“من خلال سحق كافة أشكال الاحتجاج السياسي، يكرر السيسي أخطاء مبارك، ويؤجج من جديد مشاعر الإحباط التي أدت إلى انفجار ميدان التحرير”.
جاء ذلك في سياق مقال للكاتبة ترودي روبين بصحيفة “سياتل تايمز” الأمريكية، تضمن حوارا مع العالم السياسي المصري الأكاديمي عماد شاهين الذي أصدرت جنايات القاهرة قرارا بتحويل أوراقه إلى المفتي.
وإلى نص المقال
إذا كنت تبحث عن مصري يستطيع أن يساعد هذه البلد لتحقيق الوعد المفقود للربيع العربي، فلن تجد أفضل من عماد شاهين، العالم الليبرالي الدولي الشهير الذي درس الإسلام السياسي.
لماذا إذن تصدر محكمة جنايات القاهرة السبت الماضي قرارا غيابيا بإعدام الأكاديمي الدمث غيابيا؟
إجابة السؤال تعري السياسات الخاطئة للحكومة الاستبدادية الجديدة، بقيادة عبد الفتاح السيسي، الذي يحاول تكميم كافة المنتقدين الديمقراطيين تحت مسمى محاربة الإرهاب.
الأكثر احتمالا أن تؤدي تلك الإستراتيجية إلى جعل مشكلة الإرهاب في مصر أكثر سوءا.
شاهين، الأستاذ الزائر بجامعة جورج تاون، والحاصل على إجازة من عمله محاضرا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أدين مع 16 آخرين في اتهامات تتعلق بالتآمر مع حماس وحزب الله لزعزعة الاستقرار في مصر.
الاتهامات مضحكة، وفقا للعديد من الأكاديميين الأمريكيين الذين يعرفون جيدا شاهين، الحاصل على الدكتوراه من كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، ومارس التدريس في “هارفارد”و” نوتردام”.
من جانبه، قال ناثان براون، الخبير الأمريكي في الشأن المصري بجامعة جورج واشنطن: “ قد أصدق أن جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي عضوا في جيش التحرير Symbionese Liberation Army أكثر من منح أي مصداقية للاتهامات ضد عماد”.
وعلاوة على ذلك، فإن شاهين، الذي نفى بشكل قاطع الاتهامات، لم يكن أبدا عضوا في جماعة الإخوان. لماذا إذن تصدر محكمة مصرية قرارا بإعدامه؟
ويبدو أن استهداف شاهين يرجع لانتقاده القمع الدموي للجيش في أعقاب الانقلاب ضد القائد الإخواني محمد مرسي، أول رئيس ينتخب ديمقراطيا، والذي أسفر عن مقتل نحو 1000 شخص.
ورغم انتقادات شاهين الحادة لأداء مرسي، إلا أنه اعتبر أن عزله يقوي من ادعاءات إسلاميين ينتهجون سبيل العنف، من عبثية ترشح الإسلاميين للانتخابات، طالما لن تحترم النتائج.
ونبذت الجماعة، التكتيكات العنيفة منذ عقود، وآثرت العمل عبر النظام السياسي.
السيسي يشرعن ادعاءات المتشددين بأن العنف هو السبيل الوحيد للتعامل مع النظام، وفقا لشاهين.
وتعهد نظام السيسي بتدمير الإخوان، عاقدا الصلة بين أعضائها والجماعات الجهادية العنيفة في سيناء، بالرغم من أن خبراء الإرهاب لا يرون صحة ذلك.
وصدرت أحكام إعدام بحق مرسي و100 آخرين، في محاكمة هزلية أخرى السبت، باتهامات تتعلق باقتحام السجون أثناء ثورة ميدان التحرير ضد الرئيس حسني مبارك.
وكانت القوات الأمنية في عهد مبارك قد اعتقلت مرسي وأعضاء آخرين، خلال الثورة، لكنهم هربوا بعدما تخلى الحراس عن أماكنهم.
وفي وقت سابق من العام الجاري، أصدر القضاء أكثر من 1200 حكم إعدام ضد أعضاء بالجماعة، في حكمين جماعيين.
