لا يحدث في الكثير من الأحيان أن يقوم الدالاي لاما، (القائد الديني الأعلى للبوذيين) باستدعاء حائز سابق على جائزة نوبل للسلام، ولكن الأمر كان اضطراريا الأسبوع الماضي عندما استدعى القائد الديني، أونغ سان سو كي الحائزة على جائزة نوبل للسلام لسنة 1991، التي رفضت التحدث عن تفاقم محنة أقلية الروهينجا في وطنها.
الروهينجا هم أقلية مسلمة، عاشوا لأجيال في بورما ذات الأغلبية البوذية، التي تعرف أيضا باسم ميانمار، الواقعة بالقرب من الحدود مع بنغلاديش. وقد واجهت هذه الأقلية فترة طويلة من التمييز وعدم الاعتراف بأفرادها كمواطنين في هذه الدولة.
وقد حظيت قضية الروهينجا باهتمام دولي كبير مؤخرا، خاصة بعدما فرّ الآلاف منهم من الاضطهاد، كما تم التخلي عن الكثير منهم في البحر داخل قوارب متهالكة من قبل تجار البشر، وكانت بلدان الجوار في المنطقة مترددة في اتخاذ قرار إنقاذهم وإيوائهم.
الدالي لاما الرابع عشر تينزن غياتسو، صرّح لجريدة أسترالية أنه سيناقش قضية الروهينجا مع زعيمة المعارضة في بورما والفائزة السابقة بجائزة نوبل للسلام، سو كي، مؤكدا أنه “ليس من الكافي الحديث عن كيفية مساعدة هؤلاء الناس فقط أو التساؤل عن ذلك”، يضيف غياتسو.
كما اعتبر هذا الأخير أن “الأمر محزن للغاية”، مؤكدا أنه ذكرها بهذه القضية وحدثها عنها، وقالت له إنها وجدت بعض الصعوبات في التعاطي مع الموضوع، لأن الأمور، حسب قولها، ليست بسيطة كما يظهر بل معقدة للغاية.
وفي اجتماع الأسبوع الماضي في أوسلو، وجه العديد من الحائزين على جائزة نوبل للسلام، مناشدات نيابة عن الروهينجا، وكان من بينهم كبير أساقفة كيب تاون السابق ديزموند توتو الجنوب إفريقي، الحائز على جائزة نوبل للسلام سنة 1984، والذي وصف حالتهم بـ”واحدة من أكثر الأزمات الدائمة لحقوق الإنسان على الأرض”.
وقال توتو “إن أكثر من مائة ألف من الروهينجا كانوا يعيشون في مخيمات النازحين لسنوات بعد طرد البوذية لهم ودفعهم للخروج من مجتمعاتهم بعد إحراق منازلهم. مذكرا أن “حكومة بورما قد سعت لتبرئة نفسها من المسؤولية عن الصراع بين الراخين وروهينجا، وأرادت أن تجعل الأمر يرتبط بالعنف الطائفي فقط” يقول توتو.
“لم تتم دعوة سو كيي إلى حدث أوسلو، وكان صمتها حول قضية الروهينجا خلال السنوات القليلة الماضية ملحوظا من قبل الجميع”، يقول فيل روبرتسون، نائب مدير هيومن رايتس ووتش آسيا.
وأضاف المتحدث نفسه: “بالتأكيد لديها تاريخ طويل من الإنجاز والمواقف التي تحسب في خانة العمل من أجل الديمقراطية في بورما، ولكن للأسف، في قضية أقلية الروهينجا الفارين من بورما، فقد كانت صامتة بشكل ملحوظ”، يقول روبرتسون الذي اعتبر أن “صمتها حول الموضوع كان يصم الآذان، خاصة بالرجوع إلى مسألة التزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان”.
روبرتسون وغيره من النقاد يعتبرون أن سو كيي تحاول تفادي القضية بالنظر لاقتراب موعد الانتخابات العامة، المزمع تنظيمها نهاية أكتوبر، والتي تصبو الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية خلالها أن تتمكن سو كيي من تحقيق الفوز.
سو كي ذات الـ 69 عاما، هي ابنة الجنرال السابق، أونغ سان، الذي كان بطل الاستقلال في البلاد، والذي تم اغتياله سنة 1947، قبل أشهر من انتهاء الحكم الاستعماري البريطاني. وكانت سو كيي آنذاك في عامها الثاني، وقد أبقاها الحكام العسكريين في بورما تحت الإقامة الجبرية لما يقرب من عقدين من الزمن، ليتم السماح لها بالمشاركة في الحياة السياسية في السنوات الأخيرة نظرا لما طرأ من تغييرات في البلاد.
عندما سُئلت عن الروهينجا في مقابلة مع شبكة بي بي سي، قالت سو كيي “أعتقد أننا سنقبل أن هناك مسلمون في كل بقاع العالم، ويجب التسليم أنهم يشكلون قوة كبيرة جدا، وبالتأكيد هذا التصور ينطبق على مناطق كثيرة من العالم وعلى بلدنا أيضا”، معتبرة في نفس الوقت أن “الاهتمام بجانب واحد أو التركيز على حقوق فئة وتغليبها على الأخرى، سيكون سببا في اندلاع لهيب العنف”، حسب تعبيرها.
“هذا هو كل ما يحتاجه العالم أن يفهمه، أن الخوف ليس فقط على المسلمين ولكن على البوذيين أيضا”، تقول سو كيي التي اعتبرت أن “هناك خوف على كلا الجانبين، ونود أن يفهم العالم أن رد فعل البوذيين يستند في الأساس على الخوف”.
من جهة أخرى، يعتبر روبرتسون، ممثل هيومن رايتس ووتش، أن “سو كيي شوّهت صورتها في المجتمع الدولي، خاصة أن الكثير من الناس يرون فيها مدافعة حقيقية عن حقوق الإنسان وعن المبادئ الكونية المتعلقة بها، معتبرا أنها “أصابت الجميع بخيبة أمل قوية بعد النطق بتصريحاتها حول الموضوع”، حسب تعبيره.
إن بي أر | ترجمة: إكرام السعيدي