مستوى الاضطرابات في الشرق الأوسط يبدو أكبر مما كان عليه في أي وقت آخر طبقا لمشاهداتي لطبيعة وظروف المنطقة في خلال الخمسين عاما الأخيرة. ويأتي وسط هذه العاصفة المثالية تحول أكثر دراماتيكية في السياسة السعودية لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، ما يمثل نقطة تحول حاسمة في العلاقات السعودية مع حاميها التاريخي، الولايات المتحدة، ومع جيرانها في منطقة الشرق الأوسط. إصرار النظام السعودي على رؤية التهديدات التي تتعرض لها المملكة داخل بوتقة طائفية بشكل جذري (السنة ضد الشيعة) سوف يضعها على خلاف متزايد مع راعيها الأمريكي، ويمكن أن يقود الشرق الأوسط إلى صراع مشابه لحرب الثلاثين عاما في القارة الأوروبية، وحرب أهلية على مستوى القارة على أساس ديني تتسبب في القضاء على ثقافة بأكملها.
هناك حالة خوف من الهيمنة الإقليمية الإيرانية. هذا الحذر من إيران ليس شيئا جديدا، ولكنه يمتد منذ الأيام الأولى لإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق «بيل كلينتون»، حيث كانت المملكة العربية السعودية قادرة على الاعتماد على واشنطن لاحتواء إيران. حاصرت الولايات المتحدة إيران بقواعدها وقواتها، وفرضت المزيد من العقوبات اقتصادية على الدولة الثورية الإيرانية. بدأت هذه السياسة بعد «جورج دبليو بوش». أنهت إدارة «بوش» النصر العسكري الرائع لها على قوات «صدام حسين»، في الوقت الذي انهار فيه الاتحاد السوفياتي أيضًا، لتبقى الولايات المتحدة القوة العسكرية الوحيدة في الخليج.
كانت إدارة «كلينتون» تدرس لفترة وجيزة تحقيق التوازن بين إيران والعراق ضد بعضهما البعض كوسيلة للحفاظ على درجة من الاستقرار الإقليمي وحماية الدول العربية الغنية بالنفط الصغيرة على الجانب الجنوبي للخليج. وسادت سياسة من هذا القبيل لمدة عشرين عاما سبقت حرب الخليج. ومع ذلك، فقد رفض «مارتن إنديك»، رئيس سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في عهد «كلينتون»،هذه السياسة رسميا، وأعلن سياسة جديدة سميت بــ «الاحتواء المزدوج». وفي الوقت الذي تمت فيه محاصرة العراق بعقوبات الأمم المتحدة، وضعفت فيه إيران بعد ما يقرب من ثماني سنوات من الحرب مع العراق، كان لدى الولايات المتحدة «وسائل لمواجهة النظامين العراقي والإيراني»، كما أعلن «إنديك». وقال إنه في الوقت الراهن «نحن لسنا بحاجة إلى الاعتماد على أحد لتحقيق التوازن بين البعض».
محاولة الولايات المتحدة لاحتواء العراق انتهت فعليا عندما بدأت الحرب على العراق. لكن الولايات المتحدة استمرت في تطبيق استراتيجية الاحتواء مع إيران. وأصبحت هذه المهمة بالنسبة للولايات المتحدة أكثر صعوبة بعد غزو إدارة «جورج دبليو بوش» أفغانستان وتشتيت شمل طالبان، أسوأ عدو لإيران في الشرق، ثم مهاجمة «صدام حسين» آنذاك، أسوأ عدو لإيران في الغرب، وتم استبداله بحكومة شيعية كانت صديقة لإيران. وعلى الرغم من أن مساهمة إيران في هذه العملية كانت ضئيلة، إلا إنها أصبحت بين عشية وضحاها الدولة الأكثر تأثيرا في الخليج. استمر نفوذ إيران الإقليمي في التوسع حتى في ظل تطبيق الولايات المتحدة لعقوبات بشكل ثقيل لم يسبق.
الأهم من ذلك هو أن تثبيت الولايات المتحدة لحكومة شيعية في العراق أعطى مصداقية لفكرة سيطرة إيران المستمرة على الشرق الأوسط، والتفسير للكثير من الاضطرابات التي أعقبت حرب طائفية ملتهبة من قبل إيران. وغذى هذا التصور المحتمل إعادة تقييم استراتيجي بالغ الأهمية في المملكة العربية السعودية.
