على مدى الأسبوعين الماضيين، تبنى ما يسمّى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» هجومين على مسجدين شيعيين في المملكة العربية السعودية، واحداً في الدمام والآخر في القطيف. وعلى الرغم من أنه قد لا يكون لهذين الحادثين تأثير مباشر على أمن السعودية بشكل عام، إلا أنهما يتصلان باستراتيجية طويلة الأمد لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» لإضعاف الحكومة السعودية من خلال فضح نفاقها المزعوم، ويوضحان أيضاً الكيفية التي صمم بموجبها تنظيم «داعش» أعماله وفق مراحل في الجزيرة العربية. على سبيل المثال، عندما أعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي عن ولايات جديدة لما يُسمى بالخلافة في المملكة العربية السعودية واليمن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال لأنصاره إنه يجب استهداف الشيعة أولاً. وفي تصريحات أدلى بها الشهر الماضي، ركز على الدولة السعودية وعلى ما وصفه بأنه حرب اليمن التي فشلت فيها. وبالتالي فإن الهجمات الأخيرة هي مؤشرات على تهديد أوسع من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» للشرعية الإسلامية السعودية.
حسابات «داعش»
من خلال مهاجمته للمنطقة الشرقية، يسعى تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى وضع الرياض في موقف الدفاع عن الشيعة أو استرضائهم، وذلك على حساب أيديولوجية دولة سعودية وهابية لا تذهب مفاهيمها بعيداً جداً عن أيديولوجية «داعش» (على سبيل المثال، المدارس السعودية تعلّم الطلاب أن الشيعة هم كفار وليسوا مسلمين). من هنا، من المرجح أن يعتبر تنظيم «الدولة الإسلامية» إجراءات الرياض في أعقاب الهجوم الأول على أنها نصر له.
ورداً على التفجير الانتحاري الذي وقع في 22 أيار/مايو في القطيف، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي إن هدف «داعش» من الهجوم كان نشر الطائفية، في حين زار ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مدينة القطيف، وقدم تعازيه للضحايا ولأفراد عائلاتهم. بالإضافة إلى ذلك، أدان المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ “المؤامرة الإجرامية”. ومن وجهة نظر تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن مثل هذه الأعمال تسلط الضوء على مدى نفاق الرياض، وتبيّن للمؤمنين “الحقيقيين” في “أرض الحرمين الشريفين” كيف تخالف الدولة السعودية ما أمر به الله فضلاً عن معاييرها التي تأسست عليها. ويأمل زعماء «داعش» بجذب المزيد من المجندين والمؤيدين من خلال تقديم أنفسهم على أنهم رافعي راية الإسلام الحقيقيين.
قاعدة دعم تاريخية للجهاديين
في ما يتخطى إمكانية كسب أنصار جدد، يدرك تنظيم «الدولة الإسلامية» أن المملكة العربية السعودية تشكل مرتعاً للمقاتلين الأجانب والناشطين الجهاديين منذ الثمانينات. وكان السعوديون أكثر المندفعين إلى المشاركة في جميع العمليات الرئيسية لتعبئة المقاتلين الأجانب على مدى العقود الثلاثة الماضية (أفغانستان والشيشان والبوسنة والعراق وسوريا). والأهم من ذلك، أن السعوديين كانوا يشكلون أكبر مجموعة من أعضاء «داعش» الأجانب في العقد الماضي عندما كانت الجماعة تُطلق على نفسها اسم «تنظيم القاعدة في العراق»، ومرة أخرى في سوريا والعراق على مدى السنوات القليلة الماضية.
منذ انضمام تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى الجهاد السوري في نيسان/إبريل 2013، بعث برسائل معادية للسعودية عبر وسائل مختلفة، من بينها نشيد رسمي، وإعلانات عامة صادرة من “المحافظات” السورية التابعة لها في الرقة (مرتين) ودير الزور، وصور تظهر عبارات التأييد من داخل المملكة العربية السعودية. وادعى أنصار «داعش» أيضاً مسؤوليتهم عن محاولة اغتيال مسؤول دنماركي على طريق سريع في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، من خلال عرض لقطات للحادث على شبكة الإنترنت.
