تزامنت حملة شنتها صحيفة التلغراف ضد دولة قطر طوال شهرين متواصلين، مع خلافات لمالكي الصحيفة مع الدوحة، حول ملكية ثلاثة فنادق خمس نجوم في لندن، حيث اتهمت الصحيفة قطر بتمويل الارهاب في الشرق الاوسط، حسبما كشف موقع “ميدل ايست اي”.
واستهدفت حملة “أوقفوا تمويل الارهاب” الدوحة، متهمة اياها بتوفير دعم مادي لتنظيمات منها القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية، وهي تهم واجهتها الدولة الخليجية بشكل متكرر في السنوات الماضية.
بينما خاض أصحاب مجموعة تليغراف الاعلامية، المليارديران البريطانيان الأخوان سير ديفيد وسير فريدرك باركلي، في الفترة ذاتها معركة قضائية حول السيطرة على فنادق مايفير الشهيرة، في أنحاء مختلفة من العالم، وتورط فيها نجم الروك بونو، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والامير السعودي الوليد بن طلال.
وشكل الشيخ القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، خصما للمجموعة في صراع حول ملكية الفندق دام أربع سنوات، انتهت بخسارة المليارديران، بعد ان اشترت احدى أذرع سلطة الاستثمار القطرية ثلاثة فنادق في لندن، بصفقة تعدت المليار جنيه بريطاني.
وأفادت مصادر غير قطرية متورطة في النزاع، لـ”ميدل ايست اي”، ان تزامن حملة التيليغراف ضد قطر مع الدعوى القضائية لم يكن بمحض الصدفة. وأضافت المصادر ان عائلة باركلي حثت الصحيفة على تغطية قطر بطريقة سلبية، الأمر الذي نفته الصحيفة.
الصراع حول مجموعة فنادق ميبورن
شكل الخبير المالي ديريك كينلان في العام 2004، مجموعة من معارفه شملت عائلة “جرين” وهي من أصحاب المليارات، لانشاء شركة أسماها كوروين، بقيمة 950 مليون يورو مع مجموعة فنادق سافوي، حيث تحكم آل “جرين” بربع الشركة، وساهم كينلان وباتريك ماكيلين بثلث الاسهم.
وفي أوائل العام 2005، باعت مجموعة “سافوي” الفندق للأمير الوليد بن طلال بما يقارب 250 مليون دولار، وتم تغيير اسم الشركة لتصبح مجموعة فنادق ميبورن، التي تتشكل من فنادق كلاريدجز، بيركلي، وكونوت.
ودفعت الازمة المالية العالمية في عام 2008، بكينلان وماكيلين الى كارثة مالية، توجهوا على اثرها للمليارديران باركلي لبيع حصصهم في المجموعة، رغم التزامهم قانونيا بأولوية عرضها على المساهمين قبل التوجه لمشترين خارجيين؛ وبحلول عام 2011 تمكن الأخوان المليارديران من الالتفاف حول الالتزام، والتحكم بثلثي مجموعة الفنادق.
وانتهز رئيس الوزراء القطري السابق فرصة معاناة الشريك “مكيلان” من مشاكل مالية في العام 2012، لدعمه ماديا والحيلولة دون سيطرة الأخوين باركلي بشكل كامل على الفنادق التي كانت لديه رغبة بشرائها، الامر الذي أثار غضب باركلي، حسبما أفادت المصادر غير القطرية لـ”ميدل ايست اي”.
وبدأت نشرة اخبارية تدعى “سارك” مرتبطة بالأخوين باركلي، حملة مناهضة للحكومة القطرية وسيطرتها على الفنادق، معللة ذلك بأن ” قطر تسخر ثرواتها لخدمة الشر.”
حملة” أوقفوا تمويل الارهاب”
بدأت صحيفة التيليغراف في الفترة ذاتها بحملة مناهضة لقطر، ادعت من خلالها ان قطر متورطة بدعم الجماعات الارهابية في الشرق الاوسط، حيث نشرت 34 مقالا في الفترة ما بين 20 سبتمبر و16 نوفمبر، بما في ذلك ثمانية تقارير بمانشيتات على الصفحة الأولى وأربعة مقالات رأي تمثل الصحيفة، وقد اشتملت التقارير على مزاعم واسعة تتهم قطر بالتورط في تمويل جماعات إرهابية بما في ذلك الدولة الإسلامية.