واعترفت السلطات المصرية العام الماضي بإلقاء القبض على 22000 شخص، معظمهم من جماعة الإخوان، لكن الجماعات الحقوقية المصرية تدعي أن العدد الحقيقي يبلغ ضعف ذلك.
وفي ذات الأثناء، طاردت الحكومة أيضا قادة الجماعات الليبرالية، مثل “حركة شباب 6 أبريل”، التي نظمت ثورة التحرير.
كما يقبع مدونون وصحفيون أيضا في السجون. وعبر شاهين عن ذلك قائلا: “إنهم يريدون سحق أي حركة من شأنها خلق معارضة ضدهم”.
وفي إحدى القضايا الخاصة المثيرة للقلق، صدر حكم بالسجن المؤبد ضد محمد سلطان، 27 عاما، الذي تلقى تعليمه في ولاية أوهايو، بعد أن عمل كمترجم متطوع للصحافة الأجنبية، خلال احتجاج سلمي للإخوان.
وتدهورت صحة سلطان، على نحو خطير، إثر إضرابه عن الطعام، ولكن ما يدعو إلى الدهشة، هو عدم قدرة الدبلوماسيين الأمريكيين على ترحيله إلى الولايات المتحدة، بالرغم من منح واشنطن معونة سنوية لمصر تبلغ 1٫3 مليار دولار.
ويؤمن شاهين أن المعنى وراء قضيته الخاصة، هو بعث رسالة مفادها: “معارضة النظام شيء محفوف جدا بالمخاطر، حتى من خلال الانتقادات الكتابية والشفهية”.
وتابع: “ إنهم يلغون الثورة، ويخلقون دولة أمنية تحت السيطرة المباشرة من الجيش، بما قد ينذر بعقود من الاستبداد”، مشيرا إلى أن الإعلام الذي تسيطر عليه الدولة، يخلق حالة من الخوف العام تجاه عدم الاستقرار، والذي تحمل الحكومة مسؤولة حدوثه على معارضيها.
التراجيديا هنا تتمثل في أن اليد الثقيلة للسيسي يحتمل أن تفاقم التهديد الحقيقي للإرهاب الذي تجابهه الدولة.
في صحراء سيناء، حيث تهاجم جماعات ترتبط بـ “الدولة الإسلامية” القوات الأمنية المصرية، أقصت الحكومة قبائل قد تكون مقتنعة بصد الجهاديين.
ومن خلال سحق كافة أشكال الاحتجاج السياسي، يكرر السيسي أخطاء مبارك، ويؤجج من جديد مشاعر الإحباط التي أدت إلى انفجار ميدان التحري
ر.
واستطرد شاهين: “ لقد أغلقت كافة المنافذ السلمية للمشاركة المدنية، ويدفع بالوطن بأكمله إلى شفا العنف”.
ويلمح أعضاء شباب بجماعة الإخوان، منذ حكم إعدام مرسي، إلى أن تكتيكات العنف ربما تكون مطلوبة.
ويرغب البيت الأبيض في تخفيف العلاقات المضطربة مع الدول العربية السنية، خلال سعي واشنطن لإبرام اتفاق نووي مع إيران الشيعية، لذا كان رد الفعل الأمريكي هزيلا حيال أحكام الإعدام.
وفي الحقيقة، قد يتنصل السيسي من أي انتقادات تأتي من واشنطن، أو قد يخفف، على نحو ساخر، بعضا من الأحكام إلى السجن المؤبد.
لكن أحكام الإعدام ضد مرسي وشاهين، اللذين يقفان على طرفي نقيض من الطيف السياسي، ينبغي أن تكون بمثابة تحذير للغرب من أن الحرب المصرية ضد المعارضة، ستحدث تأثيرا مضادا، وينبغي أن يوضح أوباما تلك النقطة للسيسي.
واختتم شاهين قائلا: “ثمة صراع رئيس بين الهيمنة العسكرية والحكم الديمقراطي المدني، وسُحقتُ بينهما”.