سياسة أمريكية جديدة
الرئيس «أوباما» حاليا يحاول استبدال سياسة الاحتواء بسياسة المشاركة المحدودة مع إيران. وفي الواقع، فقد أشارت الولايات المتحدة إلى أنها لن تكون مسؤولة عن إبقاء إيران محصورة كما كانت «مادلين أولبرايت» تقول على الحالة المطبقة مع العراق في عهد «صدام حسين». وقد اجتذب هذا التحول في السياسة معارضة شرسة من كل دولة إقليمية تقريبا؛ وعلى رأسهم إسرائيل والمملكة العربية السعودية. واعتادت البلدان في المنطقة منذ فترة طويلة على وجود الولايات المتحدة كعمدة إقليمي، وضامن لإبقاء إيران معزولة وفي حالة حياد سياسي، فضلاً عن بقائها تحت ضغط.
ومن المفارقات أن الدول العربية السنية في المنطقة تبنت خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» الذي يحذر من أن إيران كانت تسعى بنشاط لتطوير سلاح نووي، ما يخلق تهديدا لأي دولة تعارض تصرفات إيران في المنطقة. وبشكل جزئي ردا على هذه المخاوف، انتهجت الولايات المتحدة مفاوضات لوقف وصول الإيرانيين إلى سلاح نووي. وما أثار استغراب الجميع تقريبا، هو أن هذه الجهود تسببت في اتفاق مبدئي مفصل في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013 وإعلان رسمي لموعد توصل إلى اتفاق نهائي في لوزان في 2 إبريل/ نيسان 2015. وتجري عملية صياغة الاتفاق النهائي على قدم وساق.
وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق المرتقب من شأنه أن يقلل بشكل كبير من احتمال تطوير إيران لسلاح نووي، إلا أن رد فعل إسرائيل ودول الخليج العربي على ذلك كان أقرب إلى الهستيريا. ويشير رد الفعل هذا بقوة إلى أن القلق الكامن في دول الخليج وإسرائيل ليس في الحقيقة خطر الأسلحة النووية الإيرانية، وإنما خطر النفوذ السياسي المتنامي لإيران في المنطقة؛ من العراق إلى سوريا إلى لبنان، ومؤخرا إلى اليمن الفقير. ويبدو أن الخوف في الأساس هو أن تخفيف العقوبات، جنبا إلى جنب مع إظهار إيران مهارة في التفاوض على اتفاق مع أقوى الدول على وجه الأرض، من شأنه أن يعزز نفوذ إيران السياسي في جميع أنحاء المنطقة.
وبالنظر إلى شبح صعود ايران، وتحول الولايات المتحدة من سياسة الاحتواء إلى المشاركة الجزئية، فإنه ليس من المستغرب أن تقدم المملكة العربية السعودية على إعادة تقييم سياستها الخارجية. ولكن سرعة التحول الاستراتيجي وحجمه، كان مذهلا.
على مدار عقود عدة، لعبت المملكة العربية السعودية الدور الكلاسيكي للدولة الضعيفة التي تمتلك مصدر دخل وحيد هو النفط. إنها تقوم بزراعة حماة أقوياء وتستخدم نفوذها من وراء الكواليس لتعزيز النتائج التي لا يمكن أن تحققها لو انبرت بنفسها سعيا لتحقيقها. ولقد كان الحذر السعودي أسطوريا، مع وجود استثناءات قليلة جدا بارزة، في تجنب أخذ زمام المبادرة أو وضع نفسها في جبهة السياسات المثيرة للجدل.
