كشفت عملية التفجير الثانية التي وقعت على أبواب مسجد الحسين في حي العنود بمدينة الدمام، في المنطقة الشرقية، يوم الجمعة الماضي، وردود الفعل السريعة من رموز ونشطاء الشيعة السعوديين، وتفاعل منصات شيعية مع الحادث، عن نقطة مهمة وخطيرة بدأت تنفذ وتسوق لتصبح واقعًا فعليًا على الأرض، وهي تشكيل “اللجان الشعبية” من شباب السعوديين الشيعة، والدعوة إلى تعميمها واجبار السلطات على التسليم بها، بل والدعوة إلى تسليحها، واتهام الجهات الأمنية السعودية بالتقاعس عن حماية الشيعة ومساجدهم- إشارة إلى تفجيري مسجدي القديح والدمام- وحسينياتهم-الدالوة ليلة الاحتفال بعاشوراء، والقول بأن تشكيل “لجان الدفاع الشعبي”، تطور حضاري، فالدستور الأمريكي يضمن حق الناس في تشكيل “ميليشيا مسلحة” للدفاع مع وجود دولة.
اتهام الدولة بالعجز
ففي أول رد فعل لحادث التفجير بمسجد الحسين، تمنعي ما سمي بـ”شهداء اللجان الشعبية”، ومباركة أعمالهم في الذود عن المصلين داخل المسجد، وأنه لولا أعضاء اللجان الشعبية الذين كانوا يقفون على بوابات المسجد، لكان عدد الضحايا أكبر بكثير بل وصل المئات، والدعوة إلى تعميم “اللجان_الشعبية” في القطيف والاحساء والعوامية والدمام، لتشمل جميع القرى والمدن التي يتواجد بها الشيعة، وكل المناطق لحماية سكانها، لان “الدولة عاجزة عن حماية المواطنين الشيعة”، وأن “الحماية للأسرة الحاكمة”.
واللجان الشعبية الشيعية ليست جديدة، فالمتابع للحراك الشيعي وتظاهراتهم ومسيراتهم في العوامية والقطيف والاحساء والدمام، المعارضة للسلطات، يرصد بوضوح وجود تنظيمات شبابية في مقدمة ومؤخرة وعلى جوانب هذه التظاهرات والمسيرات، وتتكون من سلاسل من الشباب، من ذوي البنية الجسمانية القوية، ولكن من الواضح أنه خرج من هذه التنظيمات الشبابية “تنظيمات مسلحة”، ظهرت وهي ترفع السلاح وتستخدمه في مواجهة رجال الأمن، والدوريات الشرطية، وسجلت حوادث عدة في العوامية والقطيف، وقبض على عناصر مسلحة من هذه التنظيمات، وصدرت بحق عدد منهم أحكام بالقتل تعذيرًا والسجن مدد طويلة.
اعترافات الشيخ الحبيل
وقد اعترف الشيخ عبد الكريم الحبيل أبرز علماء الشيعة، بوجود هذه التنظيمات الشبابية المسلحة، وإساءة استخدام السلاح، وتناول في خطبة له على موقع “القطيف اليوم” هذه التنظيمات، وقال: “هناك تنظيمات مسلحة، وهناك من رفعوا السلاح، وهناك من استخدموا السلاح، بطريقة سيئة وسلبوا الأموال، وهجموا على البيوت والمحلات”، وقال الحبيل: “إن هذا أمر خطير”، مؤكدًا- طبقًا لخطبته “لسنا جهة مسلحة، ونرفض حمل السلاح، أيًا كان من يرفعه”، وقال “السلاح لا يمثل الحراك الشيعي الذي انطلق منذ سنوات، وحمل السلاح أمر خطير على الشيعة السعوديين، لقد كان الخروج سلميًا، ولتحقيق مطالب مشروعه بالحوار مع الدولة”، ورفض “الحبيل” سلوك من يتخفى من الشيعة عند مطالبته لدى الجهات الأمنية، وقال: “التمنع عن الاتصال بالشرطة والأمن مرفوض، والتخفي مرفوض”، وقال: “الأساليب الحضارية أن تذهب للجهة الحكومية التي تطلبك”.
أنموذج الحشد الشعبي
ومن الواضح أن فكرة “اللجان الشعبية” لحماية مساجد وحسينيات ومؤسسات وتجمعات الشيعة السعوديين، هي التي سادت الآن، وأن فرضها أمر واقع، اقتداء بـ”ميليشيا الحشد الشعبي” الشيعي في العراق، الذي بدأ يحل محل الدولة، ويقوم بالدور الذي تقوم به وزارتا الدفاع والداخلية، في الحرب على “تنظيم الدولة الإسلامية”، وقيادة العمليات المسلحة ضد “داعش” في “تكريت” و”صلاح الدين”، و”الرمادي”، وهو ما نادى به الأمين العام لحزب الله الشيعي اللبناني، وقال إنه الحل لحماية الشيعة، ومواجهة من أسماهم بـ”الإرهابيين والتكفيريين”.
