برز اسم الشبيحة في وسائل الإعلام، مع بداية استهداف النظام السوري للتظاهرات المعارضة له، والتي انطلقت في الشهور الأولى من عام 2011. واستخدم الاسم للإشارة إلى مجموعات مسلحة غير نظامية، تُقاتل جنبًا إلى جنب مع القوات النظامية، ضد المتظاهرين.
كما ارتبط اسم الشبيحة بالعديد من الانتهاكات ضد المتظاهرين المدنيين، ثمّ بالعديد من وقائع الاشتباك والقتال بين قوات النظام السوري من جهة، وقوات المعارضة السورية باختلاف أطيافها من جهة أخرى.
في السطور التالية سنعرض لكم القصة الكاملة لشبيحة سوريا، وكيف أضحوا عصابات فوق القانون.
1- لماذا سُمّوا بالشبيحة؟
يُختلف في الأصل اللغوي لكلمة الشبيحة، فالبعض يُرجعها إلى كلمة شبح، على اعتبار تنفيذهم لمهامهم بخفّة، أو على اعتبار الرّعب الذي يمثلونه للمدنيين المماثل لرعب الأشباح. لكنّ البعض الآخر يُرجعها إلى كلمة “شَبْح”، وهي من أساليب التعذيب الدارجة لدى بعض الأنظمة، وبحسب جماعات حقوقية فإن النظام السوري من أبرز من استخدم هذا الأسلوب القائم على ربط يدي المُعتقل إلى ظهره ويُسند إلى كرسيّ صغير، ثمّ يُزاح الكُرسيّ من تحته ليتعرض للسقوط الحرّ على الأرض بوجهه وباقي جسده.
كذلك يذهب البعض إلى أن الأصل في استخدام اسم الشبيحة يعود إلى أن هذه الجماعات اعتادت ركوب نوع من سيّارات المرسيديس يعرف باسم الشبح في مناطق سورية. وبالإجمال فإن كل ما سبق يصحّ لغويًّا، كما يُضاف إلى ذلك أن الكلمة قد تكون مشتقة من كلمة “الشّبْحان” والتي تعني الضخم، أو الشّبْح وتعني أيضًا الطويل، بالإضافة إلى استخدامها عربيًّا للإشارة إلى ممارسة التعذيب والإجرام على الآخر.
وبالجملة فإن كلمة الشبيحة هي المساوي الموضوعي لكلمة البلطجية التي درج استخدامها في مصر لوصف من يستخدم العنف والإكراه لتحقيق أغراض خاصة به أو بآخرين مُقابل عائد مادي، كما أن النّظام المصري في فترة ما قبل ثورة 25 يناير عمد إلى استخدامهم في الاشتباكات مع المتظاهرين. وهي أيضًا المساوي للمرتزقة الذين استخدمهم القذّافي ضد قوات المعارضة الليبية. وجدير بالذكر أن كلمة الشبيحة تُستخدم في مصر بنفس المعنى المقصود في سوريا.
2- متى تكوّنت عصابات الشبيحة؟ ولماذا؟
من غير المعروف على وجه الدقّة متى تكونت عصابات الشبيحة، وهذا ما يوضحه اختلاف الإجابات على سؤال النشأة. الأغلب يذهب في نشأتها إلى آل الأسد، مع الاختلاف في تحديد من قام بذلك، وفي المقابل يقول البعض إن نشأة هذه العصابات كان عفويًّا دون تدخل في السلطة السورية، وإن اجتمع أصحاب كلا الرأيين على أن البدايات الأولى ارتبطت بعمليات التهريب على الحدود، بخاصة تهريب المُخدّرات.
ومن يُرجع تكوين هذه العصابات إلى النظام السوري، يعتمد على الطبيعة التنظيمية والعملياتية لها، والتي تجعل منها أقرب إلى كونها قوّات خاصة من أن تكون مجرّد عصابات. كما يسميهم البعض بالمافيا السورية، أو “فِرق الموت”.
وعلى كل حال فإن المرة الأولى التي ظهرت فيها هذه المجموعات أو بالأحرى عُرفت فيه، كانت ما بين أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي (القرن العشرين). وتركّز وجودها في البداية في المناطق الساحلية، بخاصة اللاذقية وطرطوس، حيث استفادوا من هذه المناطق الساحلية للتهريب إلى داخل سوريا. بدأ الأمر بتهريبهم السلع والمواد الغذائية، ثم تطور إلى تهريب الأجهزة الإلكترونية، ثمّ السلاح فالمخدرات. كذلك تُفيد بعض التقارير إلى اعتماد النظام السوري على الشبيحة خلال تدخله العسكري في لبنان.
3- ما الذي يربطهم بآل الأسد؟
أغلب الشبيحة ينتمون إلى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد، وهذا مما جعلهم وثيقي الصلة بهم، وبأقربائهم في المحافظات المختلفة، وبخاصة في اللاذقية وريفها حيث آل مخلوف، وهم أخوال الرئيس الحالي بشّار الأسد، ومن أبرز العائلات التي استخدمت الشبيحة وساهمت في توسّع نفوذهم.
وقد وصل نفوذ الشبيحة إلى الدرجة التي جعلت منهم حرفيًّا عصابات فوق القانون والدولة، وكانوا بمثابة القوّات الخاصة لتلك العائلات في دائرة القرب من الأسرة الحاكمة. والمثير للاهتمام أن باسل الأسد الشقيق الأكبر لبشّار الأسد، وقبيل وفاته في 1994، وعندما كان قائدًا لقوات الحرس الجمهوري، سعى إلى الحد من نفوذ الشبيحة خوفًا من تكوينهم قوّة مستقلة تناطح الدولة السورية وقواتها النظامية، وأيضًا رغبةً منه تقليص دائرة نفوذ تلك العوائل المعتمدة على الشبيحة. وبالفعل نجح باسل الأسد في ذلك، واستطاع تضييق الخناق عليهم، حتى أن السوريين كادوا أن ينسوا الشبيحة، لولا اشتعال شرارة الثورة السورية، ثم الاشتباك المسلّح بين النظام وفصائل المعارضة والتي أخرجتهم إلى السطح مرّة أخرى.