وقد يعتبر البعض أن تنظيم «داعش» لن ينجح في هز النظام الملكي، على غرار الجهاد الذي فشل في المملكة العربية السعودية في الفترة الممتدة ما بين عامي 2002 و 2006. ورغم أن هذا السيناريو ممكناً بالتأكيد، إلا أن الظروف المحلية أيضاً مختلفة تماماً في الوقت الراهن. فمن جهة، إن عدد السعوديين الذين يشاركون الآن في تنظيم «الدولة الإسلامية» أكبر مما كان عليه في تنظيم «القاعدة في المملكة العربية السعودية» في أوائل العقد الماضي وحتى منتصفه. من جهة أخرى، يملك «داعش» قواعد واسعة من التدريب والعمليات على جانبي الحدود ما بين المملكة والعراق، وبشكل أقل في اليمن. إلى جانب ذلك، يتمتع التنظيم بقاعدة دعم صغيرة بل هامة في البحرين، ويرجع ذلك جزئياً إلى كون داعية تنظيم «الدولة الإسلامية» البارز تركي البنعلي من البحرين، ولكن أيضاً لأن حكومة المنامة غضت الطرف عن أنصار «داعش» وعن السنّة الراديكاليين بشكل عام، ولم يكن ذلك مفاجئاً نظراً إلى أن حكّام الجزيرة السنّة هم أكثر قلقاً من التهديد الذي تطرحه الغالبية الشيعية لسلطتهم. وعند أخذ هذه العوامل مجتمعة في الحسبان، يمكن لهذه القواعد أن تقدم عمقاً استراتيجياً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في الوقت الذي يوسع «داعش» حربه ضد الشيعة في المنطقة.
إثارة رد فعل شيعي مع مرور الوقت
تاريخياً، لم يكن السكان الشيعة في الخليج العربي – السعوديين والبحرينيين على وجه الخصوص – متقبلين للانفتاح الإيراني بنفس الطريقة التي تقبلها لبنان. لكن مع الدور الأكبر الذي تلعبه إيران في الوقت الحالي في سوريا والعراق واليمن، يأمل تنظيم «الدولة الإسلامية» أيضاً أن يلعب دوراً مشابهاً في دول الخليج ذات الأنظمة الملكية، وإن كان ذلك كوسيلة لجعل الدولة السعودية تبدو ضعيفة ولإقناع الجماهير السنّة بالنظر إلى «داعش» بصفته الحامي الطبيعي لهم بدلاً منها. هذا وقد سبق للشبكات العميلة لإيران في العراق أن أظهرت علامات محدودة على دعم الشبكات المسلحة في البحرين، على الأقل خطابياً، وربما مادياً أيضاً. ومنذ أن نشرت الرياض قواتها هناك لقمع الحركات الاحتجاجية في عام 2011، كان المسلحون الشيعة في الجزيرة يشاركون في سلسلة من الهجمات – على نطاق صغير – على مؤسسات الدولة البحرينية، بالإضافة إلى إدانتهم للعائلة المالكة السعودية واتهامها بانتهاك حقوق الإنسان. كما صوّروا الصلات العائلية التي تربطهم بالشيعة في المنطقة الشرقية المجاورة كامتداد لقتالهم ضد الحكومة البحرينية.
