كشفت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية عن المدى الذي وصلت إليه مصالح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في الشرق الأوسط. وقالت إنها اطلعت على وثائق تظهر استخدامه طائرات خاصة، وإقامة في فنادق من فئة الخمس نجوم، وتعيين حراس وعلى حساب دافعي الضرائب البريطانيين.
وجاء في تقرير أعده كل من إدوارد مالينك وكلير نيويل وروبرت مينديك ولوك هيتون، أن حجم النشاط الدولي الذي مارسه توني بلير ظهر في وثائق سرية، تشير إلى أن دافعي الضرائب البريطانيين يدفعون 16 ألف جنيه إسترليني لمساعدة الإمبراطورية المالية لبلير، الذي استقال الشهر الماضي من منصبه مبعوثا خاصا للرباعية الدولية في الشرق الأوسط.
وتبين الصحيفة أن الوثائق تكشف عن رحلات قام بها بلير حول العالم، ترافقه فرقة من الحراس الخاصين على متن طائرة خاصة. وتشير الوثائق إلى استخدم الرحلات ذاتها من أجل متابعة مصالحه التجارية، وبصفته مبعوثا للرباعية، ما جعله عرضة للاتهام بتضارب المصالح.
ويكشف التقرير عن أن الوثائق تظهر أن بلير كان يزور خمس دول على الأقل في الأسبوع، ما يعني تكلفة بما بين 14 – 16 ألف جنيه إسترليني من المال العام.
وتنقل الصحيفة عن أحد السفراء البريطانيين وصفه كيف كانت تقوم شركات مرتبطة ببلير وشركة زوجته للمحاماة بالـ”تشمم” من أجل البحث عن فرص عمل في بلد أوروبي. وكان يرافق بلير خلال رحلاته فريق من الشرطة البريطانية، ويتكفل دافعو الضرائب بأجر إقاماتهم ومطعمهم ومشربهم ونفقاتهم.
ويشير التقرير إلى أنه في الرحلات المعقدة يرافق بلير ثمانية ضباط أمن من رتب مختلفة، فيما يبقى أربعة يحرسون بيوته في بريطانيا. وكل واحد من هؤلاء الضباط يصل راتبه إلى 56 ألف جنيه على الأقل، ولكنهم يحصلون في الحقيقة على 70 ألف جنيه؛ نظرا للساعات الإضافية التي يعملونها في خدمة توني بلير.
ووجدت الصحيفة في التحقيق الذي أجرته في مصالح بلير التجارية، أنه أقام علاقات تجارية مع قادة سياسيين ورجال أعمال مؤثرين، وبنى قائمة من الزبائن الذين دفعوا له ملايين الجنيهات مقابل خدماته. ومن هنا فإن التعاملات التجارية التي حققها بلير تشير إلى تضارب مصالحه الشخصية مع عمله مبعوثا دوليا للشرق الأوسط، الذي عمل فيه لثمانية أعوام.
وينقل التقرير عن سفير حضر اجتماعا مع بلير بصفته ممثلا للرباعية، قوله إن تضارب المصالح الظاهر “كان بغيضا جدا”، مضيفا أن بلير “استخدم تذكرة المبعوث الخاص للشرق الأوسط والرباعية” للتعامل مع الحكومات على قاعدة تجارية.
وكشف تحقيق “التلغراف” عن الآتي:
أقام بلير أثناء رحلاته في فنادق من فئة الخمس نجوم، بكلفة تصل إلى ألف جنيه إسترليني لكل غرفة لحراسه.
سافر بلير على متن عدد من الطائرات الخاصة، التي يرسلها له عملاؤه، أو الحكومات التي يقدم لها الاستشارة.
حصل بلير عل عقد بقيمة مليون جنيه من البنك الدولي، وهو يعمل بصفته مبعوثا للرباعية.
حصل على عقود تجارية مربحة مع أبوظبي، عندما كان يتفاوض مع الإمارة بصفته مبعوثا للرباعية، ولتأمين دعم مالي للسلطة الوطنية الفلسطينية بقيمة 45 مليون دولار (29 مليون جنيه إسترليني).