4- كيّف نظّم الشبيحة أنفسهم؟ وما هي مصادر تمويلهم؟
لكل مجموعة من عصابات الشبيحة قائد أو زعيم يُعرف باسم “المعلّم”، يفصل بين أفراد العصابة، ويضع الخطط والتدابير، يكون حلقة الوصل بينهم وبين الرجل الكبير الذي هو في الغالب واحد من أفراد آل الأسد أو من العوائل القريبة، بل في بعض الأحيان يكون المُعلّم هو واحد من آل الأسد أنفسهم، إذ من أبرز وأشهر هؤلاء الزعماء هو محمد توفيق الأسد المعروف بـ”شيخ الجبل”، وهو ابن عم بشّار الأسد كما هو واضح.
هذا، وسطع نجم شيخ الجبل منذ الأحداث السورية كواحدٍ من أقوى رجال النظام السوري في اللاذقية، حتى أنّه لُقّب بحاكم اللاذقية. وكان يقود تشكيلًا ضخمًا من عناصر الشبيحة، الذين ساهم إجمالًا في تنظيمهم وتدريبهم وتوسع نفوذهم مرّة أخرى بعد اندلاع أحداث الثورة السورية، وقبل ذلك أيضًا ارتبط اسمه بعمليات تهريب المخدرات والسلاح والتجارة في الآثار، ما يجعله مرشحًا قويًّا لأن يكون ممن ساهم في التأسيس الأوّل لعصابات الشبيحة.
المثير للاهتمام، أن محمد الأسد أو شيخ الجبل، قُتل في مارس العام الجاري (2015)، مع تكهنات بأن تكون أيدي نظام بشّار خلف مقتله، بعد توسع نفوذه الذي دفعه لمزيد من الاستقلالية خارج دائرة سلطة النظام في دمشق.
ويُشار إلى أنه لا يوجد إحصاء دقيق لأعداد الشبيحة في سوريا، بخاصة وأنهم في الأغلب خريجو السجون الجنائية، إذ بات النّظام يعتمد على إخراج الجنائيين من السجون، العلويين منهم تحديدًا وتدريبهم لتنفيذ المهام القتالية، فضلًا عن أن الحديث الرسمي للنظام ينفي أي ارتباط بينه وبين الشبيحة، ومع تدهور الأوضاع والبنية التحتية في سوريا، كانت عملية إحصائهم صعبة، غير أن تقديرات تذهب إلى أن أعداد الشبيحة تتجاوز عشرة آلاف، وفي النهاية هو إحصاء غير دقيق، وبعض المنظمات الحقوقية ترفضه على اعتباره تقليلًا من العدد الحقيقي لهذه العصابات، وفي المُقابل يقول البعض إنّ أعدادهم ربما تصل إلى 50 ألفًا.
وكما ذكرنا، فإن هذه العصابات ترتبط مباشرة بأفراد من عائلة الأسد، هم المسؤولون عن تمويلهم، بالإضافة إلى ارتباط هذه العصابات – بحكم السياسية وتبعيتهم الداخلية- ببعض العصابات والأشخاص المضلعين في أعمال غير قانونية في لبنان وقبرص وتركيا وبعض دول أمريكا اللاتينية. وفي هذا الصدد يذكر أن لحزب الله نشاطًا تجاريًّا غير قانوني في دول أمريكا اللاتينية، يتمحور غالبًا حول تجارة المخدرات والسلاح.
5- ما هي أبرز ملامح مشاركتهم في أحداث الحرب السورية؟
بالجملة، الشبيحة هم من يتحدث عنهم الإعلام التابع للنظام السوري باعتبارهم عناصر مجهولة أو مدسوسة، يطلقون النيران على المتظاهرين ورجال الشرطة. وهذه الصيغة توضّح طبيعة التعامل الرسمي للنظام السوري مع الشبيحة، فكما ذكرنا فإنه يتبرأ منهم وينفي أي صلة تربطه بهم، رغم تورطهم المتواتر بارتكاب مجازر بحق سوريين مدنيين، وصلت لحد إبادة عوائل كاملة وحوادث اغتصاب جماعي، أو عمليات تعذيب حتى الموت.
وغالبًا ما يأتي دور الشبيحة في المعارك، عقب ضربات مدفعية النظام السوري، حيث تبدأ مجموعات الشبيحة المنظّمة بالهجوم البرّي على المناطق المدمّر للقضاء على من بقي على قيد الحياة. ومن أبرز ملامح وجودهم ضحاياهم المُخلّفين وراءهم الذين يتعرضون للقتل البارد بالذبح أو التعذيب الشديد المفضي إلى الموت، بالإضافة إلى الجُثث الممثل بها والنساء أو الفتيات المُغتصبات، لذا اشتهروا بـ”فِرَق الموت”.
وبالإضافة إلى الضحايا البشريين، تمتد أيدي الشبيحة إلى الأبنية بإحراقها وتدميرها، وربما كتابة عبارات تُميّزهم، دلالة على أنّهم مرّوا من هُنا. هذه العبارات غالبًا ما تُشير إلى التبعية المُطلقة لبشّار الأسد، والتي تصل إلى حد جعله إلهًا في الأرض!
محمد العتر