إذا كان هناك وقت من الأمثل فيه تجنب النزاعات بين المملكة العربية السعودية ومصر، فإنه الآن. ورغم أن هناك محاولات مستميتة من القاهرة والرياض لتسوية خلافاتهم على أفضل وجه ممكن، فمن الواضح أن هناك شيئا لا يسير في الطريق الصحيح بين العاصمتين.
لقد استقبل الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» في القصر الرئاسي بالقاهرة نهاية شهر مايو/أيار المنصرم. وشدد الجانبان على «وحدة المصير» بين البلدين، فيما نفى الوزير السعودي ونظيره المصري وجود أي توتر بينهما.
ومع ذلك؛ فقد ذهبت الصحف وقنوات التلفزيون في البلدين إلى الحديث عن مشاكل في العلاقات بين الرياض والقاهرة بدرجات تركيز وكثافة متفاوتة. حتى في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزراء خارجية البلدين، كان هناك اختلاف واضح في اللهجة والتركيز على ما قيل. ومن الأمثلة على ذلك ما قاله «الجبير» بشأن المشاورات الجارية بين العاصمتين، كل على حدة، وموسكو، للعمل على إيجاد حل دبلوماسي للنزاع السوري.
وقال «الجبير» إن اتصالات بلاده مع الروس تهدف إلى إقناع موسكو بالتخلي عن «بشار الأسد» والتوقف عن تقديم أي دعم له. وأضاف «هذا هو بالضبط محتوى جهود مصر مع روسيا أيضا». وكان غريبا بعض الشيء أن الوزير السعودي يصف طبيعة الاتصالات الدبلوماسية في القاهرة بينما كان يقف بجانب نظيره المصري «سامح شكري». أصبح التناقض أكثر وضوحا عندما علق «شكري» بالقول إن مصر تناقش العملية السياسية في سوريا مع موسكو. لكنه تجنب عمدا التأكيد على موقف القاهرة تجاه «الأسد» ولم يكن صريحا وواضحا كما كان «الجبير».
وكانت إيران قضية أخرى حيث ظهرت الخلافات بين البلدين في المؤتمر الصحفي المشترك بين «الجبير» و«شكري». وأدان وزير الخارجية السعودي طهران بالاسم محملا إياها مسؤولية خطط التوسع الإقليمي واستغلال عدم الاستقرار في عدد من الدول العربية. وعلق «شكري» مؤكدا على المبدأ العام مُدينا «رفض أي تدخل في الشؤون العربية أو تهديدات الأمن الإقليمي». لكنه لم يقل شيئا عن إيران، ولا حتى ذكرها بالاسم.
ومن الواضح أن الأسس الاستراتيجية لكل من البلدين مختلفة. وهذا في الواقع هو الجذور الحقيقية لجميع الخلافات السياسية بين الرياض والقاهرة.
لقد بدا جليا أن وجهة نظر مصر بخصوص الأمن الإقليمي تصب في منظور اهتماماتها الوطنية. وتضع القاهرة قضية الدور المستقبلي للإخوان المسلمين في سياق تهديداتهم المستمرة لاستقرار مصر. وتم تطوير هذا الرأي بعض الشيء بصورة محدودة، ولكن ليس بصورة شاملة بما فيه الكفاية، من خلال إعطائها بعدا إقليميا. وتعتقد القاهرة مثلا أن دورا أكبر للإخوان المسلمين في اليمن أو سوريا أو ليبيا يعد خطرا على الاستقرار الإقليمي، وبالتالي عليها.
وفي المقابل يعتقد السعوديون أن هذا ليس سوى «فوبيا الإخوان المسلمين» إذا جاز التعبير. ويرون أنه لا علاقة لدور أكبر للإخوان في اليمن بالوضع في مصر. وفي الوقت الذي يتفهمون فيه مخاوف القاهرة حول دور جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، لكونها جارة مباشرة إلى مصر، يعتقدون أن القاهرة يسيطر علها هاجس الجماعة في كل مكان، لدرجة أنه يؤثر على الأولويات الاستراتيجية الإقليمية، ويقلل طوعا من حصتها في أي استراتيجية إقليمية.
