نشرت الأمم المتحدة تقريرا رسميا حول نتائج زيارة المقررة الأممية “غابرييلا نول” للإمارات التي استهدفت الاطلاع من خلالها على النظام القضائي الإماراتي والوقوف على مدى استقلال القضاء والمحامين.
وكانت أولى الملاحظات التي أبدتها “نول”، أن الدستور الإماراتي “لا يعترف بالفصل بين السلطات” ما يعني أن استقلال السلطة القضائية ليس مضمونا دستوريا ولا فنيا. وقالت المقررة،” القضاء الاتحادي يواجه تحديات جدية تؤثر بشكل مباشر في تحقيق العدالة وإعمال حقوق الإنسان”.
انتقادات الأمم المتحدة للقضاء
وأشارت المقررة إلى إشكالية الخلط بين القضاء المحلي والاتحادي والذي يؤدي أحيانا إلى تطبيق القانون بطريقة تعسفية. وانتقدت الأمم المتحدة قانون جهاز أمن الدولة، والمرسوم بقانون بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، والقانون الاتحادي بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية، مؤكدة أن هذه القوانين تتضمن “تعاريف مبهمة وفضفاضة” وتعتبر “مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتفتح الباب أمام التأويل التعسفي وإساءة الاستخدام”.
ونوهت “نول” إلى خلل آخر في عدم الفصل بين السلطات، وهو “أن نصف أعضاء المجلس الوطني يُعينون من قبل حكام الإمارات وأن المجلس لا يملك سلطات تشريعية كاملة”. وعبرت نول عن “قلقها الشديد إزاء الضغوط التي تمارسها السلطة التنفيذية والنيابة العامة وجهاز أمن الدولة على القضاة”.
وانتقدت “نول” طريقة تعيين القضاة من جانب السلطة التنفيذية، قائلة ” قد تؤثر التعيينات والترشيحات من جانب السلطة التنفيذية على مواقف القضاة وسلوكهم”، وخلصت إلى أن “هذه الآلية تفتقر إلى الشفافية وقد تعرض القضاة لضغوط سياسية غير لائقة”.
وتابعت “نول” قائلة ” إن بعض القضاة افتقروا إلى النزاهة وأبدوا تحيزا، منتقدة العلاقة الوثيقة بين القضاة وأعضاء النيابة، معتبرة أن هذه العلاقة تناقض ما يتصوره الناس عن تمتع القضاة بالنزاهة. وأشارت الأمم المتحدة إلى إشكالية القضاة غير المواطنين، كونهم أكثر عرضة للضغوط ما يعوق استقلالهم نتيجة عدم الأمان الوظيفي للقضاة المقيمين الذين يمكن للحكومة أن تنهي خدماتهم.
واعتبرت “نول” عدم وجود مدونة مكتوبة لقواعد سلوك القضاة الاتحاديين أحد أوجه القصور التي تؤثر في استقلال القضاء ونزاهته.
وقالت المقررة الأممية إنها تشعر بقلق بالغ إزاء الإدعاءات الخطيرة بحدوث انتهاكات لضمانات مراعاة الأصول القانونية والمحاكمة العادلة وخاصة في القضايا المتعلقة بأمن الدولة، مشيرة إلى أن عدم تحديد القانون مدة الحبس الاحتياطي يؤدي إلى انتهاكات.
وأثبتت “نول” في تقريرها أنها “تلقت تقارير كثيرة تفيد بإلقاء القبض على أشخاص دون وجود أمر توقيف، وخاصة ضد متهمين بقضايا أمن دولة، اقتيدوا إلى أماكن احتجاز سرية ومنعوا من الاتصال بالعالم الخارجي لأشهر، مع بقاء بعضهم في الحجز الانفرادي والاختفاء القسري”.
ووصفت الأمم المتحدة، بأن التقارير والأدلة التي تلقتها بشأن تعرض معتقلين للتعذيب بأنها “ذات مصداقية”، مشيرة إلى أن “اقتلاع الأظافر ونتف اللحى والإبقاء تحت تأثير المخدرات والاعتداءات الجنسية والتهديدات بارتكابها والإهانات” من أخطر أنواع التعذيب الواقعة على معتقلي الرأي.
