تتناول وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، في الآونة الأخيرة، مسألة وجود حوار من عدمه، مباشر أو غير مباشر، بين إسرائيل وحماس حول هدنة طويلة الأمد، تمتد إلى مدة أدناها خمس سنوات. ويدور الحديث عن تبادل أسرى ورفات أسرى، وعن تفاهمات أخرى، من شأنها الحفاظ على قوة حماس في قطاع غزة. هذه التفاهمات لا تلغي حقيقة أن إسرائيل تعتبر حماس وسلاحها تهديدا لأمنها ولا تعني أن سيناريو مواجهة جديدة بين إسرائيل وحماس لم يعد واردا.
لكن ثمة أمور تجري على الأرض في قطاع غزة تدفع بالمؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل للتفكير بأن حماس في هذه المرحلة، ليست تهديدا فوريا، بالإضافة إلى أن استمرار وجود حماس في القطاع يضمن حالة الانقسام الفلسطينية، التي تمنع الحديث عن أي حل شامل بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك رغم إدراك المجتمع الدولي أن الحل، في هذه المرحلة، سينحصر في اتفاق بين إسرائيل وبين السلطة الفلسطينية المسيطرة فقط على الضفة الغربية.
من بين هذه الأمور الميدانية، التحدي الذي بدأت تشكّله الجماعات السلفية لحماس في قطاع غزة. فقد انتهى قبل عدة أشهر “شهر العسل”، أو على الأقل اتفاق عدم التعدي المتبادل، الذي ميّز علاقة حماس بالسلفيين والذي أُبرم نهاية عام 2013 بين الطرفين.
فقد شهد عام 2013 توترات كبيرة بين الحركة المسيطرة على القطاع، وبين مجموعات سلفية زاد نشاطها في القطاع كنتاج للربيع العربي، وازدهار حركات الجهاد في العالم العربي مثل: تنظيم الدولة، وجبهة النصرة والقاعدة وغيرها. الأجهزة الأمنية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية وحكومتها، خوفا من أن يصبح القطاع مرتعا لهؤلاء المجموعات، قامت باعتقال العشرات من السلفيين مما أدى إلى حدوث توتر كبير بين الطرفين، انتهى فقط بتدخل الفصائل الفلسطينية ومن أبرزها لجان المقاومة الشعبية، والجهاد الإسلامي.
وأفضت وساطة هذه الفصائل إلى إطلاق سراح جميع السلفيين لدى حماس. لكن هذا التوتر عاد أدراجه بعد حادثة “شارلي إيبدو” في باريس مطلع هذا العام.
فبعد إعادة صدور المجلة الفرنسية إثر الهجوم الدامي الذي تعرضت له في كانون ثاني/ يناير من هذا العام، لنشرها رسومات جديدة للنبي محمد، نظم السلفيون في غزة تظاهرة احتجاج نددوا فيها بالإساءة المجددة لنبي المسلمين. وأعلن المتظاهرون خلال التظاهرة مبايعتهم لـ “خليفة المسلمين”، وزعيم تنظيم الدولة الاسلامية، ابو بكر البغدادي. وبعد التظاهرة التي شارك فيها أكثر من 400 عنصر من أنصار السلفيين، قامت أجهزة حماس باعتقال العشرات ممن شاركوا فيها، وهو الأمر الذي اعتبره السلفيون خرقا لتفاهمات الفصائل. ومحاولات البعض التوسط لإنهاء هذا الملف اصطدمت برفض من حركة حماس.
حماس التي كانت قد أدانت هجوم باريس (مع إدانتها كذلك للرسومات نفسها)، لم ترغب بأن يظهر القطاع كمؤيد لهذه الجماعات، فأحكمت قبضتها على الجهاديين، وعادت تزج بعناصرهم في السجون. بهذه الخطوة أرادت حماس أيضا أن تنأى بنفسها عن نشاط هذه الجماعات المعادية للنظام المصري في ظل تُهم توجّه للحركة من بعض الأوساط المصرية على أنها، أي حماس، تتعاون مع بعض هذه التنظيمات لإضعاف نظام الرئيس السيسي في مصر.
