” تنظيم الدولة يجلب ساحة المعركة إلى السعودية،” عنوان اختارته الكاتبة إليزابيث ديكينسون لمقالة لها بمجلة ” فوريس بوليسي” الأمريكية والتي تناولت فيها بالتحليل الأسباب التي تقف وراء الهجوم الذي استهدف مسجدا شيعيا أمس- الجمعة- بمحافظة القطيف شرقي السعودية ودلالة ذلك على مدى تغلغل نفوذ داعش الذي تبنى الهجوم داخل المملكة.
وفيما يلي نص المقالة:
منذ فترة ليست بالطويلة، قرر شاب سعودي يُدعى ” يزيد محمد عبد الرحمن أبو نبان” الذهاب للحرب في سوريا. وتم ترحيل الشاب الذي لم يتجاوز الـ 23 عاما من الولايات المتحدة الأمريكية التي كان يدرس بها في العام 2012 بعد القاء القبض عليه لامتناعه عن وقف تدخين سيجارة إلكترونية على متن طائر. وعندما عاد إلى وطنه، شعر باليأس والضياع، فكان قراره بالإتصال بالجهاديين المتطرفين عبر الإنترنت، املا منه أن يساعدوه في الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميا بـ ” داعش.”
وبالنظر إلى السجل الجنائي له في الولايات المتحدة، فُرض على أبو نيان حظر السفر داخل المملكة العربية السعودية، ما جعل قضية سفره أو حتى تهريبه إلى سوريا معقدة للغاية. لكن اتصالاته بـ ” داعش” ظلت مستمرة، وكان لها حسابات أخرى على ما يبدو في ذهن هذا التنظيم الإرهابي. فقد ” اُخبر أن يبقى في البلاد وينفذ شيئا ما داخل المملكة،” وفقا لتصريحات منصور سلطان التركي المتحد بإسم وزارة الداخلية السعودية في حوار له بعد أيام قلائل من توقيف أبو نيان في الـ 24 من أبريل الماضي لإطلاقه النار وتسببه في وفاة اثنين من رجال الشرطة في الرياض.
وقد نفذ أبو نيان الهجوم بإيعاز من عناصر تابعة لـ داعش، بحسب مصادر أمنية. وربما تكون حالة أبو نيان مؤشرا قويا على بدء تنامي هذا التوجه العدواني تجاه السعودية. فحوالي 2500 مواطن سعودي سافروا بالفعل للاشتراك مع داعش الحرب الدائرة في كل من العراق وسوريا في السنوات الأخيرة- لكن وزارة الداخلية السعودية بدأت في أواخر العام الماضي ترصد توجها جديدا يتمثل في تنامي نشاط داعش على نحو أكبر في تجنيد الشباب عبر شبكة الإنترنت.
وقال التركي إن ” داعش تنقل الآن رسالة مفادها: نحن لا نحتاجكم أن تأتوا إلينا [ إلى العراق أو سوريا]. فلتبقوا في بلادكم وتقوموا بالجهاد فيها.”
وربما يوضح التفجير الذي استهدف مسجدا للشيعة أمس- الجمعة- في محافظة القطيف شرقي السعودية تأثير هذا التحول. فقد داخل انتحاري إلى مسجد الإمام على الكائن ببلدة القديح في القطيف الغنية بالنفط، أثناء تأدية شعائر صلاة الجمعة، ما اسفر عن مقتل 20 شخصا على الأقل وإصابات العشرات، وهو الحادث الذي تبناه مسلحو داعش على حساب لهم على تويتر.
ومثل تنظيم القاعدة من قبله، طالما ردد داعش أن السعودية في مرمى نيرانه، متهما المملكة وحكامها بمساندة الغرب والإخفاق في الوقوف أمام الأنظمة الشيعية الغاشمة في دمش وبغداد. وربما يرى المسلحون أن إشعال نار التوترات الطائفية في المملكة التي يتركز الأقلية الشيعية بها في شرقي البلاد، هو السبيل الوحيد لزعزعة استقرار أكبر مصدر للنفط في العالم.
إن هجوم القطيف هو المؤشر الأحدث على أن السعوديين، حتى إذا ما حاربت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا كجزء من التحالف الذي تقوده واشنطن، فإنها ليست بمنأى عن نيران داعش في عقر دارهم.
وعلى الرغم من أن السلطات السعودية اعلنت مؤخرا القبض على نحو مأئة شخص لهم صلة بتنظيم الدولة، يصعب التنبؤ بالتهديدات بل ومن المستحيل تقريبا إيقافها، وهي الهجمات التي تسمى بـ ” بالذئب الوحيد” ( هجمات محدودة النطاق تتخذها القاعدة كجزء من استراتيجيتها) والتي يتم تنسيقها إلكترونيا من جانب الشباب السعودي الذي لم ير أبدا أو حتى خاض غمار الحرب.
إن قصة أبو نيان توضح مدى التواجد الفاعل لتنظيم الدولة الإسلامية في السعودية، بحسب وزارة الداخلية التي تعتقد أن هذا الشاب لجأ إلى طريق التطرف بعد فشله في الولايات المتحدة وعدم وجود هدف لديه بعد ترحيله. لكن داعش احيا الامل لديه في المستقبل في الوقت الذي كانت الفرص المتاحة أمامه في بلاده محدودة إن لم تكن منعدمة.
وهذا ما أقره خالد غنامي المتطرف السعودي السابق والذي تم إصلاح فكره قبل عشرة أعوام بقوله: “ بعض من هؤلاء الشباب يريد أن يثبت نفسه. فلدى هؤلاء الشباب شيئا بداخلهم يريدون تحقيقه،” مضيفا أن “المشكلات الاجتماعية تمثل سببا آخر مشترك.”
وفي هذا الصدد، قال حميد الشيجي الأستاذ في جامعة الملك سعود والمستشار الاجتماعي في برنامج إعادة تأهيل المتطرفين في السعودية : “ وجدنا أن بعض هؤلاء الشباب يهرب من منزله المتهدم أو من مشكلات اجتماعية أو سوابق جنائية أو حتى إدمان المخدرات.”
وتابع: “ لا يجد هؤلاء الشباب مخرجا من المشكلات الاجتماعية سوى اللجوء إلى “الانتحار” أو “الاستشهاد”… ولهذا يروق لهم الانضمام إلى تنظيم القاعدة والجماعات الأخرى المتشددة.”