شنت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية هجوما شنيعا على القيادة السعودية، التي بدأت في مشروع عملاق لتطوير الدرعية التاريخية، التي شهدت الاتفاق التاريخي في القرن الـ 18 بين مؤسس الأسرة السعودية محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقالت إن هذا المشروع لم يأت لحماية التاريخ بقدر ما هو لتحقيق مصالح سياسية.
واعتبر الكاتب “بن هوبارد” المقرب من إسرائيل أن نظام آل سعود أهمل ودمر في الماضي مباني تاريخية، كمنزل السيدة خديجة زوجة النبي محمد(صلى الله عليه وسلم)، الذي تم تحويله إلى دورات مياه عامة، ومنزل أبو بكر الصديق، وعلى انقاضه أقيم فندق هيلتون، لذلك لا يمكن أن يتحدث عما تشهده الدرعية على أنه حماية للتاريخ والتراث السعودي.
ونقل عن خبراء قولهم إن نظام آل سعود يحاول “تحصين شرعيته” من خلال “إفقاد الذاكرة التاريخية” ، فيما يتعلق بجوانب مختلفة في تاريخ المملكة، مشيرين إلى أنه يحاول إبراز الدور التاريخي للدرعية للقول إنه لم يكن هناك تاريخ لشبه الجزيرة العربية قبل قدومه. وفقا لما نقلته صحيفة”هآرتس” الإسرائيلية عن الـ”نيويورك تايمز”.
وفيما يلي نص المقال..
قبل أكثر من 250 عاما، وفي هذه الواحة المكونة من منازل بنيت بالطوب اللبنى ومحاطة بالأسوار، أقام آباء العائلة الحاكمة السعودية وواعظ متشدد منبوذ، تحالفا غَير وجه شبه الجزيرة العربية. ففي مقابل حكم سياسي، تبنى بيت آل سعود العقيدة الدينية للشيخ محمد بن عبد الوهاب، واستخدمها لإعلان الجهاد ضد كل من رفض عقيدته. بهذه الطريقة سيطر أبناء العائلة التي ستصبح بمرور الأيام العائلة الحاكمة على معظم شبه الجزيرة.
وُجد الإسلام الوهابي أو الوهابية في مركز الدولة السعودية الحديثة، لكن غناها الفاحش بالنفط مكنها من نشر مبادئ الوهابية في باقي العالم الإسلامي، الآن تريد أيضا تحويل المكان الذي شهد بداية هذا التعاون السياسي- الديني إلى موقع سياحي من الطراز الأول.
فبداخل موقع كبير في الدرعية، القريبة من الرياض، تنتشر فيه الحدائق، والمطاعم والمقاهي، يعمل المئات من العمال على إقامة قصور الطين التي استخدمها بيت سعود ذات مرة، وبناء متاحف تفخر بالتاريخ السعودي. وفي الجوار يقام مبنى مصقول يخصص للشيخ عبد الوهاب والمهمة الدينية التي حملها على عاتقه.
مشروع تكريم الوهابية يأتي في وقت صعب بالنسبة للمملكة السعودية. الثورات الشعبية والحروب الأهلية تربك النظام الإقليمي، والانخفاض الحاد في أسعار النفط تضر بالموازنة الوطنية. علاوة على ذلك تتهم المملكة بدفع تيار ديني متشدد وغير متسامح، يشبه وفقا للكثير من المقاييس، ذلك الذي يدين له مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية بالوﻻء.
كل هذا لا يمنع المملكة من تقوية علاقتها بجذورها وقائدها الديني الذي تقول إن صورته تعرضت للتشويه. المشروع في الدرعية يجري على عين الملك الجديد سلمان، الذي يسعى لخلق جاذبية لتعزيز وجهة النظر الوطنية. من المتوقع افتتاح الموقع كله أمام الجمهور بعد عامين بتكلفة بناء تصل إلى نحو نصف مليار دولار.
رغم أن هناك أتباع للوهابية في أنحاء العالم، فإن الكثير من المسلمين يشمئزون منها. البعض يعتبرونها تيار مستوحى من الشيعة ومن تيارات غير سنية أخرى، ويتعاملون معها على أنها بدعة. ويزعم آخرون أن تصاعد الإسلام الوهابي في العالم ينشط تنظيمات جهادية مثل القاعدة والدولة الإسلامية.
تنكر السعودية بقوة هذه التهمة . يقول عبد الله الركبان رئيس الهيئة العليا لتطوير الرياض، والمسئول عن تنفيذ المشروع، في فيلم- زيارة شبكة “العربية”:” من المهم جدا أن يعرف السعوديون الذين يعيشون اليوم في هذا القرن التاريخ وحقيقة أن الدولة قامت في مكان معين وبُنيت على فكرة، على حقيقة، وأيدلوجية متسامحة تحترم الآخر”.
لكن لدى الكثير من الوعاظ ومفسري الإسلام رأي معاكس عن محمد ابن عبد الوهاب. يقول “ديفيد كومينس” المؤرخ في كلية ديكنسون، والذي ألف كتابا عن الوهابية:” إذا لم يتفق أحدهم مع وجهة نظره عن التوحيد، فعليه أن يغير دينه أو أن يموت”.
وعلى حد قوله في القرن الـ 18 منح الشعور بقدسية المهمة البيت السعودي نقطة تفوق في معارك السيطرة بين القبائل بشبه الجزيرة العربية. ” عندما ُتْدخِل الإصلاح الأيدلوجي في هذه المعمعة، فإنك تصنع قاعدة ثقة للجمهور، وقتها ينتقلون لتأييد شعاراتك على حساب زعيم آخر”. قتل الآلاف على يد القوات السعودية التي احتلت مدينة كربلاء، الموجودة اليوم في العراق، في بداية القرن الـ 19.
بعد أن وسع بيت سعود سيطرته على المدن المقدسة مكة والمدينة، قرر العثمانيون شن هجمة مضادة. أسقطوا الدولة السعودية الشابة ودمروا العاصمة الدرعية. انتقل أبناء العائلة الذين صمدوا للرياض، وهناك أقام الملك عبد العزيز ابن سعود، والد الملك سلمان الدولة السعودية الحديثة في 1932.
هناك من يعتقدون أن الاهتمام الذي يوليه البيت الملكي بالدرعية يرتبط بمصالح سياسية أكثر من حماية التاريخ، ويؤكدون أن النظام أهمل أو دمر في الماضي مبان تراثية، بما في ذلك مبان عثمانية، ومستوطنات مسيحية ومواقع إسلامية. مثال على ذلك المنزل الذي يعود للزوجة الأولى للنبي محمد، خديجة، حيث حوله إلى دورات مياه عامة. بيت آخر، كان يعود لشريك محمد، أبو بكر، تم تدميره وبناء فندق هيلتون على أنقاضه. مكة، في المقابل، تشهد عملية تطوير كبيرة، ومؤخرا دار الحديث عن عزم السلطات إنشاء فندق فيها هو الأضخم في العالم، حيث يحوي نحو عشرة آلاف غرفة.
ترى مضاوي الرشيد، المحاضرة في لندن في كلية الاقتصاد أن البيت الملكي السعودي يحاول تحصين شرعيته من خلال “فقدان الذاكرة التاريخية”، فيما يتعلق بجوانب مختلفة في تاريخ المملكة، وتقول:”الدرعية مهمة للغاية لأن بالنسبة للبيت السعودي كل شيئ بدأ هناك. البيت الملكي يريد أن يقول إنه ليس هناك تاريخ لشبه جزيرة العرب قبل قدومه”.