الهدف من هذا المقال هو تسليط الضوء على انتهاكات منهجية واسعة الانتشار لحقوق الشعب الأحوازي العربي. على مدار السنوات الستة والثلاثين الماضية، وبالتزامن مع تشكيل جمهورية إيران الإسلامية، زادت هذه الانتهاكات أضعافًا مضاعفة، حتى في ظل استمرار الأهواز للمطالبة بحقوقهم المشروعة.
أحاول تقديم صورة شاملة للاضطهاد الذي استمر لفترات طويلة ضد الشعب العربي الأحوازي الذي يعاني من العنصرية الوطنية والتمييز المؤسسي والإهمال المتعمد على يد النظام الإيراني. إنّه يواجه عوائق مختلفة في الحصول على التعليم والعمل والسكن والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية.
منذ عام 1925، تعرض الأحواز لعمليات الإعدام بإجراءات موجزة، والتهجير القسري، والهجرة، ومصادرة وتدمير المنازل والممتلكات الشخصية. في ظل النظام الطائفي الأصولي الحالي في إيران، يعيش شعب الأحواز في خوف دائم من القمع. نظام الملالي الإيراني الحالي هو استكمال لبرنامج التطهير العرقي الذي بدأ على يد نظام بهلوي.
يعيش حوالي 10 مليون من الأحوازيين العرب في جنوب وجنوب غرب إيران. إنّهم أحد الشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط؛ إنّهم متحدون من خلال العِرق والثقافة واللغة. تشبه لهجتهم العربية اللهجة العربية العراقية، وأغلبيتهم من الشيعة والسُنة، على الرغم من أن هناك أديان ومذاهب أخرى، مثل المسيحيين والمندائيين.
وقد أظهر النظام الإيراني كراهية عميقة ضد الشعب العربي في الأحواز، الذين يشكّلون 10٪ من السكّان. وفي عام 1925، اجتاح النظام الإيراني الغاشم إمارة الأحواز التي يحكمها أمير خزعل الكعبي. وضع هذا الغزو حدًا لسيادة الأحواز المستقلة، التي تم ضمها إلى إيران في عام 1934.
ومنذ ذلك الحين، وخلال عمليات تمرد مسلحة وحركات غير مسلحة لا تعد ولا تحصى، كرر عرب الأحواز عزمهم على مواصلة نضالهم ومقاومتهم للاحتلال وتأكيد سيادة الأحواز التي ضاعت أمام الغزو الإيراني.
لأجيال عديدة، يتلقى الأحواز معاملة قاسية على أيدي السُلطات الإيرانية. وردًا على الانتفاضات الشعبية التي أعقبت الاحتلال الإيراني، قامت الأنظمة الإيرانية المتعاقبة بإعادة التوطين القسري لكثير من السكّان العرب الأحواز في المناطق الفارسية، كجزء من برنامج التطهير العرقي. تم تغيير الأسماء العربية التاريخية للمدن وحلت محلها أسماء فارسية، كما تم منع ارتداء اللباس العربي، وحظر بل وتجريم استخدام اللغة العربية في الأحواز، إلى جانب رفض الهوية العرقية للعرب الأحواز.
لطالما تم قمع عرب الأحواز وحرمانهم من الحقوق الأساسية. في السنوات الأخيرة، تمت مصادرة الأراضي الأحوازية قسرًا وتوزيعها على المستوطنين الفرس في محاولة لـ “فرسنة” مناطق الأحواز. وفي أواخر الأربعينات، بدأت الحكومة بتوطين “قبائل اللور” البدوية، الذين تفرعوا من الطوائف الفارسية، في المناطق ذات الأغلبية العربية، وخاصة في المدن الغنية بالنفط والتي منها أُعيد توطين الشعب العربي قسرًا.
لقد تسارعت وتيرة سياسات التطهير العرقي في السنوات الأخيرة في محاولة لتدمير النسيج الديموغرافي في الأحواز. كما تم سحق أي حركة شعبية أو احتجاج تقودها الطبقة السياسية الأحوازية، مثل الانتفاضة الشعبية في أبريل عام 2005 ضد الاضطهاد العرقي المؤسسي، بوحشية تامة من خلال تضييق الخناق على المتظاهرين والاعتقالات الجماعية، وإعدام غالبية الشخصيات السياسية البارزة.