حاول فريق العمل مع بلير الحصول على دعم الحكومة البريطانية من أجل توسيع مصالحه التجارية، بما في ذلك الحصول على معلومات تتعلق بكندا وألبانيا ومقدونيا.
وفي عدد من الحالات كان بلير يلتقي مع مسؤولين للتفاوض معهم بشأن عقود خاصة، وهم الذين قابلهم بصفته مبعوثا للرباعية.
ويفيد التقرير، الذي ترجمه موقع “عربي21″، بأن النائب المحافظ أندرو بريجي، الذي طالما انتقد تعاملات بلير المالية، دعا إلى الكشف وبالكامل عن أوراقه المالية، وقال إن “بلير خلط وبشكل دائم ما بين عمله الرسمي والتجاري الخاص، فيما تكفل دافعو الضرائب البريطانيون بفاتورة حاشيته المكلفة”. ويرى أنه بناء على ذلك “فإنه ليس من المناسب لهذا الرجل، الذي احتل أعلى منصب في البلاد، وكان عارفا بأسرار الأمة كلها، أن يعمل لصالح دولة أجنبية”.
وتنقل الصحيفة عن مدير جمعية التفاهم العربي البريطاني كريس دويل، قوله إن “على بلير الاتسام بالشفافية حول نشاطاته التجارية، وإلا فسيواجه خطر الاتهام بتضارب المصالح”.
ويلفت التقرير إلى أن الوثائق تكشف عن صورة مفصلة عن تعاملات ومصالح بلير المالية، وتظهر كيف قام برحلات حول أمريكا لتقديم محاضرات، وقد ازدحم جدول أعماله بزيارات واجتماعات مع مسؤولين في أبوظبي، على مدار 24 ساعة، وتعد أبوظبي من أكبر زبائنه.
وتذكر الصحيفة أن بلير زار في أسبوع واحد إسرائيل والإمارات العربية وقطر والصين وكازاخستان لأغراض خيرية وتجارية، وجزء منها لعمله كونه مبعوثا للرباعية. وأقام مع حاشيته من الحرس في فنادق فخمة، مثل “إمارات بالاس” في أبوظبي، و”وفور سيزون” في العاصمة القطرية الدوحة، وأقام علاقات مع رجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال.
ويورد التقرير أنه في لقاء حضره بلير في كانون الثاني/ يناير 2011، بصفته مبعوثا للرباعية، كان حاضرا فيه ستيفان كريسل مدير سياسات الممارسة في حينه وهي الهيئة الاستشارية الحكومية. لكن متحدثا باسم بلير قال إن كريسل “كان حاضرا بالصدفة”.
وتقول الصحيفة عن الصفقة التي عقدتها شركة توني بلير وشركاه مع البنك الدولي، حيث كان يتفاوض بلير معه بصفته مبعوثا للرباعية، إنه حصل على مليون ومئة ألف جنيه إسترليني للقيام بأعمال استشارية للحكومة الرومانية. وقال البنك إن بلير طرح أفضل عطاء من بين خمسة تقدموا للحصول على العقد، وفي تشرين الأول/ أكتوبر أبلغ السفير البريطاني في ألبانيا نيكولاس كانون الحكومة البريطانية أن شركات لها علاقة ببلير “تتشمم” للحصول على فرص تجارية في ألبانيا.
وتختم “ديلي تلغراف” تقريرها باإشارة إلى أن المتحدث باسم بلير قال إنه لم يكن هناك أي تضارب مصالح في تعاملات بلير، مؤكدا أنه تم التقيد بالسياسات والإجراءات المطلوبة لمنع تضارب المصالح. وقال إن الدعم للسلطة الوطنية الفلسطينية من أبوظبي جاء من مؤسسة مستقلة عن “مبادلة”،وهي المؤسسة السيادية التي يقدم لها بلير النصح.