وفي الواقع، فإن الولايات المتحدة وبلدان أخرى كثيرة تدين بالكثير جدا للسياسات الواقعية والواعية التي انتهجتها المملكة العربية السعودية، ولا سيما فيما يتعلق بالسياسات النفطية المهمة جدا. أنا متأكد أن كل مراقب جاد ومعني بأمور الشرق الأوسط يمكن أن يجد أمثلة على ما يمكن اعتباره عثرات السعودية أو ما يمكن أن يُسمى بالفرص الضائعة. ولكن ما هي الدولة الاستبدادية الأخرى في تلك المنطقة المضطربة التي يمكن أن تختارها لإدارة مجموعة من الموارد مع تأثير عميق على كل شخص وكل اقتصاد في كل مكان من العالم؟
تغييرات
ويبدو أن هذه العناية تتلاشي بعد التغيير في القيادة، أقصد بذلك وراثة «سلمان» للعرش وتعيين مجموعة جديدة في المناصب القيادية، وخصوصا الشباب الذين شغلوا مناصب العديد من النواب والوزراء. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه، غيّر الملك الجديد هيكل الحكومة السعودية، وقام بحل ما اعتبره معظم المراقبين السعوديين القضية الأكثر تعقيدا التي تواجه المملكة، وهي كيفية تحقيق قفزة من الجيل القديم، أبناء الملك المؤسس، إلى الجيل القادم أو جيل الأحفاد. وعلى مدى السنوات الــ 83 الماضية، تم تمرير العهد السعودي من أخ لأخيه وليس من الأب إلى الابن. ومن المرجح أن يكون الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، البالغ من العمر 79،آخر من يتولى مهام الحكم والعرش من جيله.
ولي العهد الجديد، «محمد بن نايف» ابن شقيق سلمان، يبلغ من العمر 55 عاما، والابن المفضل لأبيه الملك «محمد بن سلمان بن عبدالعزيز» في متوسط سن الثلاثين. وبجانب وضعهما على خط الخلافة، كولي عهد للأول ونائبه للثاني، فإنهما باتا مسؤولين عن أهم المؤسسات الرئيسية في المملكة (باستثناء رئاسة الحرس الوطني). لقد أصبحت مقاليد الأمور في يد عناصر شبابية، والذين هم في نفس الوقت أمراء بانتظار دورهم في الحصول على لقب الملك.
الحرب في اليمن
ومع وصول هذه الإدارة الجديدة بعناصرها إلى السلطة، بدأ النظام الجديد على الفور تقريبا مبادرة عسكرية في اليمن من المرجح أن تسبب له القلاقل، كما أنها من الممكن أن تحمل مخاطر تهدد بقاء هذا النظام. وتنفق السعودية الكثير والكثير على كل فرد تابع لقواتها العسكرية والأمنية أكثر تقريبا من أي بلد آخر في العالم، ولكن نادرا ما كان هناك اختبار حقيقي. وكان قرار بناء تحالف دولي وإطلاق حملة جوية شاملة في اليمن ضد المتمردين الحوثيين تفاديا ملحوظا لأن يكون هناك اختبار حقيقي.
هذه المبادرة مثيرة للاهتمام من أكثر من طريق. أولا: تم اتخاذ القرار المثير للجدل مع عدم بناء توافق في الآراء واضح أو حتى التشاور داخل العائلة المالكة. لذلك كانت هناك قرارات حاسمة أخرى. (تم إنهاء عملية استبدال ولي العهد السابق لتعلن عند منتصف الليل). لا أحد يشك في قدرة الملك على نشر أي قوة، ولكن مثل هذا القرار الحاسم في الماضي كان من الممكن على الأقل أن يكون بالتشاور بين الأعضاء الرئيسيين الآخرين على مستوى أصعدة مختلفة داخل العائلة المالكة.
هناك أيضا أسئلة حول الاستراتيجية العسكرية. الحوثيون عبارة عن مليشيا قبلية تتعاون مع بعض قطاعات القوات المسلحة اليمنية. محاولة هزيمة هذا الفريق بالقصف الجوي أمر مشكوك فيه. وكما تعلمت الولايات المتحدة من دروس أفغانستان والعراق، لا يوجد بديل للقوات البرية عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على الأرض وبسط النفوذ عليها. لكن المملكة العربية السعودية اكتشفت أنه لا أحد من شركائها في الائتلاف الرئيسي، مصر وباكستان، على استعداد لإرسال قوات البرية، وهذا دليل آخر أن هذه الحملة صممت على عجل.
وللأسف، وربما كان متوقعا، كان الإنجاز الأهم في أسابيع القصف هو تدمير البنية التحتية المدنية، ومقتل العديد من الأبرياء، وخلق أزمة إنسانية واسعة النطاق في واحدة من أفقر البلدان في العالم. سيطر الحوثيون على مزيد من الأراضي اليوم أكثر مما كان في يدها في بداية الحملة، ونمى مستوى الوحشية في النزاع بسرعة. ومن الناحية الإنسانية، فقد باتت اليمن سوريا جديدة.
