يبدو أن القضية التي شغلت الرأي العام الكويتي لم تنتهِ ولن تنتهي قريبًا، فالقضية المعروفة رسميًّا بقضية “بلاغ الكويت” وشعبيًّا بـ”شريط الفتنة” كانت قد أحدثت ضجة كبيرة في أوساط المجتمع الكويتي منذ عامٍ مضى – وقت ظهورها- وكان لها صدى واسع بين الكويتيين حيث طالت العديد من الشخصيات البارزة في الأسرة الحاكمة، وتضمنت اتهامات عديدة وتراشق في التصريحات بين الأطراف الفاعلة في هذه القضية.
وفي هذا التقرير محاولة لفهم ماذا يحدث في الكويت منذ أزمة “شريط الفتنة”.
بدايةً، ما هو شريط الفتنة ومتى ظهر؟
بدأ الأمر في بدايات العام المنصرم – 2014- حيث قدّم “أحمد الفهد الصباح” نائب رئيس الوزراء السابق ووزير التخطيط السابق بلاغًا إلى النيابة العامة الكويتية يتهم كلًّا من “ناصر محمد الصباح” رئيس الوزراء الأسبق و”أحمد جاسم الخرافي” الرئيس السابق لمجلس الأمة الكويتي بعدة اتهامات تشمل “التآمر لقلب نظام الحكم، والتخابر مع دول أجنبية، وشبهة غسيل أموال، والاعتداء على الأموال العامة”، كانت هذه هي التهم التي وجهها “فهد الصباح” لكل من المسئولين السابقين – أعضاء من العائلة المالكة- مستندًا إلى مقطع مصور قيل إن مكان التقاطه في سويسرا، وجمع الطرفين السالف ذكرهما الموجهة إليهما الاتهامات، المقطع المصور ذو الصوت غير واضح المعالم يُقال إنه احتوى على محادثة بين الطرفين فحواها محاولات ترتيب للسيطرة على مقاليد الحكم والسلطة التشريعية ودفع رشاوى تتراوح بين 50-70 مليار دولار.
ما الذي تغير خلال عام، منذ بداية ظهور الشريط وحتى اليوم؟
بعد تفجير “فهد الصباح” قضية هذا الشريط قامت السلطات القضائية الكويتية بمنع تداول أي أخبار عن القضية، وقام كل من “ناصر الصباح” و”جاسم الخرافي” بنفي التهم المنسوبة إليهم وقالوا إنها “افتراءات” و”أكاذيب” يتم الترويج لها وقد استقبل أمير الكويت كلًّا منهما بعد ما يقرب من شهر من ظهور هذا الشريط.
كان “الخرافي” قد قام بتقديم بلاغ للنائب العام ضد عدة حسابات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” متهمهم بنشر “الأقاويل” عن “الشريط” وقامت الهيئات المعنية بالتحقيق مع عدد من المغردين بشأن هذا الشريط، في الوقت نفسه تم سماع أقوال “فهد الصباح” – مفجر القضية- في التحقيق وأكد مثوله كشاهد، وأن المقاطع التي لديه ليست صوتية ولكنها مقاطع تخص الشأن المحلي والبرلماني والمالي والإقليمي، وأنه تعامل معها وفق مسئولياته وواجباته الوطنية وقدمها لجهات التحقيق.
في أبريل 2014، حكم قاضٍ بوقف طباعة جريدتي “الوطن” و”العالم اليوم” الكويتيتين على خلفية نشرهما لأخبار تخص القضية التي كان النائب العام “ضرار علي العسعوسي” قد أصدر قرارًا بحظر النشر فيما يخص هذه القضية، وذلك للحفاظ على المصلحة العامة.
بماذا علّق أمير الكويت على الأزمة؟
خرج أمير الكويت في أول تصريح مباشر له عن الأزمة في يونيو 2014 – أي بعد مرور شهرين من بدأ الأزمة- ودعا الأمير للتهدئة في البلاد، وأعرب عن استيائه إزاء الاتهامات حول وجود مؤامرة متفرضة لتنفيذ انقلاب ووجود قضية فساد كبرى، ودعا لترك الأمر إلى القضاء المختص بهذا الشأن وانتظار حكمه، وأكد الأمير أنه في حالة ثبوت ضلوع أي شخص في هذه الجريمة سيتم معاقبته لإضراره بمصالح وأمن الكويت.