لذلك، إذا استمر تنظيم «الدولة الإسلامية» في مهاجمة الشيعة في المملكة العربية السعودية، فإنه من المرجح أن يأمل أن يؤدي ذلك إلى توسيع الهوّة بينهم وبين الرياض، الأمر الذي يدفع بهم إلى البحث عن الحماية من الخارج، وبشكل خاص من إيران، التي يمكن أن توفر لهم الدعم بسرعة عن طريق «حزب الله» والجماعات المسلحة الشيعية العراقية، و/أو عناصر مماثلة في البحرين. ومن شأن ذلك أن يضع الدولة السعودية في مأزق، ويجبرها على العمل على ردع زيادة النفوذ الإيراني في جوارها أو الاستمرار في محاولة تهدئة الأمور، للوصول إلى وضع تكون فيه جميع الأطراف رابحة من وجهة نظر «داعش». وقد يبدو هذا السيناريو مستحيلاً بعض الشيء في الوقت الحالي، إلا أن العديد من المراقبين اعتقدوا أيضاً أن النفوذ الإيراني على السياسة الشيعية العراقية لن يصل أبداً إلى ذروته الحالية، لذا من المهم أن نفهم التطورات الأسوأ التي يسعى تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى إثارتها في المملكة العربية السعودية. فبعض الشيعة في المملكة بدأوا بالفعل بإنشاء «لجان الحشد الشعبي». وفي حين أنه من المرجح أن هذه الجماعات غير مرتبطة بالميليشيات الشيعية القوية التي تحمل الإسم نفسه في العراق، إلا أن هذا التميز من المحتمل أن يفقد من أهميته في نظر العديد من السعوديين المحافظين الذين هم بالفعل منفعلين بسبب إيران وإمكانية تمكين الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة.
وبطبيعة الحال، فإنه لا مفر من أي من هذه السيناريوهات. فتنظيم «داعش» يراهن على ثلاث نتائج وهي أن: بإمكانه دفع الشيعة السعوديين إلى أحضان الشبكات المسلحة وربما إلى أحضان إيران، وبإمكانه الحصول على ما يكفي من الدعم السني لمشروعه من خلال الكشف عن عدم قدرة الرياض على متابعة الأيديولوجية التي تأسست عليها، وبإمكانه تشجيع المزيد من التعاطف معه على أنه “الحامي الحقيقي” للسعوديين السنّة.
الخلاصة
يعتقد تنظيم «الدولة الإسلامية» أن بإمكانه صياغة الأحداث المستقبلية لصالحه، وفي بعض النواحي، كانت استراتيجيته للمرحلة الأولى من حملة شبه الجزيرة العربية ناجحة. فقد كان هجوم القطيف بمثابة دعامة للهجمات التي شنها في آذار/مارس ضد أربعة مساجد حوثية في صنعاء في اليمن. وقد أدت تلك الحوادث إلى نشوء تفاعل تسلسلي نوعاً ما: فقد حفزت الحوثيين على التحرك ضد عدن، مما دفع بالسعوديين إلى إطلاق حملتهم العسكرية الجارية في اليمن، الأمر الذي فتح بدوره الباب بشكلٍ أوسع أمام تنظيم «داعش» لتنفيذ العمليات في السعودية نظراً للموارد التي تلتزم بها الرياض في اليمن المجاور.
من الصعب التنبؤ بكيفية سير الأمور، خاصة بعد أن أصبح الكثير من جوانب السياسة الإقليمية والمحلية في الشرق الأوسط سائباً للغاية. فقد بات العديد من القواعد القديمة غير ذي صلة بالواقع منذ عام 2011، وخاصة في العام الماضي. وعلى أقل تقدير، سعى تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى تحقيق وضعية “كش ملك” [هزيمة تامة] ضد الدولة السعودية وإحداث تغيير حتى أكبر من ذلك من شأنه أن يزيد من بث الاضطراب في السياسة الإقليمية والعالمية. لذا، يجب على الحكومة الأمريكية ألا تستخف بالهجمات والتطورات الأخيرة ذات الصلة، وإلا ستتفاجأ مرة أخرى بالنتائج المتوقعة التي تم تجاهلها في أماكن مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن.
هارون زيلين هو زميل “ريتشارد بورو” في معهد واشنطن.