ووُصفت الدولة الخليجية في المقالات بأنها “ناد شرق أوسطي للإرهابيين”، وقالت هذه المقالات إن المتسوقين في سوق “هارودز″ المملوك لقطر في لندن “إنما يدعمون الإرهاب من خلال تسوقهم”، كما أنها شملت مطالبات للمملكة المتحدة “بقطع العلاقات التجارية” مع الدوحة بسبب ارتباطاتها المزعومة بمجموعة الدولة الإسلامية.
تزامنت الحملة مع الزيارة الرسمية التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني إلى المملكة المتحدة، وكان الهدف الذي صرحت التلغراف بأنها تنشر هذه المقالات والتقارير من أجله هو الضغط على رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون ليتخذ إجراء ضد ما يزعم أنه دعم دولة قطر للتطرف في الشرق الأوسط.
وكانت قطر قد نالها بشكل منتظم الاتهام بتمويل جماعات تعتبر في نظر الغرب إرهابية، وهي المزاعم التي نفتها الدولة الخليجية، ورفعت بسببها إجراءات قضائية ضد القذف والتشهير بها في فرنسا.
وبينما جرى تداول الاتهامات التي وجهتها التلغراف لقطر على نطاق واسع في الكثير من الصحف الأخرى، إلا أن حملتها المسماة “أوقفوا تمويل الإرهاب” جذبت انتباه المجلة البريطانية الساخرة والمختصة بشؤون الساعة “برايفيت آي”.
وادعت “برايفيت آي” أن الحملة لم تكن مجرد “جهد صحفي حميد”، وإنما نتيجة لتأثير تحريري مباشر من قبل الإدارة العليا لمجموعة التلغراف الإعلامية.
أحد المصادر، ممن لهم علاقة بالمعركة القضائية، قال إنه بلغهم من خلال محادثاتهم مع بعض العاملين في “التلغراف” أن رئيس مجلس إدارة مجموعة التلغراف الإعلامية إيدن باركلي، وهو نجل السير دافيد، كان هو الشخص الذي قاد الحملة ضد قطر بنفسه.
وقال المصدر الذي طلب عدم الإفصاح عن: “النفوذ الممارس على مجموعة التلغراف الإعلامية جاء بشكل مباشر من إيدن باركلي”.
وفي تصريح لـ”ميدل إيست آي”، قال موظف سابق في “التلغراف” طلب عدم الإفصاح عن هويته، إنه بالرغم من أن “الأمر تجاوز بمراحل مستواه الإداري” في الصحيفة؛ فإن بإمكانه تقبل فكرة أنه “لربما كان هناك توجيه” إداري في ما يتعلق بالتقارير الخاصة بقطر.
في شباط/ فبراير استقال المعلق السياسي الرئيس في الصحيفة بيتر أوبورن، بسبب مزاعم بأن المعلنين في مجموعة التلغراف الإعلامية كانوا يتلقون معاملة خاصة في ما يتعلق بالتغطية الإخبارية للصحيفة.
ومن جهة أخرى، أخبر أكثر من عشرة من صحفيي التلغراف الحاليين والسابقين الـ”بي بي سي” بأنهم شعروا بأنهم يثبطون عن نشر تقارير ذات طابع سلبي حول المعلنين الذين يتعاملون مع مجموعة “التلغراف” الإعلامية وحول الشركاء التجاريين للمجموعة.
إيدن باركلي وختام معركة مجموعة “مايبورن” الفندقية
لم تتمكن “ميدل إيست آي” بشكل مستقل من إثبات المزاعم التي صدرت ضد إيدن باركلي، والذي لم يستجب بشكل مباشر للتعليق على الموضوع.
وصرح ناطق باسم “التلغراف” لـ”ميدل إيست آي” بأن التعامل مع جميع القضايا المتعلقة بقطر وبالنزاع الفندقي هو من صلاحيات “براون لويد جيمز″، وهي مؤسسة علاقات عامة لديها عقد مع صحف “التلغراف” (كما أن من المستغرب أن لديها أيضا عقدا مع الحكومة القطرية).
وأصدرت مؤسسة “براون لويد جيمز″ تصريحا لـ”ميدل إيست آي” إجابة عن التساؤلات الخاصة بالتأثير الذي يمارسه ملاك الصحيفة على هيئة التحرير فيها بشأن الحملة المناهضة لقطر؛ بأن “كل القرارات المتعلقة بالمحتوى التحريري إنما هي من اختصاص المحررين، وقرار هؤلاء المحررين نهائي”.
وكان إيدن باركلي قد بين من قبل بأنه يطبق “مبدأ ترك مسافة كبيرة” بينه وبين هيئة التحرير في ما يتعلق بإدارة شؤون الصحيفة.