كيف تغير موقف “فهد الصباح” في أقل من شهرين؟
وفي 18 مارس من العالم الحالي 2015 – أي بعد مرور ما يقرب من عام على تفجير فهد الصباح للقضية- تم حفظ القضية، وخرج “أحمد فهد الصباح” مفجر القضية في كلمة بثها التليفزيون الكويتي مقدمًا اعتذارًا رسميًّا لكل من أمير الكويت وولي العهد والسلطات القضائية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء السابقين الذين قد قام بتوجيه الاتهامات لهم، وقال إن هذه المستندات التي وصلته كان قد ظن صحتها ولمسئوليته تجاه وطنه قدم بلاغًا للتحقيق والبت في صحة هذه الوسائل، والتمس العذر وطلب العفو والسماح من أمير الكويت.
وبعد أقل من أسبوع قام “فهد” باتهام النيابة بـ”التقصير”، وكان قرار النيابة بالحفظ بناءً على انتهاء قراراها إلى أن الأشرطة التي عرضها “فهد” غير أصلية، وعلّق “فهد” بأن الأشرطة التي تم فحصها هي أشرطة أخرى قدمها وزير الدولة “محمد عبد الله بن مبارك” مخالفة لتلك التي قدمها لرئيس مجلس الوزراء وذلك بطلب من أمير الكويت بنفسه الشيخ “صباح الأحمد”.
وعلى موقع التواصل الاجتماعي كان بيان “فهد” الذي نشره وهاجم فيه الجميع حيث تضمن البيان معلومات حول أن مجلس الأمة سبق وأكد صحة المعلومات الواردة في الشريط، وذلك بحسب أحد التقارير التي قدمها المجلس إلى النيابة، وأن كل تلك التقارير قد اطلع عليها بنفسه. ذلك بالإضافة إلى ذكره أنه أمضى أكثر من 100 ساعة في التحقيقات من أجل هذه القضية وأرشد النيابة إلى حيث توجد الأدلة، لكن النيابة قصرت في عملها وعند محاولته إضافة أشرطة أشد خطورة من الشريط الذي أحدث هذه الضجة طلبوا منه التروي، وذكر أنه قد حصل على حكم من محكمة بريطانية وأخرى سويسرية تُثبت صحة هذه الأشرطة.
واستطرد في البيان بأن نية النيابة كانت واضحة ومبيتة في أمر البت في هذه القضية، وأضاف: “لا أخفي عنكم أن تحريات أمن الدولة كشفت عن معلومات تربط بين ما تقدمنا به من أدلة ووقائع تم رصدها.. الأمر الذي يجعل المؤامرة أكثر وضوحًا، خصوصًا فيما يخص الاتصال
بإيران وإسرائيل، وشراء أصوات الرئاسة في مجلس الأمة الحالي”، وأكمل أنه متأكد وبالدلائل من صحة معلوماته حول الاتصالات التي تمت بين من قدم ضدهم البلاغ، وبين إيران وإسرائيل، وتساءل لماذا تجاهل النائب العام مثل هذه المعلومات المهمة، وأنهى بيانه بأنه قدم “بلاغًا تكميليًّا” ضد عدد من الشخصيات – قبل حفظ القضية- منهم ابن رئيس مجلس الوزراء السابق، لكن النيابة لم تقم باستدعاء أي ممن احتوى البلاغ على أسمائهم.
تغير في موقف أحمد الفهد الصباح مفجر القضية يزيدها تعقيدًا علاوة على حظر النشر فيها، غير أن الطرف الآخر ما زال عند روايته بالنفي، حيث قال محامي “الخرافي” والذي يدافع عنه في هذه القضية “لؤي الخرافي” ابنه في تصريحات لـ”سي إن إن” أن كل هذا محض إدعاءات، وأن حديث “فهد” عن وجود أصول الشرائط في سويسرا هو أمر غير قانوني وعليه تقديمها إلى المحكمة في الكويت، وعلّق على البيان الذي أصدره فهد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بأنه يحمل إساءات تصل لحد السب والقذف.
وهكذا تظل قضية “شريط الفتنة” التي تم حظر النشر فيها والاعتماد في جمع المعلومات على تصريحات تصدر من أشخاص ومؤسسات ولا شيء أكثر، قضية حيرت المجتمع الكويتي لمدة تزيد عن عام ويبدو أنها مستمرة.
أماني بهت
(ساسة بوست)