في الواقع، جرّب الشعب العربي في الأحواز كل القنوات السياسية السلمية للحصول على حقوقه الأساسية والمشروعة والمنصوص عليها في الدستور الإيراني الحالي، كما سعى على وجه الخصوص من أجل تطبيق المادتين 15 و19 من الدستور، اللتان تؤكدان على حق التعليم باللغة الأم لجميع الجماعات العرقية، بما في ذلك العرب والأتراك والأكراد والبلوش. لكنّ النظام الإيراني يرفض تنفيذ هاتين المادتين، الأمر الذي يحرم أكثر من 50٪ من السكّان غير الفرس من لغتهم الأم. وبدلًا من ذلك، فرض النظام اللغة الفارسية كلغة رسمية في مناهج التعليم. وقد أدت هذه السياسة إلى ارتفاع معدلات الطلاب الذين يتركون المدارس في سن مبكرة في المناطق غير الفارسية المهمشة: نظرًا لصعوبة تعلم اللغة الفارسية، وشعور الطلاب بالإعاقة اللغوية، ليتقنوا جزئيًا كل من لغتهم الأصلية واللغة الفارسية المفروضة عليهم. هذا يؤدي أيضًا إلى معاناة الطلاب من أزمة الهوية المزدوجة.
يستخدم نظام الاحتلال الإيراني مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات في جهوده الرامية إلى طمس الهوية العربية في الأحواز. أحد هذه الاستراتيجيات هو إدخال المستوطنين الناطقين بالفارسية ومنحهم منازل بين مجتمعات المواطنين العرب بهدف وجود تأثير سلبي على المواطنين العرب في الأحواز. بالإضافة إلى ذلك، يتم بناء عدد هائل من المدارس والمؤسسات والمراكز من أجل هدف صريح وهو فرض ونشر اللغة والثقافة الفارسية، في حين يتم حجب واستبعاد اللغة العربية وكل ما يرتبط بهوية وثقافة وتاريخ الشعب العربي في الأحواز.
المستوطنات الإيرانية هو مستوطنات فارسية فقط، قاصرة على عِرق واحد فقط، ويعيش سكّانها في راحة تامة، مع توفير كل التسهيلات لهم، في حين يُحرَم عرب الأحواز من هذه التسهيلات ويعيشون في ظروف مزرية بائسة في وطنهم.
وبطبيعة الحال، لا تقتصر احتجاجات العرب في الأحواز ضد الاحتلال الإيراني على مثل هذه القضايا؛ فمنذ الاحتلال العسكري للأحواز وحتى الآن، تمارس إيران جميع الإجراءات القمعية، ومن خلال تبني سياسات خبيثة متعددة يحاول النظام القضاء تمامًا على الهوية العربية في الأحواز.
لا يمكننا المبالغة في الحديث عن الإرث الرهيب من الاحتلال القمعي القومي الإيراني، الذي تسبب في معاناة أليمة لأكثر من 10 مليون شخص من عرب الأحواز، الذين عانوا طويلًا من التهميش المنهجي من قِبل الأنظمة المتعاقبة من الاحتلال الإيراني، من الشاه، قبل النظام الثيوقراطي الحالي، فيما يتعلق بالأراضي والأقاليم والموارد واللغة والثقافة والقوانين العرفية، والفرص السياسية والاقتصادية.
منذ البداية، كان هدف احتلال الأحواز من قِبل الدولة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية هو القضاء على كل ما هو عربي في الأحواز. لم يدخر النظام الإيراني جهدًا في التخلص من الثقافة، واللغة، والتاريخ والكيان الوطني لعرب الأحواز ودمج كل ذلك داخل بوتقة الثقافة الفارسية من خلال حرمانهم من جميع حقوقهم المشروعة، مثل التعليم وتعليم اللغة العربية، والتي هي واحدة من أهم ركائز تربية الأجيال الجديدة المستنيرة، ليتم فرض الفارسية.
