“سلطنة عمان تغرد خارج السرب الخليجي”، هكذا وصف خبراء ومراقبون مواقف وسياسات السلطنة والتي تتخذها دون تنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي، بل تتقارب أكثر على المستوى السياسي والجيوسياسي والاستراتيجي مع إيران “الشيعية” بتوقيع البلدين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية، في توقيت بالغ الخطورة والحساسية، حيث تخوض دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة عدا سلطنة عمان حربا في اليمن ضد جماعة الحوثي “الشيعية المسلحة” التي تحارب بالوكالة عن إيران.
ويطرح توقيت توقيع الاتفاقية تساؤلات عديدة أبرزها دلالة التوقيت وأطرافه وبيئته، فالتوقيع جاء في وقت حرب تخوضها السعودية وتأس فيها تحالف عربي في اليمن ضد الذراع العسكرية لإيران المتمثلة في جماعة الحوثي وضد عناصر من الحرس الثوري الإيراني الذين رصدهم شهود عيان وعناصر من المقاومة الشعبية اليمنية، كما تأتي في ظل حالة من السيولة السياسية وتصاعد خطابات التهديد والإنذارات اليومية من قبل إيران للسعودية وتهديد بإسقاط آل سعود، وهزيمتها باليمن، والتهديد بإعلان الحرس الثوري التعبئة العامة في أي وقت وبأي مكان.
اتفاقية ترسيم الحدود البحرية
وكانت قد وقعت إيران وسلطنة عمان في العاصمة مسقط يوم 26 مايو الماضي اتفاقية لتحديد الحدود البحرية في منطقة بحر عُمان بين البلدين، بحضور وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف”.
ونقلت وكالة الأنباء العمانية عن مصدر عماني: إنه “تم التوصل إلى هذه الاتفاقية في أجواء سادتها روح التعاون والصداقة للوصول إلى تحديد خط الحدود البحرية الفاصل بين البلدين وفقًا لمبادئ العدل والإنصاف وأسس القوانين الدولية ذات الصلة”.
وأعلنت وكالات أنباء إيرانية وعمانية في 26 مايو الماضي أن البلدين أعادا ترسيم قطاع طوله 450 كيلومترا من حدودهما البحرية التي لم تحدد في السابق في أول تقدم رئيسي بشأن القضية منذ عام 1975 – قبل الإطاحة في عام 1979 بشاه إيران وإقامة الجمهورية الإسلامية.
ولم تذكر التقارير المكان المحدد للمنطقة التي تم تحديدها لكنها أشارت إلى أنه تم الاتفاق الآن على الحدود بالكامل، ونقلت وكالة أنباء “مهر” عن ابن علوي قوله أن هذا الاتفاق سيعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.فيما توجد نزاعات إقليمية بين إيران والإمارات التي تطالب بثلاث جزر صغيرة تسيطر عليها إيران في الخليج.
عمان توطد علاقاتها بإيران وتبتعد عن أزمات الخليج
وبينما تغرق السعودية ودول خليجية في مستنقع الحرب في اليمن لمدة تزيد عن الشهرين، بسبب التعنت الإيراني ودعمها للحوثيين، التي تقصف مدن سعودية حدودية، كذلك تهدد إيران السعودية ودول الخليج بتمددها وخوضها معارك عسكرية في العراق وسوريا، تتجه سلطنة عمان لتوطيد علاقتها مع إيران التي يهدد تمدد نفوذها بالمنطقة الأمن القومي الخليجي بأسره، وبخاصة الحدود السعودية، ليس هذا فحسب فسلطنة عمان لم تشارك من الأصل في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في إطار عملية عاصفة الحزم العسكرية باليمن وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة.
ويأتي ذلك الترسيم للحدود وسط مخاوف من خطورة إقدام سلطنة عمان بمثل هذه الخطوة الحرجة والإستراتيجية المتعلقة بترسيم الحدود مع إيران بمنأى عن البيت الخليجي ومجلس التعاون الخليجي رغم أنها ورقة كانت من الممكن أن يتم توظيفها في إدارة عملية تفاوضية خليجية أوسع لحل نزاعات مع دول خليجية أخرى أبرزها الإمارات، فمنذ استيلاء الشاه الإيراني علي جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى في نوفمبر عام 1971 عقب الانسحاب البريطاني منها، ظلت العلاقات الإيرانية الإماراتية بالغة التوتر والحساسية.
أيضا هناك مخاوف من أن تتضمن هذه الاتفاقية الغامضة التي لم يعلن بعد عن تفاصيلها بنودا مجحفة تضر بعمان ودول الخليج أو قد تمثل قيودا جديدة على بلدانها وحرية حركتها البحرية.
ورجح مراقبون أن الخطوة الإيرانية بترسيم الحدود مع عمان هو محاولة لإثبات إيران عدم معاناتها من أي عزلة دولية وتعزيز قدراتها العسكرية والبحرية والاقتصادية ضمن عملية استعراض القوة التي تمارسها منذ بدء عملية “عاصفة الحزم في اليمن” وعمليات عناصر الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا.
أيضا إيران مقبلة على توقيع الاتفاق النووي النهائي بنهاية يونيو الجاري وقد تساعدها قدراتها البحرية واستقرار حدودها البحرية في إعادة تصدير النفط عقب رفع العقوبات وتخفف من عزلتها الاقتصادية.
ورغم توصيف تحركات عمان بالتغريد خارج السرب إلا أن هناك رأي يرى أن وجود دولة خليجية بعيدة عن الحرب في اليمن وعن الصراع ضد إيران له إيجابيات أبرزها لعبها دور الوسيط المحايد بين دول خليجية وإيران لحلحلة الأزمات بينهما وبالفعل استطاعت مسقط تنسيق مشاورات حوثية – إيرانية – أمريكية أفرزت تحديد موعد جديد لتشاورات جنيف خلال أسبوعين بحسب محللين.
يشار إلى أن ترسيم الحدود البحرية يعني وضع الحدود بين منطقتين بحريتين متشاطئتين، وهذا التحديد عادة نتيجة لمفاوضات بين الدول المعنيّة، تخضع لأنظمة القانون الدوليّ للبحار (حسب اتفاقية للأمم المتحدة سنة 1982)، كما يتعلق ترسيم الحدود البحريّة بالمياه الإقليمية والجرف القاري، والمنطقة الاقتصاديّة الخالصة.
شؤون خليجية