وتسلط هذه الخلافات المتجذرة في طريق كل طرف على آفاق استراتيجية إقليمية نجحت في تفتيت طريقة كلا الطرفين في معالجة المشاكل الإقليمية الملحة. ففي حين أن المملكة العربية السعودية عززت علاقاتها مع تركيا فيما يتعلق بسوريا، ما أثار استياء مصر، إلا إن أنقرة لم تكن متحمسة لفكرة إشراك قواتها في اليمن. وعلى العكس، لم تكن مصر مرحبة بخطة إنهاء اللعبة في اليمن، وهي التي كانت تمنح الإخوان دورا فاعلا، إن لم يكن رياديا.
وفي نهاية اليوم، أعادت المملكة العربية السعودية صياغة استراتيجيتها في الواقع دون تغيير. وقررت صياغة تحالفاتها على أساس كل حالة على حدة. لذلك؛ فإنها تعمل مع أنقرة في سوريا، وتستثني مصر من أي دور هناك.
ومع ذلك، لم يكن هناك توفيق بين هذه الخلافات السياسية لا من قبل نهج مفتت ولا من خلال إعداد أدوار جزئية للاعبين مختلفين. مثال على ذلك هو حالة سوريا. لذلك طالما ترى القاهرة أن احتمالات التهديد إنما وضعها السعوديون عن طريق الخطأ، فإن هذا سينعكس حتما على المجال السياسي. وتعتقد القاهرة أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق في سوريا يحافظ على «الأسد» لفترة انتقالية، على سبيل المثال ربما عامين. لكن الرياض ترى أن هذا لن يؤدي إلى سحب سوريا من المدار الإيراني، وأن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي الإطاحة بـ«الأسد» من السلطة من قبل القوى التي تعتبر معادية لإيران مثل المملكة العربية السعودية نفسها.
عموما؛ أدت هذه الخلافات إلى إضعاف تأثير أي «استراتيجية عربية» عامة. وتعثرت فكرة وجود قوة عربية مشتركة، وتحركت القاهرة بشكل منفصل على المسارين الليبي والسوري، ولعبت مصر دورا محدودا للغاية، من الممكن أن يوصف بالرمزي، في الحملة السعودية في اليمن.
ومن وجهة النظر العربية؛ فإن الخلافات السعودية المصرية تطور سلبي. وكان يعتقد أن مناقشة صريحة بين البلدين يمكن أن تقلل من الفجوة وتمكن من الوصول إلى «طريقة عمل» مشتركة في مجال العمل العربي المشترك لحل المشاكل الإقليمية. وكان «الجبير» فعلا في القاهرة لفعل ذلك. وفي حين حاول إقناع المصريين بتعديل نهجهم بخصوص مؤتمر المعارضة السورية الذي استضافته القاهرة في وقت لاحق، فقد كان من الواضح جدا أنه لم ينجح.
هل يمكن التوفيق بين خلافات القاهرة والرياض؟ بصراحة لا .. فالأمر أصعب من ذلك بكثير. ويتعين على الجانبين أن يشرعوا في التخلي فورا عن أي تهور أو تعصب للرأي في القاهرة والرياض جانبا. ما هو على المحك أكبر من مجرد توهج لحظي للدوافع والانزلاق البطيء الحالي لمواجهة كلامية عامة.
لعل هذا النهج الذي وصفناه بأنه «كل حالة على حدة» بالنسبة للرياض يمكن أن يساعد في تقديم آلية للمصريين والسعوديين تتيح لهما العمل معا. إذا كان هذا أمرا صعبا، فإن على البلدين الحفاظ على قنواتهما مفتوحة على مصراعيها والامتناع عن أية أعمال عدائية عامة. المملكة العربية السعودية لديها معرفة بالقضايا التي أثارتها القاهرة من منظور مصري، والعكس صحيح أيضا.
ولا ترى القاهرة جدوى من السماح لجماعة الإخوان المسلمين لتقويض نظام الدولة الإقليمية «ديمقراطيا» تحت ذريعة منع إيران من تهديد نظام الدولة ذاته. وترى الرياض أن التهديد الإيراني يمثل تهديدًا وجوديا وأن جميع القوى «السنية»، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، يجب أن يكون لها دور في إجهاض الخطر الإيراني «الشيعي».
المصدر | سمير التقي وعصام عزيز – ميدل إيست بريفينج