قال موقع “شؤون خليجية”، أن هناك مفاوضات بين السلطات السعودية، وبين عدد من المعتقلين السياسيين والمحكوم عليهم، وخصوصًا من جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية “حسم”، بهدف إغلاق الملف وصدور أمر ملكي بالعفو وإسقاط الأحكام، وقالت المصادر: إن المفاوضات بدأت في سجن جدة، وانتقلت لتشمل الرياض، وهناك تقدم في إغلاق الملف، ولكن يرفض عدد من المسجونين والموقوفين السياسيين كتابة إقرارات أو تعهدات، أو الاعتذار، ويؤكدون على مطالبهم “مجلس شورى منتخب”، “استقلال القضاء”، “محاسبة المفسدين”، وقالت المصادر، إنه بعد تأييد المحكمة العليا لحكم السجن 10 سنوات و1000جلدة على المدون السعودي، والمشرف على الشبكة الليبرالية رائف بدوي، فإن التحركات الدولية التي يقوم بها عدد من الدول الأوربية والمنظمات الحقوقية الدولية للمطالبة بالإفراج عن “بدوي”، سوف تتصاعد، وستتسبب في احراجات للمملكة وملفها في سجل حقوق الإنسان، وأن صدور عفو ملكي على “بدوي” بمفرده سيكون صعبًا، في ظل التقارب بين النظام الجديد والمحافظين، من المشايخ والعلماء وطلاب العلم، وهو ما دفع أطراف في السلطة لبدء الاتصال بعدد من الموقوفين على ذمة قضايا سياسية وفكرية.
صيغة مقبولة للإفراج
وكانت مصادر وفق الموقع قد توقعت بالتوصل إلى صيغة مقبولة تتضمن الإفراج عن عدد كبير من الموقوفين والمسجونين، دون أن تتسبب في إحراج النظام، وإظهاره بالمظهر الضعيف، خاصة أنه واكب عملية القبض والإحكام المشددة التي صدرت على أعضاء “حسم”، حملة تشويه إعلامي لرموز الجمعية والنشطاء، ووصلت الى تعبئة القضاة الذين كانوا يحاكمونهم، وردودهم الخشنة على المدعي عليهم، مما عزز مطالب أعضاء “حسم” باستقلال القضاء، وتأكيدهم بخضوع عدد كبير من القضاة للسلطة، وتسييس الأحكام.
وكانت المحكمة قررت تأجيل جلسة الدكتور عبد الرحمن الحامد أحد مؤسسي “حسم”، لـ”أسباب إدارية” لم يفصح عنها، فيما تعقد جلسة محاكمة الدكتور عبدالكريم الخضر عضو جمعية حسم يوم 14 يونيو.
الحقوقي عبدالرحمن الحامد
والناشط الحقوقي د.عبدالرحمن الحامد، أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية حسم للحقوق المدنية والسياسية، وهو أول رئيس لها، حاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد الإسلامي من جامعة أم القرى، وقد تم اعتقاله في 19 أبريل 2014م، وطبقًا لبيان جمعية “حسم”، فإنه “ورد اتصال على د.عبدالرحمن الحامد ظهر يوم الخميس 17 جمادى الآخرة 1435هـ (17 أبريل 2014م)، وعرِّف المتصل نفسه بأنه من البحث الجنائي وطلب منه الحضور لمقر البحث الجنائي في أقرب فرصة، وبعد صلاة العصر توجه د.عبدالرحمن برفقة أحد أبنائه لمقر البحث الجنائي واستقبله شخص وادخله في غرفة، وبعد لحظات خرج د.عبدالرحمن لابنه يخبره بوجود أمر بإيقافه صادر من هيئة التحقيق والادعاء العام، وطلب منه إحضار علاج السكر ولفافات قماش طبية -أجريت له مؤخرًا عملية جراحية في قدمه بسبب مضاعفات مرض السكر”.
