قد تكون هناك رغبة حقيقية قائمة بالفعل، لكن ليس هناك قوات لتحقق ذلك. في مكان ما قريب من بغداد تجري استعدادات لتحرير عاصمة «الدولة الإسلامية» الفعلية في الشمال.
عدم وجود أي تحركات مفاجئة يظهر أن هناك ضرورة ملحة لسياسة الإدارة الحالية تجاه العراق. إعلانات كبيرة، أحدها يقول إنه سيتم خلال هذا الأسبوع إرسال 450 جندي إضافي لمساعدة الجيش العراقي كمستشارين، ما يثبت في النهاية أنه لا يعدو كونه بيان صحفي أولي. فقط 50 من هؤلاء الجنود في الواقع مستشارين، الــ 400 المتبقين هم الحامية. ولكن في حين يبدو أن الولايات المتحدة يمكنها إدارة التوقعات والتمترس لحرب طويلة تميزت بالانتكاسات والتقدم البطيء، فإن القادة العراقيين ربما يكون لديهم خطط أخرى في الاعتبار.
وصرح اللواء العراقي الذي يقود عملية استعادة الموصل، العاصمة الفعلية للدولة الإسلامية في شمال العراق، لصحيفة «ذا ديلي بيست» حصرا هذا الأسبوع إن الهجوم سينطلق أسرع مما كان متوقعا، وبالتأكيد في أقل من عام.
موعد بدء العملية «قد يكون قريبا جدا ولكن لا أستطيع أن أقول لكم متى بالضبط»؛ هكذا قال اللواء «نجم عبد الجبوري»، قائد مركز عمليات نينوى التي سميت على اسم محافظة عراقية تحكم الموصل. كان الحديث في 10 يونيو/حزيران، تقريبا بعد مرور عام من سيطرة «الدولة الإسلامية» على الموصل. وعندما سألت ما إذا كانت الحملة في الموصل ستبدأ في العام المقبل، ضحك الجنرال وكنت أتوقع أن أسمع شيئا عن فضائل الصبر. وبدلا من ذلك قال: «لا، لا، لا. قبل ذلك».
ووفقا لـ«نجم»، يجري بالفعل تعديل أوضاع القوات العراقية حول الموصل استعدادا للهجوم القادم. وقبل بضعة أيام فقط من حديثنا، قال الجنرال إن «رئيس الوزراء أعطى لنا أوامر بتحريك القوات إلى محيط الموصل». ولن ينتظر إطلاق العملية في الموصل حتى تحقق القوات العراقية انتصارات واضحة في المناطق المحاصرة الأخرى مثل بيجي والأنبار؛ على حد تعبير «نجم» الذي أضاف «لن ننتظر … لدينا قواتنا وسننتقل إلى الموصل».
وتابع «نجم» مؤكدا أن القوات تحت قيادته سوف تشمل القوات تحت قيادة نجم «ثلاثة أقسام عراقية وبعض الكتائب والعديد من مقاتلي القبائل السنية، وربما بعض من القوات الخاصة العراقية التي تعود لما يُسمى بالقسم الذهبي». وفقا لـ«نجم» فإن اثنين من الوحدات المشاركة، فرقة 15 و 16 من الجيش العراقي، تلقوا تدريبا من القوات الأمريكية، كما فعل بعض المقاتلين القبليين من نينوى. وإجمالاً يقول «نجم» إنه سيكون «ربما أكثر من 30 ألفا» من الجنود ورجال القبائل الذين يقاتلون لاستعادة السيطرة على الموصل.
وهذا، بصراحة، يجعل من الصعب التصديق نظرا لمدى انتشار القوات العراقية بالفعل بسبب المعارك الدائرة في مناطق أخرى مثل بيجي والأنبار. ولا يتطابق إحصاء الجنرال مع ما قاله «ديريك هارفي»، الكولونيل والموظف السابق بجهاز الاستخبارات العسكرية الأمريكي، والذي نصح الجنرال «ديفيد بترايوس» كمتخصص في العراق تعرف على الوضع هناك خلال زيارته الأخيرة. ووفقا لـ«هارفي» فإن «هناك شكوك حول إن الفرقة العسكرية 15 لديها القدرة، لا أعتقد ذلك حقا. عاينتها قبل 4 أشهر. إنها بالكاد موجودة».