يبدو أن الهدف من الحملة السعودية كان لإظهار القوة ضد إيران أينما تظهر يدها، حتى لو كان تأثير تلك اليد الفعلي غير واضح. وتدعم إيران الحوثيين، ولكن هذا لا يترجم بالضرورة إلى السيطرة، ويقال أن إيران نصحت الحوثيين بعدم إسقاط الحكومة اليمنية، إلا أنهم تجاهلوا تلك النصيحة.
الخطر الإيراني أولا
بالفعل، هذه المحاولة لمواجهة التهديد الإيراني جاءت على حساب الأمن في المملكة العربية السعودية، ما عزز عدوها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ومع تراجع عمليات مكافحة التمرد التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد القاعدة في جزيرة العرب وسط حالة الفوضى في اليمن، فإن الحوثيين هم الحصن الرئيسي ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وفي الوقت الذي يوجد فيه الحوثيون تحت الحصار من قبل التحالف السعودي، نجحت القاعدة في جزيرة العرب في السيطرة على العاصمة الإقليمية الجنوبية في اليمن.
كل هذا يشير إلى أن المملكة العربية السعودية تركز الآن على تهديد النفوذ السياسي المتنامي لإيران، وارتباطها مع الأقليات غير السنية، أكثر من تهديد الإسلام السني الراديكالي السنة المتجلي في تنظيم القاعدة و«الدولة الإسلامية» وجماعات أخرى. دليل آخر على هذه العقيدة غير الواضحة يمكن العثور عليه في عدم استعداد المملكة العربية السعودية لمساعدة قوات التحالف الامريكية التي تقاتل «الدولة الإسلامية» في العراق، على أساس أن هذا من شأنه أن يعزز موقف الحكومة الشيعية في بغداد التي هي صديقة لإيران.
وبطبيعة الحال، فإن العام الماضي ليس هو الأول الذي يشير فيه السعوديون إلى أنهم يخشون إيران أكثر من خوفهم من الإسلام الراديكالي السني. ولعدة سنوات وحتى الآن، قدمت المملكة العربية السعودية الدعم للمتطرفين السنة في سوريا، والذين يقاتلون للإطاحة بالحليف الإيراني« بشار الأسد». ولكن إعطاء هذه الأولويات للشيعة على التهديد السني يميزه العديد من المظاهر على مستوى المنطقة، وفي اليمن أهم ما يميز الصورة هو استخدام مفتوح للقوة العسكرية السعودية. ويبدو أننا ندخل عصرا جديدا.
قرار السعودية بوضع التهديد السياسي لإيران فوق التهديد العسكري والأيديولوجي الفعلي للراديكاليين الإسلاميين السنة أمر مختلف عليه في أحسن الأحوال. وقد أعلن كل من تنظيم القاعدة وما يسمى بـ«الدولة الإسلامية» صراحة عن نيتهم إسقاط العائلة المالكة السعودية الفاسدة، والسيطرة على المكانين المقدسين؛ مكة المكرمة والمدينة المنورة. وفي الأسبوع الماضي فقط أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن تفجير مسجد شيعي في شرق المملكة العربية السعودية، أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصا.
هذا التهديد من الراديكاليين الإسلاميين السنة هو التهديد الخارجي الوحيد الموثوق به ضد الاستقلال السعودي وسلامة أراضيها. ولا توجد حركة أخرى في الشرق الأوسط تبنت حملة تهدف إلى إسقاط المملكة العربية السعودية أو عائلة آل سعود الحاكمة أو حتى تعلن العداء الصريح للعائلة. وحتى النظام الإيراني لم يفعل بشكل علني صريح ما يدل على رغبته وسعيه لزعزعة استقرار المملكة العربية السعودية أو حتى مهاجمتها هي ولا دولة سنية أخرى. وجاءت الحرب المروعة لإيران والتي استمرت ثماني سنوات مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي ردا على الغزو السافر من قبل «صدام حسين»، بدعم صريح وبتمويل من المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
واليوم، تدعم وتمول المملكة العربية السعودية، جنبا إلى جنب مع قطر وتركيا، المتطرفين الاسلاميين السنة في سوريا (جبهة النصرة وغيرها من الفروع التابعة لتنظيم القاعدة). وقد يحقق هذا الجهد هدفه بشكل جيد، أقصد بذلك الإطاحة بـ«نظام الأسد»، أو على الأقل إقامة دولة سنية صغيرة داخل سوريا، إلا أن النتيجة ستكون بمثابة تمكين وتفويض ائتلاف فاسد، يسيطر عليه المتطرفون الذين لا يميزهم شيء عن «الدولة الإسلامية»، وسياساتهم لا تختلف عن سياسة التنظيم الإرهابي. لن ينهي عزل «الأسد» الأزمة السورية، وسيكون الأمر أشبه بقلب وتغيير اللاعبين فقط، وتحول العديد من مؤيدي النظام الحالي إلى متمردين، في الوقت الذي سيتم فيه تأجيج المنافسة واشتعالها من أجل التفوق بين مليشيات القاعدة و«الدولة الإسلامية».
