لم يحتج نبيل عيوش لدعاية لفيلمه الأخير “الزين اللّي فيك” بعدما قامت بعض المقاطع المسرّبة بهذه الوظيفة، إذ صار النقاش حول هذا الفيلم الذي يصوّر عالم الدعارة بمدينة مراكش، هو الغالب على الشبكات الاجتماعية في الآونة الأخيرة، حتى وإن لم تشاهد الغالبية هذا الفيلم الذي عُرض مرة وحيدة، كانت في مهرجان “كان” في دورته 68 المنظمة هذه الأيام.
اللقطات المسرّبة قدمت جانبًا مثيرًا للجدل من هذا الفيلم، خاصة وأنها أظهرت كلمات نابية بشكل أقوى عمّا نطقت به ألسن شخصيات أفلام سينمائية سابقة، زيادة على مشهد رقص ماجن يحمل إيحاءات جنسية واضحة، فضلًا عن مشهد آخر لعاهرة ترقص مع خليجي وتغني بما مفاده أن مواطني بلد خليجي بعينه يحبون ممارسة الجنس مع المغربيات.
الأفلام “الجريئة جنسيًا” لم تبدأ مع فيلم نبيل عيوش حتى وإن كان هذا المخرج قد قدم سابقًا عملًا من هذا النوع تحت اسم “لحظة ظلام” عام 2002، إذ تعرف قوائم السينما المغربية أمثلة كثيرة لها. في البدايات كان فيلم “حب في الدار البيضاء” لعبد القادر لقطع سنة 1991، ثم استمر ذلك مع أفلام أخرى من قبيل “علي ربيعة والآخرون” لأحمد بولان عام 2000، “الدار البيضاء باي نايت” لمصطفى الدرقاوي عام 2003، و”ماروك” عام 2005 لليلى مراكشي.
بناءً على المشاهد التي تم ترويجها، يتحدث الناقد السينمائي مصطفى الطالب، أن مثل هذا الشريط “يستحيل قبوله من طرف الجمهور المغربي، بغض النظر عن أي معطى ثقافي أو أخلاقي أو ديني، لأن فيه إهانة لكرامة الإنسان وكرامة المرأة المغربية التي صُوّرت في حالة بهيمية، متجرّدة من إنسانيتها، علمًا أن اللائي يتعاطين الدعارة يفعلن ذلك بدافع الفقر والحاجة. هذا فضلا عن أن فيه إساءة للشعب المغربي”.
ويضيف الطالب في تصريحات لهسبريس: “كنتُ أتمنى أن نرى معالجة هذه الظاهرة فنيًا عوض استغلالها من أجل إطلاق العنان لكل النزوات الجنسية والمكبوتات الكلامية. بل إنني أعاتب عيوش لاستغلاله تلك الفتيات اللائي يتعاطين الدعارة، ولاستغلاله أوضاعهن الهشة. لقد أحدث الفيلم قطيعة مع أفلامه السابقة خاصة “يا خيل الله” و”أرضي” “.
ولفت الطالب إلى أن الهم من مثل هذه الأفلام هو “سهولة الربح”، وهي الظاهرة التي تتكرر حسب قوله في أمريكا اللاتينية وبعض دول الساحل الإفريقي، إذ “يسعى بعض مخرجي هذه المناطق إلى الحصول على رضا جهات معينة تتحكم في السينما العالمية، على حساب ثقافة وقيم شعوبهم، بعيدًا عن جوهر الحداثة، التي تحافظ على كرامة الإنسان”.
وزاد الطالب في القول إن “هذه اللقطات تمزق المجتمع المغربي، وباسم تكسير الطابوهات، تتعسف على المشاهد وتقزمه وتحتقره وتحطّ من ذكائه”، مشيرًا إلى أن أشهر الأفلام العالمية التي حازت على جوائز قلما نرى فيها مشاهد جنسية، معطيًا المثال بالأفلام الإيرانية التي تحقق نجاحات كبيرة لاحترافيتها دون السقوط في “فخ الجنس أو الإثارة المجانية”.
وخلص الطالب إلى أن “استعمال الإيحاء في السينما اختيار فني يجب أن يقتنع به المخرج وكاتب السيناريو والممثل”، مطالبًا بـ”تحكيم مبدأ المساءلة والمحاسبة لكل من لا يحترم الدستور ويتلاعب سواء بالمال العام أو بثقافة الوطن أو يسيء لسمعته في الداخل و الخارج، أو يسيء استعمال الحرية التي خوّلها الدستور لكل مواطن”.
في المقابل، يرى الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم، أن الحكم على أيّ فيلم لا يجب أن يكون أخلاقيًا، بل انطلاقًا من معايير فنية وتقنية وسينمائية، إلّا أن ذلك لا يعني الدفاع عن أيّ فيلم يُقحم صاحبه لقطات العري والجنس فقط لجلب نوعية من المشاهدين واستفزاز مشاهدين آخرين.
ويشير واكريم في تصريحات لهسبريس إلى أن المشاهد المغربي عمومًا قد “يتقبل مشاهد بها عري و”تخسار الهضرة” إذا كان الفيلم أجنبيًا، لكن ما إن يتعلق الأمر بفيلم مغربي حتى يختلف الأمر ويصبح قاسيًا وغير متسامح مع الفيلم وصاحبه، وكأننا بالمغاربة يخشون من رؤية أنفسهم على الشاشة كما هم في الواقع بسلبياتهم وإيجابياتهم”.
ولا يستبعد واكريم أن بعض المخرجين المغاربة يتعمدون إثارة ضجة حول أفلامهم حتى لو كانت متواضعة، لأنهم يعلمون أن حتى من انتقدوا الفيلم سيذهبون لمشاهدته ولو من باب الفضول، وبالتالي “لا يمكن استثناء قضية نبيل عيوش وفيلمه هذا من ذلك، فربما هو من تعمد إثارة هذه الضجة رغم أننا لا يمكن أن نجزم بذلك، خصوصا أن نبيل عيوش سليل أسرة تتقن فن الماركوتينغ والإشهار” يقول واكريم.
إلّا أن اختلاق الضجة لا يجب أن يدفع إلى المطالبة بوضع قيود حول السينما بمبرّر أن المجتمع محافظ، يستدرك واكريم، مضيفًا أننا “نحن من نقرر الذهاب إلى السينما واختيار الفيلم الذي نرغب في مشاهدته وليس هو الذي يأتي إلينا”.
ويتابع واكريم: ” نعم أنا أحترم الأفلام التي اعتمد فيها مخرجوها على الرمز والإيحاء في توصيل أفكار جريئة تتعلق بالجنس، والريبرطوار السينمائي العالمي به أمثلة كثيرة، لكن أيضا هناك أفلام لمخرجين عالميين بصموا السينما العالمية أمثال غودار وفليني وبيرغمان وسكورسيزي، بها لقطات عري وجنس بدت لنقاد سينمائيين كبار أنها مبرّرة، ولو تمت إزالتها لاختلّ المعنى”.
هسبريس – إسماعيل عزام