وقال «هارفي» أيضا إنه لا يرى دليلا على الأعمال التحضيرية التي من شأنها أن تشير إلى وجود عملية كبيرة في الموصل. «ليس هناك ما يدل على أن الحملة الجوية والعمليات الخاصة أو الأكراد يفعلون شيئا»إنه يتوقع أن يكون هناك مقدما قوات برية.
وفي تعليق قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، المسؤول عن العمليات العسكرية في العراق، «لم نكن بصدد الحديث عن العمليات في المستقبل». وأضاف المتحدث: «عليك أن تفهم أن العمليات في جميع أنحاء العراق يقودها العراقيون، والدعم مطلوب».
وأعرب «هارفي» عن ارتيابه بشكل كبير بشأن حدود القوة البشرية المتاحة في العراق، وتحديدا عندما يتعلق الأمر باستعادة السيطرة على المناطق السنية التي هي معقل «الدولة الإسلامية».
وفي الموصل؛ حتى السنة الذين يكرهون «الدولة الإسلامية» يعادون المليشيات الشيعية التي أصبحت قوة بغداد العسكرية بحكم الأمر الواقع. «كل سجين في هذه المدينة المقهورة يريد الخلاص من الدولة الإسلامية»؛ هكذا قال أحد سكان الموصل لصحيفة وول ستريت جورنال في الآونة الأخيرة. وأضاف «لكن الجميع متفقون إذا كان للتحرر أن يحدث كما هو الحال في تكريت والأنبار، مع دمار وبراميل قنابل وقصف عشوائي ونهب، فنحن لا نريد هذا النوع من التحرير».
لا يوجد تقارير موثوق بها عن براميل القنابل تُستخدم من قبل المليشيات العراقية الشيعية أو جيشها، على الرغم من السلب والنهب والعنف الطائفي الذي تم توثيقه. الخوف من هذه المجموعات قوي، ولا شك أنه يضخم من الدعاية الخاصة بـ«الدولة الإسلامية». وليست هذه المليشيات، التي تستند إلى حد كبير على معقل الشيعة في جنوب العراق ووسطه، حريصة على تحرير الموصل، وهي المدينة البعيدة عن قاعدة دعمها، ويرى كثيرون أن سكانها من السنة يتعاونون مع «الدولة الإسلامية». وبالمثل؛ فإن القوات الكردية،على الرغم من كونها أقرب إلى الموصل، ليست أكثر حماسا من المليشيات لسفك الدماء في مناطق خارج وطنهم.
كما يبدو أن الموصل خارج الخط المتماشي مع الأولويات الاستراتيجية في بغداد، والذي في غالب الأمر تقوده إيران التي تمارس نفوذا كبيرا في بغداد وتعطي الأولوية للدفاع عن العاصمة في الوقت الذي تقبل فيه بمخاطر محدودة في الهجمات المضادة التي بدأت في المناطق السنية. «لا أعتقد أن الموصل ة للأولويات الاستراتيجية الإيرانية على الإطلاق»؛ بحسب «جيم دوبيك» ، الجنرال المتقاعد الذي قاد مساعي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتدريب القوات العراقية عامي 2007 و2008، وأشرف على تدريب قوات الأمن العراقية في عام 2007، وهو الآن زميل بارز في معهد دراسات الحرب، والذي أردف: «أعتقد أنهم سوف يكونون على ما يرام لرؤيتها تتفاقم».
حقيقة أن هجوم الموصل على المدى القريب يبدو تماما متماشيا مع خطط أمريكية مضادة للأولويات الإيرانية هو أمر غير عملي بشكل خطير، ولكنه لا يعني أنه لا يمكن أن يحدث. «يمكن للعراقيين اتخاذ قرار بشنه في أي وقت يريدونه»، بحسب «دوبيك»، الذي قال إن هناك سابقة للزعماء العراقيين بإفساد الخطط والتوقعات التي تأتي من نظرائهم الأجانب، مشيرا إلى عملية عسكرية في عام 2008 في مدينة البصرة الجنوبية أصابت المخططين الأمريكيين بالدهشة.