شهداء اللجان الشعبية..!!
ووجدت الفرصة مناسبة للإعلان وبقوة عن وجود “اللجان الشعبية”، إثر وقوع التفجير الذي استهدف مسجد الحسين، لترسيخ أنها حقيقة واقعة، قبلت بها الدولة وسلطاتها وأجهزتها أو لم تقبل، وأنها مطلب ضروري لحماية الشيعة، وأن ضحايا الحادث الثلاثة هم من شباب “اللجان الشعبية”، الذين كانوا يقفون على أبواب المسجد والطرق المؤدية إليه، لتفتيش المصلين، والتأكد منهم، وأنه لولا هؤلاء لكان عدد الضحايا بالعشرات أو المئات، واستخدم وصف “شهداء اللجان الشعبية” على الضحايا الثلاثة، وأسهب أهالي واقارب الضحايا ونشطاء الشيعة في الحديث عن “بطولات” و”تضحيات” اللجان الشعبية، وقال الناشط الشيعي المعارض في الخارج “علي آل أحمد”، في تغريدة له على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “لو كان #البطل_عبدالجليل_الاربش وإخوانه من حراس المسجد يحملون سلاحًا خفيفًا أو رشاشًا لما قتلوا جميعًا، لهذا وجب إنشاء#اللجان_الشعبية حماية للناس”، وقال صاحب معرف أخر: “تنظيم رائع للسير والمواقف والمواصلات والضيافة والأمن، جهد جبار يشكرون عليه #اللجان_الشعبية”.
وفي حديث ابن أحد ضحايا تفجير مسجد الإمام علي بن أبي طالب في القديحة بالقطيف، لولي العهد ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، أثناء ذهابه لتقديم العزاء في ضحايا الحادث، أشار ابن الضحية إلى أنهم سيأخذون حقهم بأنفسهم، وبأيديهم، وهو ما رد عليه “بن نايف” بحزم وقوة أن هذا دور الدولة، ومن يخرج عن نظام الدولة سيعاقب، فمن الواضح أن الشاب ابن قتيل مسجد القديحة كان يشير إلى “اللجان الشعبية” ودورها، وأنها هي التي ستقوم بالدور الأمني، وترديد الاتهامات للأجهزة ال
أمنية أنها لا تحمي الشيعة.
نقطة التفتيش
وفي تمجيد “اللجان الشعبية” قال الناشط الشيعي السعودي “علي آل غراش”، في حسابه على “تويتر”: “بفضل شباب لجان الحماية الشعبية في عنود الدمام، وبطولاتهم وتضحايتهم، تم منع وقوع كارثة ومجزرة شعبية كبيرة جديدة على المواطنين الشيعة، من خلال محاولة إرهابي انتحاري الدخول إلى مسجد الإمام الحسين- عليه السلام، وعند نقطة تفتيش الحماية الشعبية، حيث فجر الإنتحاري نفسه وسقط عدد من الشهداء والجرحى من لجان الحماية الشعبية”، بل وبدأت الأساطير تروج لبطولات “اللجان الشعبية” من القبض على “ارهابيين”، و”مطاردة “وهابيين”، وكتب أحد نشطاء الشيعة معلقًا على جثة “الأربش”: “الشهيد عبد الجليل جمعة الأربش كان على بوابة المسجد لحماية المصلين، حيث فجر السعودي نفسه فيه ومن معه من لجنة الحماية”.
وبرز الحشد الشيعي في التظاهرات الحاشدة التي خرجت في جميع القرى والمدن التي بها شيعة، وكلها تهتف “لبيك يا حسين”، الشعار الذي تقاتل تحته “ميليشيا الحشد الشعبي” في العراق، كذلك شعار “بالروح بالدم نفديك يا حسين”، واستخدمت مواقع وصفحات ومعرفات نشطاء الشيعة على مواقع التواصل الاجتماعي وصف “السعودي الوهابي القاتل”، في الاشارة لمنفذ العملية الانتحارية، في اشارة الى السعوديين وحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولم تستخدم وصف “الداعشي”، وذلك في الحشد ضد السعودية.
التطور الخطير.. حمل السلاح
والتطور الأخطر هو الدعوة لحمل السلاح وتسليح “اللجان الشعبية”، وهو ما دعا إليه صراحة الناشط الشيعي “علي آل أحمد”، الذي طالب حراس المساجد بحمل سلاح خفيف أو رشاش، أما الشيخ الشيعي السعودي البارز طاهر الشميمي، فدعا في مقطع فيديو إلى إنشاء “حشد شعبي مسلح في السعودية كالذي في العراق”، وهذا أخطر تصريح من عالم دين سعودي بارز، وهو ما اعترف به الشيخ عبد الكريم الحبيل “هناك سلاح، انتشر بشكل كبير، وهناك حمل سلاح، واستخدام للسلاح، وإطلاق للنيران”، وأكد الحبيل أن حمل شباب شيعة سعوديين للسلاح واستخدامه “حصل ولا يحتاج إلى نقاش”.
