“بعد ثماني سنوات من تقلده وظيفته، قدم بلير استقالته، مخلفا وراءه سؤالا مفاده: كيف لمجرم حرب أن يضحى أصلا مبعوثا للسلام؟”…بهذه الكلمات، استهل الكاتب الشهير روبرت فيسك مقالا بصحيفة الإنبدندنت الخميس، عن استقالة رئيسة الوزراء البريطاني الأسبق من اللجنة الرباعية، معتبرا أن إسرائيل الطرف الوحيد الذي سيفتقده.
وإلى نص المقال
أخيرا، أسدل الستار على نهاية زمن توني بلير، مبعوثا للشرق الأوسط، ممثلا للولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبعد 8 سنوات من تقلده وظيفته، قدم بلير استقالته، مخلفا وراءه سؤالا مفاده: كيف لمجرم حرب أن يضحى أصلا مبعوثا للسلام؟
التساؤل السابق يدور على ألسنة شعوب الشرق الأوسط، ومعظم دول العالم، منذ تعيينه رجل اللجنة الرباعية في القدس( المحتلة)، ذي مهمة رسمية ويائسة تتلخص في تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
هل كان يفترض أن تؤدي تلك المهمة الجديدة إلى غسل يديه من الدماء بعد كارثة غزو بوش- بلير للعراق، ومئات الآلاف من الأرواح البريئة التي أزهقت جراء ذلك؟
“بالنسبة للعرب والبريطانيين، الذين فقدوا أحباءهم في تلك الحرب المخزية، كان تعيين بلير مبعوث للجنة الرباعية إهانة بالنسبة لهم.
الرجل الذي لم يعتذر أبدا عن كارثته السياسية ذهب بعدها بأربع سنوات إلى القدس مع فريق عمل، مع إهدار الملايين في الإقامة وتذاكر السفر، دون أن يحقق شيئا على الإطلاق في فترة قاربت عقدا من الزمان.
وبدا بلير لا مباليا تجاه المعاناة الهائلة للفلسطينيين، وكان عاجزا بوضوح عن درء ذلك، وقضى معظم وقته بعيدا عن مأساة الشرق الأوسط، مسديا المشورة لطغاة العالم الإسلامي، ومخبرا العالم، من أجل إرضاء إسرائيل، عن المخاطر التي تمثلها إيران.
وكلما كان بلير أكثر ادعاء بعلم الغيب، كلما أصبح أكثر انفصالا، في عيون المنطقة المفترض أنه أرسل لحمايتها.
أحد أنصار بلير دافع عنه ذات يوم على القناة الرابعة مستشهدا بسفرياته التي قاربت مائة مرة، دون أن يذكر المفارقة الساخرة الأساسية، وهو أن المسؤول البريطاني الأسبق غادر المنطقة حوالي مائة مرة قاصدا وجهات أكثر إجزاءً بالنسبة له.
كان من المفترض أن ينتج بلير ما هو أكثر من ذلك الترياق السهل الذي يخرج من شفتيه، مثل ادعائه بأن حلحلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد يكون أسهل من إنهاء أزمة أيرلندا الشمالية.
لكن الفلسطينيين لديهم ما يتجاوز كثيرا هؤلاء الكاثوليكيين الأيرلنديين الذين استئصلوا من أرضهم علي أيدي المزارعين البروتستانتيين في القرن السابع العشر.
لو كان بلير قد استقال منذ عامين فحسب، بعد وصف قيادات فلسطينية لوظيفته بأنها “بلا جدوي”.
أما إسرائيل، فبكل تأكيد، لم تصفه أبدا بذلك الوصف.
وأدان بلير بقوة ما سماه حملة نزع شرعية إسرائيل،معتبرا ذلك، في انحياز واضح، “سبة للإنسانية”، وهي كلمات لم يستخدمها أبدا عند حديثه عن الخسائر الهائلة في صفوف المدنيين التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين بغزة.
العرب ينتظرون الآن إذا ما كانت اللجنة الرباعية ستتكرر حماقتها بتعيين شخص غير ملائم بالمرة، في تلك المهمة الصعبة، التي يطالب الكثيرون في المنطقة بإلغائها.
ومنذ ثماني سنوات، كان هناك مجرد أمل شحيح في ظهور دولة فلسطينية إلى النور، لكن الآن انعدم ذلك البصيص.