وأكدت “نول” أن عدم التحقيق بشكاوى وتقارير التعذيب يشجع على إفلات الجناة ويشكل انتهاكا لالتزامات الإمارات بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. وأشارت المقررة الأممية إلى أن القضاة مكلفون بضمان حقوق الإنسان وذلك بعقد جلسات محاكمة عادلة و علنية أمام محكمة مستقلة، ورفض أي أدلة تقوم على التعذيب أو سوء المعاملة، بعد أن تأكد لها أن معتقلي الرأي بالإمارات واجهوا هذه الانتهاكات بتواطؤ بعض القضاة. وعبرت “نول” عن انزعاجها من عدم سماح الشرطة أو النيابة للمتهمين بقضايا أمن الدولة من الاتصال أو توكيل محام.
وحول الشفافية أثناء مرحلة التحقيق عبرت “نول” عن قلقها إزاء “ما يظهر من عدم الشفافية أثناء مرحلة التحقيق وإجراءات المحاكمة وخاصة في القضايا المنظورة امام محكمة أمن الدولة”. وانتقدت قيام محكمة أمن الدولة بعقد جلسات مغلقة أو مقيدة بعدد محدود للغاية من الجمهور، معتبرة أن منع الجمهور من حضور الجلسات انتقاص من شفافية القضاء.
واعتبرت “نول” أن قضايا أمن الدولة ذات درجة تقاض واحدة تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان.
انتقادات الأمم المتحدة للنيابة العامة والمحامين
عاودت المقررة الأممية على التأكيد بتعرض النيابة العامة بتدخل من السلطة التنفيذية وجهاز أمن الدولة، وأكدت أن الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى والنيابة العامة يتلاعبون بالأدلة.
وكانت أولى انتقادات الأمم المتحدة على أوضاع المحامين عدم وجود نقابة محامين ذاتية التنظيم ومستقلة تشرف على قبول المرشحين في مهنة المحاماة وتضع مدونة سلوك للمحامين، معتبرة أن تشكيل نقابة محامين أحد ضمانات استقلال المحامين. وأشارت “نول” بقلق إلى تدخل السلطة التنفيذية في قبول تسجيل المحامين وأنها تشارك في تأديب المحامين. وعبرت “نول” عن “جزعها اتجاه التقارير التي تفيد بتعرض محامين للتهديد والمضايقة والضغوط كونهم تولوا الدفاع عن متهمين في قضايا أمن الدولة”، وذكرت من بين الضغوط التي واجهها المحامون في قضايا أمن الدولة،” حملات التشهير العامة والترحيل التعسفي لغير الإماراتيين”، ونتيجة هذه المضايقات تقول “نول” إن المحامين يرفضون الدفاع في قضايا أمن الدولة ما يؤدي
إلى انتهاكات خطيرة بحق المتهمين.
استنتاجات الأمم المتحدة وتوصياتها
ختمت الأمم المتحدة تقريرها باستنتاجات وتوصيات حول النظام القضائي في الإمارات. إذ خلصت “نول” إلى أن النظام القضائي في الإمارات يواجه قصورا وتحديات تؤثر سلبا في إقامة العدل والتمتع بحقوق الإنسان، إضافة إلى الانتهاكات الخطيرة لضمانات المحاكمة العادلة ومراعاة الأصول القانونية في قضايا أمن الدولة خصوصا، على صعيد القضاة والنيابة والمحامين الذين يتعرضون جميعا لضغوط وتدخل السلطة التنفيذية وجهاز أمن الدولة.
وأوصت الأمم المتحدة بوجوب مصادقة الإمارات على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وشددت “نول” على ضرورة إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية. وطالبت “نول” بضرورة تعديل القوانين ذات التعاريف المبهمة والفضفاضة وخاصة في قانون جهاز أمن الدولة وقانون مكافحة الإرهاب.
وأكدت “نول” على ضرورة تكريس مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور واتخاذ تدابير ملموسة لتعزيز استقلال القضاء، إلى جانب ضرورة التشاور بين الجهات القضائية والتنفيذية وبين الجمهور بشأن قانون السلطة القضائية. وأوصت المقررة الأممية بالتحقيق في الشكاوى المتعلقة بانتهاكات مبدأ مراعاة الأصول القانونية والمحاكمة العادلة، بما يشمل إعادة النظر في هذه القرارات والأحكام أو الإفراج عن المعتقلين وتعويضهم.
وشددت “نول” على ضرورة وقف الاعتقال والاحتجاز خارج إطار القانون وخاصة الاختفاء القسري والحبس الانفرادي والسجون السرية، وعدم قبول الأدلة والاعترافات المنتزعة تحت التعذيب.