العالم خائف بشدة من الاستخدام غير المسؤول من «بشار الأسد» لقنابل غاز الكلور والبراميل المتفجرة، ولكن ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن وضع حكومة على شاكلة «الدولة الإسلامية» (أو حكومات متنافسة) في سوريا ستكون أكثر إنسانية أو أنها ستظهر قدرا أكبر من ضبط النفس. ولن تهدأ الصراعات السورية على الحدود، ولا سيما مع لبنان والعراق وربما تركيا والأردن وإسرائيل أيضا، بمجرد ترسيخ القوى الإسلامية المتطرفة أقدامها في الأراضي السورية.
اللعبة الخطرة
تماما كما ارتد دعم الولايات المتحدة والسعودية للمجاهدين في أفغانستان إلى شبح يطارد الولايات المتحدة في شكل حركة طالبان والقاعدة، وهؤلاء الذين يشجعون المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا لن يكونوا في مأمن من رد فعل سلبي لا مفر منه. ومن الوهم أن نعتقد أن هذه المجموعات يمكن احتواؤها أو السيطرة عليها من قبل مموليهم وموردي الأسلحة.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق من ذلك كله، هو أن بعض السعوديين المؤثرين يتصورون حملة أوسع ضد إيران إن لم تكن، في الواقع، ضد الشيعة على نطاق أوسع. ودعا الكاتب السعودي المخضرم «جمال خاشقجي» إلى جهاد سعودي «يطرد إيران الطائفية من عالمنا»، جهاد يأخذ المجاهدين الأفغان كنموذج، والسعي إلى «حوار مع القوى المعتدلة في تنظيم القاعدة مثل جبهة النصرة». وقال رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير «بندر بن سلطان» لمسؤول أمني بريطاني رفيع المستوى، في كلام يتعلق بالشيعة، «…عندما سيشعر مليار مسلم سني بأنهم احتملوا ما فيه الكفاية من الشيعة، كان الله في عون الشيعة».
الكراهية تجاه الفرس والشيعة ليست جديدة في المملكة العربية السعودية أو غيرها من الأراضي حيث يوجد المذهب الوهابي المتشدد. ومع ذلك، لم يكن هناك عائق يمنع التفاعل الاجتماعي الخاص والمصاهرة بين السنة والشيعة على مر القرون، بل وصل الأمر إلى حد التعاون السياسي بين المملكة العربية السعودية وإيران في بعض الأحيان. ويبدو أن القيادة السعودية الجديدة تحرق كل الجسور بأخذها الأمر من زاوية طائفية بحتة. وسوف يكون من الصعب للغاية إعادة بناء تلك الجسور أو مدها من جديد.
يبدو أن الولايات المتحدة تميل إلى تقديم الدعم لهذه السياسات السعودية الجديدة، أو على الأقل عدم تضييع الطريق الآخر في محاولة لكسب التأييد لاتفاق نووي محتمل مع إيران. قد يبدو هذا سعرا مقبولا لدفع الأهداف السياسية على المدى القصير. ولكن هذا هو مجرد وهم. فالكراهية الطائفية التي اندلعت اليوم في منطقة الشرق الأوسط لن تختفي ببساطة عندما يتوقفون عن أساليبهم. هذه لعبة طويلة، حيث إن البلدان المعنية تحتاج إلى فهم أن عواقب أفعالهم ستشعر بها الأجيال.
المصدر | جيري سيك – بوليتيكو