في مقر البحث الجنائي بالقصيم
وطبقًا للبيان، إن “آخر أعمال د. الحامد قبل اعتقاله أن وقع مع عدد من الناشطين والمطالبين بالإصلاح بيانًا يطالب بمحاكمة وزير الداخلية، وأنه تم اعتقاله في مقر البحث الجنائي بالقصيم/ بريدة، وممنوع من الاتصال والزيارة”، وقالت الجمعية إن “هذا الاعتقال يأتي ضمن حملة شرسة ممنهجة تشنها وزارة الداخلية على المدافعين عن حقوق الإنسان، والمطالبين بالإصلاح السياسي، تتمثل في استدعائهم للتحقيق في محاولة لإسكاتهم، وإلا يحالون للمحاكمة ليصدر بحقهم أحكام قاسية، في مشهد أقرب ما يكون بالمسرحية الهزلية، وتتخذ هذه الإجراءات لإضفاء الصفة الشرعية والقانونية على أعمال القمع”، وطالبت الجمعية بـ”إطلاق سراح جميع نشطاء حقوق الإنسان المعتقلين، ووقف حملة القمع التي تستهدف دعاة الإصلاح السياسي، وحقوق الإنسان وأصحاب الرأي، وأن هذه الأحكام السياسية لا تضفي الشرعية على القمع وإنما تسقط القضاء، ونحمل وزارة الداخلية كامل المسؤولية عن سلامتهم”.
تهمة التحريض على التظاهر
أما عبد الكريم الخضر أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة في جامعة القصيم، فهو أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية (حسم)، واعتقل بأمر قضائي في 24 أبريل، 2013 بعد أن اعترض على منع النساء من حضور محاكمته، وحكم عليه في 24 يونيو بالسجن ثمان سنوات، والمنع من السفر عشر سنوات تليها، وترأس “الخضر” فريق الدفاع عن الدكتور عبد الله الحامد، وأخيه عيسى الحامد، عندما سُجنا في 2008 بتهمة التحريض على التظاهر، ثم شارك عضوًا مؤسسًا لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية في أكتوبر 2009، وتولى رئاستها عام 2012، وله العديد من الأبحاث الشرعية يجيز فيها المظاهرات السلمية وحق السجناء في الإضراب عن الطعام، وهو ما يخالف الرأي الرسمي.
خلاف بين “الخضر” وقاضيه
وبدأت محاكمة “الخضر” 4 فبراير 2013، أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في بريدة أمام القاضي إبراهيم الحسني، لكن القاضي تغيب عن الحضور فأجلت الجلسة، وفي 11 فبراير 2013 عقدت الجلسة الأولى، لكن الخضر تغيّب عنها لظروف والده الصحية فحضر موكله نيابة عنه، وتسلم لائحة الادعاء، وتضمنت اتهامات بالمشاركة في تأسيس جمعية دون ترخيص، وتأليب الرأي العام، واتهام النظام الحاكم بأنه نظام بوليسي، وفي 21 فبراير عقدت الجلسة الثانية فحضرها “الخضر”، وقدم ردًا يطلب تنحي القاضي بسبب خلاف شخصي سابق بينهما، ولكن القاضي رفض التنحي عن القضية لعدم وجود مبرر وجيه لذلك، وفي 24 إبريل عقدت الجلسة الرابعة وحضرها عشرات من الرجال والنساء، لكن القاضي رفض حضور النساء -ومنهن زوجة المتهم- مستشهدًا بالآية “وقرن في بيوتكن”، رفض الخضر حضور الجلسة فأمر القاضي بإيقافه أربعة أشهر، وانتقدت منظمة العفو الدولية قرار الإيقاف وطالبت بإطلاق سراحه فورًا، ودون شروط وبإسقاط التهم عنه.
وحكم القاضي إبراهيم الحسني بإدانة الخضر بجميع التهم التي نسبها الادعاء العام إليه، حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات نافذة، وبالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ، على أن تطبق إذا كرّر أيًا من التهم التي أدين بها، وبالمنع من السفر عشر سنوات تلي السجن. أدانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان الحكم واعتبرته “حكمًا جائرًا واستمرارًا لقائمة الإحكام الصادرة بحق المشاركين في تأسيس جمعية حسم”.
حل الجمعية ومصادرة أملاكها فورًا
وجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية “حسم”، جمعية حقوق إنسان غير حكومية سعودية، أسسها أحد عشر ناشطًا حقوقيًا وأكاديميًا عام 2009، وتهدف الجمعية إلى التوعية بحقوق الإنسان مركزة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وفي 9 مارس 2013 أصدرت المحكمة الجزائية بالرياض حكمًا في محاكمة “حسم”، وشمِل حل الجمعية ومصادرة أملاكها فورًا.