وقال أمام لجنة تحقيق “ليفيسون” لعام 2011 – 2012، والتي بحثت في أخلاقيات وممارسات وسائل الإعلام البريطانية: “أعتقد بأن الناس من حقهم أن يتمكنوا من القيام بأعمالهم على أكمل وجه وقدر المستطاع، ولذلك فإنني أنزع إلى عدم إقحام نفسي في التفاصيل اليومية”.
وقال إيدن باركلي، إنه ينهي كافة حواراته مع محرريه بالقول: “اسمعوا، هذا أمر يخصكم، فأنتم المسؤولون، أنتم المحررون، ولكم أن تفعلوا ما ترونه مناسبا”.
وأشارت مجلة “برايفيت آي” إلى حضور إيدن باركلي أمام لجنة تحقيق “ليفيسون”، وقالت إن مالك الصحيفة أقسم على أنه لا يتدخل في الشؤون التحريرية لصحيفته، الأمر الذي قاد المجلة إلى الاستنتاج (الساخر) بأن تزامن الحملة ضد قطر مع النزاع الفندقي لم يكن “بوضوح أكثر من مصادفة سعيدة”.
يحتفظ إيدن باركلي بصلاحيات واسعة لإدارة مصالح العائلة التجارية، فبالإضافة إلى كونه رئيس مجلس إدارة مجموعة “التلغراف” الإعلامية فهو يترأس مؤسسة استثمارات “إلرمان” المملوكة لعائلة باركلي.
كما انه يلعب دورا مهما في إبرام صفقات تجارية أخرى لصالح العائلة، بما في ذلك ما يتعلق بالمعركة التي دارت رحاها بشأن السيطرة على مجموعة “مايبورن” الفندقية.
وبموجب حكم صادر عن القاضي ديفيد ريتشاردز في آب/ أغسطس من عام 2012 في ختام قضية دعوى بين ماكلان والشقيقين باركلي، فقد كان إيدن هو الذي أبرم صفقة شراء أسهم عائلة غرين في مجموعة “مايبورن” الفندقية والبالغة 25 بالمائة من مجموع الحصص، وذلك في كانون الثاني/ يناير من عام 2011.
وتضمن الحكم سجلا بالرسائل النصية التي أرسلها جيري ميرفي، وهو من معارف ديريك كوينلان، يعدد فيها ما اعتبره فوائد أن يكون للمرء علاقات تجارية مع عائلة باركلي.
أرسلت إحدى الرسائل من قبل ميرفي إلى ماكلان في مطلع عام 2011 (محاولا أن يقنعه بقبول عرض باركلي) بعد أن قرر كوينلان قبول العرض المقدم من قبل عائلة باركلي وليس من قبل القطريين لشراء مجموعة مايبون الفندقية (في حين كان ماكلان يفضّل العرض القطري ويرفض عرض الأخوين باركلي).
وتنص الرسالة على ما يأتي: “لا تبح بهذا الخبر. تحدث معي. لعل تسوية ما تعرض، سوف تحظى بدعم من التلغراف وما تتمتع به من نفوذ”.
وتوقفت سلسلة مقالات “التلغراف” حول الإرهاب في السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي دون توضيح ما إذا كانت الحملة قد انتهت أم إنها ستستأنف في المستقبل.
ووصلت إلى منتهاها كذلك المعركة التي دارت رحاها حول الفنادق الثلاثة من فئة “الخمس نجوم”.
وفي نهاية نيسان/ إبريل من هذا العام، صدر إعلان غير متوقع يفيد بأن “كونستيلاشن هوتلز″، وهي مؤسسة قطرية استثمارية قابضة تابعة لسلطة الاستثمار القطرية، قد اشترت ثلثي الحصص في الفندق من كل من باركلي وكوينلان.
وبعد ذلك الإعلان ببرهة قصيرة ظهرت تقارير تفيد بأن ماكيلان أيضا باع حصته، ما يعني أن القطريين باتوا يملكون مائة بالمائة من أسهم الشركة المالكة للفنادق.
وبموجب ما ينص عليه اتفاق طويل المدى مع القطريين فقد احتفظ ماكيلان بدور في إدارة الفنادق.
وتقول مصادر “ميدل إيست آي”، إن قرار عائلة باركلي بيع حصتها في شهر نيسان/ إبريل جاء بعد أن “أدركوا أخيرا أنهم لن يتمكنوا من الربح (بالاستحواذ على الفنادق)”.