واعتبر السلفيون أن حماس تتهرب من كل الوساطات. ومنذ شهر، بعيدا عن الاعلام، تشهد مدينة غزة تفجير عبوات ناسفة تستهدف مقار لحماس ومساكن رموزها. صحيح أن هذه التفجيرات – رغم أنها أدت إلى إصابة طفلين قبل أيام – تبقى ، في هذه المرحلة على الأقل، في إطار رسائل التحذير ولم تسفر عن ضحايا، ولم تتطور لتشكل خطرا على حكم حماس في غزة، إلا أنها تُحدث حالة من الإرباك في صفوف الحركة وأجهزتها الأمنية. وتتحدث مصادر أمنية في القطاع عن عشرات العبوات الناسفة التي انفجرت منذ الشهر الماضي وأن هذه التفجيرات تحصل بشكل شبه يومي، مما يدفع بأجهزة حماس لنصب حواجز تفتيش في العشرات من المحاور الرئيسية في القطاع، وتحديدا في مدينة غزة، الأمر الذي لم يعتاد عليه مواطنو القطاع منذ سيطرة الحركة عليه عام 2007، وسادت حالة الأمن والأمان فيه في السنوات الأخيرة.
صحيح أن بعض العناصر السلفية قد أعلنت قبل أشهر عن إنشاء “دولة غزة الإسلامية”، كفرع لتنظيم الدولة الإسلامية في القطاع، وصحيح أن شرائح واسعة من الشباب في القطاع تبدي تأييدا لبعض التنظيمات الجهادية والسلفية كالقاعدة والدولة الاسلامية، إلا أن هذه الجماعات لم تتطور إلى مستوى يشكل خطرا على حماس في القطاع، لكن الماضي أثبت أن هناك مجموعات في أوساط السلفيين لم تتردّد في تحدي حماس، وبشكل علني. فما زالت حادثة مسجد ابن تيمية في رفح في صيف 2009، حيث قامت حماس بقصف المسجد بعد إعلان بعض السلفيين عن إنشاء إمارة إسلامية في غزة، عالقة في أذهان الطرفين.
تعي حماس جيدا أن هذه الحركات تتمتع حاليا بزخم كبير بين الشباب المسلم في العالم، وأن عناصرها يستطيعون تقوية روابط التعاون مع مجموعات جهادية في مصر وخارجها، على نحو قد يخلط الأوراق في غزة، ولكن هذه الجماعات تعي بالمقابل أن حماس لن تتردد في التعامل معها بحزم كما حصل عام 2009 في رفح.
ويدفع توازن الرعب هذا إلى التفكير بأن جهود الوساطة قد تنجح وسيتم معالجة هذا الملف ولملمته كما حصل في الماضي، لكن الحال اليوم يختلف عما كان عليه في عام 2009، وحتى عما كان عليه عام 2013، وقد يحاول سلفيو القطاع استغلال أوضاع حماس والحصار المفروض عليها من كافة الأطراف وعلى رأسها مصر، للعب دور أكبر ف
ي القطاع كجزء من حركة جهادية عالمية هي عنوان المرحلة الحالية في مواجهة الغرب وإيران وحتى الكثير من الأنظمة العربية.
وفي ظل هذه الأوضاع، من غير المفاجئ أن يفكر البعض في الأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل أن الوقت غير مناسب لزيادة الضغوط على حماس مع الأخذ بالحسبان أن الحرب الأخيرة في القطاع لم تندلع لأسباب لها علاقة مباشرة بالطرفين، أي بإسرائيل وحماس. وفي هذا السياق نشير إلى أن السلطة الفلسطينية مقتنعة تماما أن حماس وإسرائيل معنيتان بالحفاظ على الوضع الراهن، مع رغبة حماس في أن توافق إسرائيل على تخفيف الحصار على القطاع وعدم إفشال الجهود الرامية لإعادة بنائه.
موقع (المصدر) الإسرائيلي