يزور واشنطن هذا الأسبوع وفد يضمّ عضويْن بارزيْن من «الإخوان المسلمين» للتعبير عن معارضتهم للحكومة المصرية الحالية التي يرأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي. وفي حين من المرجح أن يكون الوفد موضع اهتمام وسائل الإعلام ومراكز البحث، لا يتعيّن على إدارة أوباما التعاطي معه على أي مستوى. فنظراً لتبني جماعة «الإخوان» العنف بشكلٍ صريح ودعواتها إلى موت السيسي، فإن تعامل الولايات المتحدة معها في هذا الوقت سيقوّض من جهود الإدارة الأمريكية لتعزيز علاقاتها مع القاهرة. كما سيقطع الطريق على محاولات إدارة أوباما تشجيع حكومة السيسي على المزيد من الانفتاح السياسي.
ويقوم “مركز دراسة الإسلام والديمقراطية” (“مداد”) باستضافة الوفد، وكان قد سبق له أن استضاف وفداً مماثلاً في كانون الثاني/يناير، بالتعاون مع “معهد مصر للتنمية الديمقراطية”، وهي منظمة ليس لديها موقع إلكتروني أو حضور على وسائل الإعلام الاجتماعي. ويضمّ الوفد الشخصية البارزة في جماعة «الإخوان المسلمين» وائل هدارة، المقيم في كندا والذي كان قد سبق أن شغل منصب مستشار من الخارج للرئيس المخلوع محمد مرسي، ومها عزام، التي لا تنتمي إلى «الإخوان المسلمين» ولكنها ترأس “المجلس الثوري المصري” المدعوم من تنظيم «الإخوان» والذي يدعو لإسقاط السيسي من المنفى.
ولكن يبقى القائد «الإخواني» عمرو دراج العضو الأكثر إثارة للجدل في الوفد، إذ لعب دوراً محورياً في أحد أكثر قرارات «الإخوان» المتعطشة للسلطة – والمكلفة في النهاية – التي اتخذتها «الجماعة» خلال العام الذي أمضته في الحكم. كما شغل دراج منصب الأمين العام لـ “الجمعية التأسيسية” التي هيمن عليها الإسلاميون والتي دفعت بالدستور بالقوة من خلال التصديق عليه في كانون الأول/ديسمبر عام 2012. وقد جاءت عملية كتابة الدستور المتسرعة بعد مجرد أسبوع على إصدار الرئيس مرسي إعلاناً منح لنفسه بموجبه الصلاحيات والسطة التنفيذية دون رادع، كما تسببت جماعة «الإخوان» بتفاقم الأزمة السياسية من خلال الدفع بالمسودة بسرعة نحو الاستفتاء في غياب الأحزاب غير الإسلامية التي قاطعت “الجمعية” احتجاجاً على استيلاء مرسي الصارخ على السلطة. إن الطريقة الإقصائية التي تمّت بها صياغة الدستور واللغة الضيّقة الواردة فيه بشأن تفسير الشريعة قد عزّزت من المخاوف واسعة النطاق بأنّ جماعة «الإخوان المسلمين» كانت تحاول فرض رؤيتها الدينية على مصر، وساهمت في التعبئة الجماهيرية لإسقاط مرسي في حزيران/يونيو عام 2013.
إن التعاطي مع مسؤولي «الإخوان» سيقوّض جهود الإدارة الأمريكية الرامية إلى تعزيز العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر، والتي شملت في الأشهر الأخيرة استئناف المساعدات العسكرية للقاهرة ودعم مؤتمر استثماري كبير في شرم الشيخ. وفي النهاية، غالباً ما يدعو «الإخوان» إلى إعدام السيسي في مظاهراتهم، كما أن «الجماعة» اعتمدت العنف علناً في الأشهر الأخيرة. وفي هذا السياق، وفي بيان أصدره «الإخوان» في كانون الثاني/يناير 2015، دعت «الجماعة» إلى “الجهاد” و”الشهادة” في القتال ضدّ نظام السيسي، كما أن صفحات «الإخوان» على وسائل التواصل الاجتماعي تروّج بشكل روتيني لهجمات على البنية التحتية، مثل الطرق والقطارات وأبراج الكهرباء. وفي حين ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تعمل على إشراك قطاعات واسعة من المجتمع المصري، فلا بد لها أن تضع حداً للتعامل مع «جماعة» تسعى إلى تدمير شامل للحكومة المتحالفة معها.
وعلاوةً على ذلك، يقوّض التعامل مع جماعة «الإخوان» جهود إدارة أوباما لتشجيع حكومة السيسي على المزيد من الانفتاح السياسي. وفي الواقع، كانت الإدارة محقّة في تحليلها بأنّ حملة القمع التي شنتها حكومة السيسي على نشطاء المعارضة ووسائل الإعلام، فضلاً عن الجوّ المقيّد للمنظمات غير الحكومية، قد يحفّز مرةً أخرى انفجاراً سياسياً مزعزعاً للاستقرار، كما حصل في كانون الثاني/يناير 2011 و حزيران/يونيو 2013. ولكن من خلال اجتماعها مع الوفد «الإخواني»، ستقوّض إدارة أوباما من مصداقيتها، وهو ما سينعكس على محاولاتها للتأثير على مصر في هذا الاتجاه، لأنّ حكومة السيسي وأنصارها الكثر سيفسّرون هذه الدعوات للانفتاح على أنها تمكين لعودة «الإخوان» إلى السياسة – وهذا احتمال يعتبره النظام ومؤيدوه بأنه بمثابة انتحار.
وأخيراً، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تستخلص العبر من تواصلها الأحدث عهداً مع جماعة «الإخوان»، وذلك خلال الزيارة التي نظّمها “مركز دراسة الإسلام والديمقراطية” إلى واشنطن لأعضاء من «التنظيم» في كانون الثاني/يناير. وفي حين أملت الإدارة الأمريكية أن تبقي اجتماعاتها مع مسؤولي «الإخوان» طيّ الكتمان، قام أعضاء «الجماعة» بالإعلان عنها واستخدامها كأداة دعائية لتشجيع مؤيديهم وتحدّي الشرعية الدولية لحكومة السيسي. وفي الواقع، بعد فترة قصيرة من لقاء مسؤولي «الإخوان» مع مسؤولين أمريكيين في مقر وزارة الخارجية الأمريكية في “فوغي بوتوم”، نشر عضو من الوفد على موقع التواصل الإجتماعي “الفيسبوك” صورةً لنفسه أمام شعار وزارة الخارجية، وفي وقت لاحق قال عضو آخر لمحطة فضائية موالية لـ «الإخوان» بأنّ مسؤولاً من البيت الأبيض قد حضر ذلك الاجتماع. وقد أحرج ذلك إدارة أوباما على الصعيد المحلي، وعزّز نظريات المؤامرة في مصر بشأن الدعم الأمريكي المفترض لجماعة «الإخوان».
يجب على إدارة أوباما أن لا تسمح باستخدامها كأداة دعائية في حرب «الإخوان» المستمرة ضدّ الحكومة المصرية. وباختصار، ينبغي أن لا تسمح لـ «الإخوان» بخداعها مرتين.
إريك تراجر هو زميل إستير ك. واغنر في معهد واشنطن.