وفي الوقت الذي قام فيه جنرالات من الولايات المتحدة وصانعو السياسات بجولات مناقشة للسياسة العراقية هذا الأسبوع، كان هناك شيء حري بالاهتمام؛ ألا وهو عدم وجود خطة لإبعاد «الدولة الإسلامية» عن مقرها في مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق. ومؤخرا، في نهايات فبراير/شباط، كان المسؤولون في البنتاجون يروجون لحملة استعادة السيطرة على مدينة الموصل في غضون أشهر ولكن تلك الخطط، التي لم تتفق مع أولويات بغداد، وضعت على الطاولة بعد سيطرة «الدولة الإسلامية» على غرب مدينة الرمادي في مايو/أذار. وتحول الموصل من كونه هدفا على المدى القريب لهزيمة الجماعة في العراق، ناهيك عن قاعدتها في سوريا، إلى هدف بعيد المنال، لا يستحق النظر بجدية بينما القوات العراقية تخسر الأرض في مناطق على أعتاب بغداد.
وعلى الرغم من تأكيدات «نجم»، فإن القوات البرية الوحيدة الممكنة في متناول اليد لاستعادة الموصل تشمل الجيش العراقي الذي لا يزال يعاني، وما زال بحاجة لتدريب هو ورجال القبائل السنة. وهاتان هما المجموعتان اللتان تستهدفهما الولايات المتحدة بجهود التدريب. ولكن مع قليل من إظهار لشكل لتلك الجهود حتى الآن، لا يوجد أي سبب يتوقع أن 50 مدربا إضافيا سوف يكونون قادرين على دعم وتشجيع القبائل السنية أو من تبقى من الجيش لاستعادة السيطرة على الموصل في أي وقت قريب. كما أنه ليس من الواضح أن الولايات المتحدة حريصة على استعجال الأمور في العراق.
وفي مقابلة مع شبكة «سي بي إس» هذا الاسبوع، قلل رئيس أركان الجيش الجنرال «راي أوديرنو»، الذي كان قائد القوات الأمريكية في العراق، من دور الولايات المتحدة في العراق، وشدد على أن هزيمة «الدولة الإسلامية» يمكن أن تأتي فقط من التغييرات التي أجراها القادة السياسيين في العراق.
«هل مقاتلو الشيعة يريدون القتال في الجزء السني من العراق؟» تساءل «أوديرنو». وعاد ليجيب «لا أعرف. ما نحتاج إليه هو جيش متكامل كليا من السنة والشيعة والمقاتلين الأكراد في العراق، ونحن مستعدون للقتال من أجل العراق. بمجرد أن يتم ذلك، يمكننا أن ندربهم ونستطيع أن نساعدهم، ولكن حتى تكون قادرا على تشكيل جيش يمثل الجميع، أعتقد أنه لن يكون هناك سوى صراع».
ويشارك «دوبيك رأي أوديرنو» في أن العراق لا يمكن أن يحقق انتصارات عسكرية كبيرة في الوقت الذي يتعارك فيه مع المصالحة السياسية. وقال «دوبيك»: “عندما أضع نفسي وكأني في هيكل القوة الذي يوجد لديهم بالفعل ومشاكلهم مع المال، أرى أكثر من ذلك بكثير من الجمود في المدى القريب بشأن هجوم مضاد كبير».
لماذا يقول «نجم» إن عملية الموصل سوف تبدأ قريبا إذا كان هذا غير صحيح؟ ربما هذا ما يؤمن به أو ربما طلب منه أن يقول. وربما كان صحيحا وسوف يشرع في ذلك لأسباب لا تزال غير واضحة، على الرغم من كم سوء الإعداد الذي تظهر عليه القوات العراقية لما يمكن أن يكون أكبر وأخطر المعارك حتى الآن في الحرب ضد «الدولة الإسلامية». أو ربما، وهذا على افتراض أن نفس الشيء ربما يقوله جمهور في العراق، فإنها محاولة لبناء الثقة نظرا لما يعرفه من وجود قوة لا تملك أي معنويات. نجم رجل عسكري محترف، لكن بالنسبة للآخرين من أمثاله الذين يأتون من مناطق الآن تحت سيطرة «الدولة الإسلامية»، قد يكون من المحبط للمعنويات جدا قبول أنه لا شيء سوف يحدث قريبا.
المصدر | ذا ديلي بيست