاحقًا أن مبالغ كاملة وفي الكثير من الأحيان جزء من المبلغ هو وهمي، ولا يدري أحد أي شيء عن وجهته وأين وكيف أنفق.
وأثار لؤي ديب شكوك السلطات النرويجية عندما افتتح جامعة أسماها الجامعة الاسكندنافية، ليتبين فيما بعد أن العنوان المسجل هو ذاته عنوان منزله في ستافنجر، وادّعى أنها تضم 300 مدرس و175 بروفسوراً و275 موظفاً بدرجة دكتوراه، وبعد تهديد السلطات حولها إلى شركة تدعى ‘المجموعة الاسكندنافية’، وادعى أنها تملك فروعًا في دول عدة، منها سوريا وتونس والسودان ودبي ولبنان.
ويدّعي ديب أنه حاصل على شهادة دكتوراه في القانون الدولي، وتقول السلطات النرويجية أنه لم يحصل على أي شهادة أكاديمية من بلادهم، وأن ديب جاء إلى النرويج قبل 18 سنة، وبعملية حسابية بسيطة، ولد ديب في مدينة رفح في قطاع غزة عام 1975، وعندما غادرها عام 1997 إلى النرويج كان عمره 22 عام، أي أنه لم يكن في جيل دكتوراه عندما غادر فلسطين، وهذا وحده كاف لدحض ادعائه بأنه حصل على الدكتوراه من فلسطين.