وتحت ضغوط عناصر الشيعة الداعين لحمل السلاح وتشكيل اللجان الشعبية المسلحة، بدأ التحول في خطاب من كانوا يرفضون الأمر أمثال الشيخ عبد الكريم الحبيل، في محاضرته الأخيرة بعد حادث مسجد القديحة، حيث قال “القطيف بعد 3 شعبان ليست كالقطيف قبل 3 شعبان”، وأكد “سنأخذ بالثأر، علينا أن نحمي أنفسنا، ونحمي مساجدنا، ونحمي حسينياتنا، ونحمي كل مجتمعاتنا..نحن لا نخاف ولا نرتعب”، وكرر شعار “هيهات منا الذلة”، وخاطب الحبيل شباب “اللجان الشعبية” قائلًا: “أنتم الشجعان، لا يخيفكم التكفيريون، والقتله، سنأخذ ثأرنا من التكفيريين برجال من القطيف الذين تزول الجبال ولا نزول”.
“النمر”.. وشباب الشيعة
وهو المضمون ذاته الذي برز في خطاب الشيخ السيد حسن النمر وهو من أبرز علماء الشيعة السعوديين، الذي أكد أن “الإرهاب لن يخيف أتباع أهل البيت، ولن يدخلنا اتون الفتنة الطائفية، تعليقًا على حادث مسجد الحسين بالدمام، وقال “ها هو الإرهابُ التكفيريُّ- وللمرة الثالثة- ينال من مواطنين مسالمين، من أتباع أهل البيت، حيث سعى إرهابيٌّ غادرٌ- متنكرًاً في ملابسَ نسائيةٍ- إلى اقتحام مسجد الإمام الحسين في حي العنود بالدمام، بقصدِ قتلِ أكبرِ عددٍ من المصليات، علمًا بأن أحدًاً منهن لم يكن موجوداً في المسجد تحوطًاً من استهدافهن بعد ما حصل من غدرٍ في القديح”.
ومجد “النمر” اللجان الشعبية قائلًا: “لقد حال دون دخول الإرهابيِّ إلى المسجد، تصدٍّ بطوليٍّ من بعض مَن استشهد، فقد دافعه الشهيد الأربش ودفع به إلى خارج المسجد، ففجَّر نفسَه وأهلكها، ونال شرفَ الشهادة بسبب ذلك أربعةٌ من المؤمنين، وأصيب آخرون”، وتوعد بالثار قائلًا: “إن دماءَ هؤلاء الشهداءِ يجب أن لا تذهب هدرًاً، بتضييع بوصلة الإجرام إلى غير فاعليها المباشرين والمخططين والمحرضين، وهم- جميعًُاً- معروفون لدى القاصي والداني”.
محاكمة من يحرضون
واتهم الناشط الشيعي السعودي “سراج ابو السعود”، من وصفهم بأنهم من يكفرون الشيعة ويبررون قتلهم، وممن هم متعاطفون مع القتلة والمجرمين في حادثة صلاة الجمعة الدامية في مسجد الإمام علي عليه السلام بالقديح، ومسجد الدمام، بأنهم “القتلة الحقيقيون”، وأضاف أن هناك من “تفرَّغ ليل نهار لشتم الشيعة وإلقاء المحاضرات التحريضية ضدهم والدعاء عليهم، بأن يزلزل الله الأرض من تحت أقدامهم ويبيدهم كما أباد قوم عاد وثمود، ويبيد معهم اليهود والنصارى والملحدين”، وقال: إنهم “أصحاب القلوب السوداء” ممن يحرضون على قتل الشيعة.
حفظ المساجد والحسينيات
أما الشيخ عبد الجليل الزاكي فقد أكد أن اللجان المقترحة لحماية الشيعة وأنها لاتقوم مقام الدولة في حفظ الأمن والأمان، قائلًا: “إننا حينما نقول إننا بحاجة إلى لجانٍ شعبية لحفظ المساجد والحسينيات والأماكن والتجمعات الدينية، لايعني ذلك أنها تقوم مقام الدولة في حفظ الأمن والأمان، إنما تلك اللجان عامل مساعد ليس إلا، خاصة أن الانفجار يحدث في لحظات، بل في ثوانٍ، وهذا يحتم على الجميع أخذ الحيطة والحذر تجنباً لوقوع كوارث إنسانية”.
د. عبد الله بن محمد المقرن
شؤون خليجية