شارك في تأسيس الجمعية 11 ناشطًا، هم: عبد الرحمن حامد الحامد، محمد فهد القحطاني، عبدالكريم يوسف الخضر، عبد الله الحامد، فهد عبد العزيز العريني، محمد حمد المحيسن ، محمد البجادي، عيسى حامد الحامد، مهنا محمد خليف الفالح، سعود أحمد الدغيثر، فوزان محسن الحربي، وأعضاء غير موقعين بسبب اعتقالهم وقت تأسيس الجمعية، هم: سليمان الرشودي وموسى القرني ومنصور العودة.
ويتولى رئاسة الجمعية أحد أعضائها بالانتخاب السنوي، فتولى عبد الرحمن الحامد رئاستها لدورة 1431 هـ/2010، تولاها محمد القحطاني لدورة 1432 هـ/2011، ثم تولاها عبد الكريم الخضر في دورة 1433 هـ/2012، وتولاها سليمان الرشودي في دورة 1434 هـ/2013، قبل أن يُعتقل ليتولاها نائبه فوزان الحربي، ثم تولاها عيسى الحامد في دورة ١٤٣٥ هـ / 2014. ويتشارك أعضاء الجمعية في تأمين ميزانيتها السنوية بمبالغ محدودة.
صلاحيات لمساءلة المسؤولين
وبعد سيول جدة نشرت الجمعية بيانًا في 10 ديسمبر 2009، لامت فيه ما أسمته “الفساد السياسي”، ودعت في خطاب مفتوح إلى الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، إلى تشكيل برلمان منتخب بصلاحيات لمساءلة المسؤولين، وتولت الجمعية في ديسمبر 2009، تمثيل سليمان الرشودي في الدعوى القضائية التي رفعها ضد وزارة الداخلية ،التي احتجزته لثلاث سنوات ونصف دون اتهام، لكن الدعوى رُفضت بعد أن وجهت الوزارة له الاتهامات، وفي ديسمبر 2010 قدمت الجمعية طالبًا لوزارة الداخلية بالسماح بالاعتصام في الرياض في 23 ديسمبر، إلا أن مقدمي الطلب استدعوا قبل الموعد المحدد بيوم وأبلغوا برفضه، وفي يناير 2011 أرسلت الجمعية رسالة إلى الملك عبد الله طالبت فيها بمحاكمة وزير الداخلية آن ذاك نايف بن عبد العزيز، واتهمت سياسات الداخلية بأنها تشجع التطرف والعنف، وانتقدت الجمعية مسودة قانون مكافحة الإرهاب التي سربتها منظمة العفو الدولية في يوليو 2011، وقالت إنه “يعطي صلاحيات غير مسبوقة للأمن لقمع الشعب دون أي ضوابط قانونية”.
فوزان الحربي.. وسليمان الرشودي
في 21 مارس 2011، اعتقلت قوات الأمن السعودية محمد البجادي وهو أحد الأعضاء المؤسسين للجمعية، إثر مشاركته في مظاهرة أمام وزارة الداخلية في اليوم السابق، وفي 10 أبريل 2012، قضت محكمة سرية بسجنه أربع سنوات، إثر إدانته بتهم عدة كان من بينها المشاركة في تأسيس جمعية غير مرخصة، وفي 22 مايو مُنع العضو المؤسس فوزان الحربي من السفر، وفي 12 ديسمبر 2012 اعتقل سليمان الرشودي رئيس الجمعية لعام 1434 هـ، بعد أن ألقى كلمة عن “حكم المظاهرات والاعتصام في الشريعة الإسلامية”، وكان الرشودي محكومًا بالسجن خمسة عشر عامًا، في قضية إصلاحيي جدة، التي تخضع للاستئناف.