منذ ظهور نظام الجمهورية الإسلامية، تم الإعلان عن أنّ كل ما له علاقة بالثقافة العربية هو ضد الله، وبالتالي تم منعه. في واقع الأمر، لا يهتم نظام الملالي بالمعتقدات الدينية بقدر اهتمامه بمحاربة الهوية العربية في الأحواز والتخلص من ثقافتهم. وقد أدت هذه السياسة الاستعمارية إلى تأخر الشعب العربي في الأحواز فيما يتعلق بالتنمية والتعليم، في ظل ممارسة هذه السياسة بالتوازي مع الإرهاب والترهيب والقمع، الأمر الذي أضعف العرب وجعل اللغة العربية هشة بين الأحواز.
حاولت أجهزة الاحتلال الإيرانية حاول تزييف وتشويه الهوية الوطنية وثقافة الأحواز من خلال وصفهم بأنهم عرب إيرانيين وأقلية ناطقة باللغة العربية، والهدف من ذلك هو الإيحاء بأنهم ليسوا عربًا في الأصل، ولكنهم فرس أصبحوا مع مرور الوقت وتحت التأثير اللغوي لجيرانهم متحدثين باللغة العربية بسبب قربهم من الدول العربية. إنّ التهديد الذي يمثله نموذج الأحواز العرب على سياسة الأمن القومي الفارسي احتل مكانة رئيسية ليس فقط بين قوات الأمن الإيرانية، لكنّه أصبح مركزيًا في الفكر السياسي القومي في إيران، الذي يقوم على مذاهب مزدوجة من القومية الفارسية والإسلام الإيراني (الإسلام الشيعي).
من خلال الكتب والدراسات المنشورة من قِبل المراكز الاستراتيجية الإيرانية الموالية للاحتلال، يمكننا أن نفهم مدى أهمية هذه القضية للنظام الإيراني. مثل هذه الدراسات والمنشورات مليئة بالاستراتيجيات والمفاهيم الدنيئة التي تهدف إلى مواجهة الصراع العربي الأحوازي، ومفاهيم غريبة لتشويه صورة الحركة الأحوازية الوطنية. على سبيل المثال، تصف هذه الكتب والمطبوعات الأحواز بأنهم موالون لحزب البعث العربي الاشتراكي. بعد سقوط النظام العراقي، أنتج الاحتلال الإيراني مفهوم الوهابية، ثم نشر بعض الأكاذيب بأنّ النشطاء السياسيين الأحوازيين هم جواسيس وعملاء غربيين، وأعداء لله، وخونة، وملحدين وكفار. هذه التهم تستوجب عقوبة الإعدام، ولذلك استخدمها النظام القضائي المنحاز في إيران لقتل السجناء السياسيين من عرب الأحواز.
ونظرًا لكل هذه الأمور، فإنّ التهديد بالسجن والإعدام كان هو الواقع الثابت الذي يواجه كل العرب في الأحواز. ويهدف هذا التهديد إلى إضعاف قوة الإرادة للأمة العربية في الأحواز حتى يتخلوا عن النضال من أجل التحرر، ومن أجل استعادة استقلالهم الذي سلبتهم إياه إيران في عام 1925. وعلى الرغم من كل هذه الاستراتيجيات القمعية، لم تنته الثقافة العربية في الأحواز؛ بل على العكس من ذلك، أصبحت أقوى.
الإنكار والإقصاء العنصري، والقتل الجماعي خارج نطاق القضاء والإبادة العرقية والتهجير القسري، كل ذلك شكّل السياسات الرئيسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في التعامل مع الشعب الأحوازي والجماعات الوطنية الأخرى. ومع ذلك، فإنّ الثقافة الأصلية والقيم الأخلاقية والتاريخية للأمة العربية في الأحواز، مثلما تجلى ذلك في سياق المقاومة الاجتماعية، لم تخضع أمام السياسات الاستيعابية من محاولة إيران لبناء دولة قومية على أساس عرقي أحادي من الهوية الفارسية.
ويرايت وات ويلايك – التقرير