محاكمة حسم
وفي يوليو 2012 بدأت محاكمة محمد القحطاني، وعبد الله الحامد، ووجهت لكل منهما تهمة الاشتراك في تأسيس جمعية غير مرخصة مع عدد من التهم الأخرى، وفي 9 مارس 2013 أصدر قاضي المحكمة الجزائية بالرياض، حكماً بحل جمعية حسم الحقوقية حالاً، ومصادرة جميع ممتلكاتها، ويشمل ذلك مواقعها على شبكة الإنترنت، والسجن الفوري ولخمس سنوات بحق الدكتور عبد الله الحامد، مضافاً إليها المدة المتبقية من محكوميته السابقة في قضية الإصلاحيين الثلاثة، ليصبح مجموع المدة المحكوم بها إحدى عشر سنة، ومنعه من السفر خمس سنوات أخرى، والسجن عشر سنوات بحق الدكتور محمد بن فهد القحطاني، ومنعه من السفر عشر سنوات أخرى، أدانت جمعية حسم الحكم واعتبرت “أصل القضية هو انتهاكات الحكومة السعودية لحقوق الإنسان، ومحاولتنا التصدي لهذه الانتهاكات ورصدها”، وردًا على الحكم بمصادرة أملاكها صرحت أنه “ليس للجمعية أية أموال أو أصول أو ممتلكات، وإنما تعتمد على الموقع الإلكتروني وجهود الأعضاء الطوعية”.
منظمة العفو الدولية
وقالت منظمة العفو الدولية: إن الناشطين السلميين في مجال حقوق الإنسان ما انفكوا يتعرضون على نحو منتظم للمضايقات والاعتقالات كما لو كانوا مجرمين، وغالباً ما تُساء معاملتهم في الحجز، لا سيما مع ذهاب السلطات السعودية إلى أبعد مدى ممكن من أجل مطاردة نقادها، وإجبارهم على الإذعان والخضوع لها بصمت.
تضمن التقرير المعنون: “جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم): كيف تسكت المملكة أصوات ناشطي حقوق الإنسان فيها”، معلومات عن 11 عضواً من أعضاء جمعية (حسم) – التي تُعد إحدى المنظمات القليلة المعنية بحقوق الإنسان في المملكة – موزعين ما بين من هم معتقلين ومن هم قيد المحاكمة، مع احتمال الحكم عليهم بالسجن أيضا؛ وذلك على خلفية عملهم في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الثلاث الماضية، وقال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، سعيد بومدوحة: “شددت السلطات السعودية من قبضتها الحديدية على السلطة، من خلال شن حملة قمع منهجية ووحشية اضطهدت من خلالها الناشطين السلميين، في معرض محاولتها كبت أي انتقاد للدولة في ضوء الانتفاضات العربية التي شهدها العام 2011”.
تحقيق الإصلاح السلمي
وأضاف: لقد استهدفت السلطات السعودية الأعضاء المؤسسين لجمعية (حسم) واحدًا تلو الآخر، وذلك في معرض جهود تبذلها دون هوادة لتفكيك الجمعية وإسكات أصوات أعضائها، ضمن حملة قمع كبيرة النطاق تطال النشاط المستقل وحرية التعبير عن الرأي منذ العام 2011. وتتضمن قائمة المستهدفين الناشطيْن البارزيْن د. عبد الله الحامد ود. محمد القحطاني، وأضاف بومدوحة قائلًا: “سعت السلطات في المملكة العربية السعودية إلى مسح أي أثر لجمعية (حسم)، مثلما سعت تماماً إلى القضاء على جميع الأصوات الأخرى المطالبة بتحقيق الإصلاح السلمي”.
إسقاط جميع التهم
وأردف بومدوحة القول: إنه “ينبغي إلغاء جميع الأحكام الصادرة بإدانة ناشطي جمعية (حسم)، ويجب الإفراج عنهم فورًا ودون أي قيد أو شرط. كما يتعين إسقاط جميع التهم المسندة حالياً إلى أعضاء آخرين من الجمعية”.
وقالت العفو الدولية: “منذ تأسيسها في العام 2009، أصبحت جمعية (حسم) صوتًا من الأصوات القليلة التي تجرأت على الحديث علناً عن انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، ونتيجة لذلك، تعرض أعضاء الجمعية للملاحقة الجنائية بتهم من قبيل (نزع الولاية والخروج على ولي الأمر)، (وتأليب الرأي العام ضد السلطات)، أو من خلال تهم أخرى مشابهة صيغت صياغة مبهمة تم اجتراحها وفق أحكام قانون مكافحة الإرهاب الصادر مؤخرًا، والذي يجرّم من الناحية الفعلية جميع أشكال المعارضة السلمية”.