منذ فترة طويلة، دخلت النشوة بإسقاط الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في طي النسيان، وفي الواقع، فإنها مهدت الطريق لاستعادة الحكم الاستبدادي تحت قيادة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، يساعده في ذلك القضاة المعينين في عهد مبارك.
هكذا علقت صحيفة (هافنجتون بوست) الأمريكية في مقال للكاتب الصحفي جون ل. اسبوزيتو تحت عنوان “مصر: الإرهاب باسم أمن الدولة”.
وإلى نص التقرير:
بقدر ما كانت أحكام الإعدام الأخيرة بحق محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا والعشرات من القادة البارزين بحزب الحرية والعدالة المحظور مذهلة ومثيرة للغضب، فلم تكن مفاجئة بأي حال.
ومنذ فترة قصيرة نسبيا بعد الإطاحة بحكومة مرسي من خلال انقلاب عسكري، وضع نظام السيسي سجلات ضخمة لعنف الدولة والقمع والاعتقالات الجماعية والسجن وأحكام الإعدام، تتجاوز أي شيء معروف في التاريخ المصري الحديث.
النشوة التي ظهرت في أعقاب الإطاحة بمبارك دخلت طي النسيان لفترة طويلة، وفي الواقع فإنها مهدت الطريق لعودة الحكم الاستبدادي تحت قيادة السيسي، مستمدا شرعيته من قبل القضاة المعينين في عهد مبارك ومعززا من قبل جيش يترك وراءه سفك الدماء والقمع.
ولننظر على سبيل المثال في المجزرة التي وقعت في أغسطس عام 2013 حيث قُتِل 817 مدنيا في ميدان رابعة العدوية، فالجيش، وفقا لتحقيق منظمة هيومن رايتس ووتش، قتل عن عمد وبشكل ممنهج عددا كبيرا من المحتجين العُزّل لأسباب سياسية في إجراءات من المرجح أن ترقى لجرائم ضد الإنسانية.
وأوصى تقرير المنظمة أيضا بضرورة أن تتم مساءلة المسؤولين الأمنيين الكبار عن تلك المجزرة، بما فيهم عبدالفتاح السيسي الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك والذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن دور الجيش في فض رابعة.
واستكمالا لما سبق، ألقي القبض على وتم سجن قرابة 40 ألف شخص، ولم يكن جميعهم أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين، لكن من بينهم أصوات بارزة في المعارضة، وتعرض العديد منهم للضرب والتعذيب والاغتصاب ورفض الرعاية الطبية اللازمة، ووجهت سهام النقد لمنتقدي النظام واتهِموا بالتجسس أو التعاطف المزعوم مع الإرهابيين وتم مصادرة أو الحجز على حساباتهم البنكية وشركاتهم وممتلكاتهم.
وفي حين وثقت منظمات حقوق الإنسان واستنكرت هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لا تزال العديد من الحكومات صامتة في ردها، فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعربان عن قلقهما واستيائهما فقط دون أن يدينان بشكل قوي تلك الإجراءات.
إدارة الرئيس باراك أوباما رفضت بشكل لا يصدق أن تطلق على استيلاء السيسي على السلطة بقيادة الجيش “انقلابا”، وعلى الرغم من استغلال السيسي للعنف والإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مصر في عهد السيسي بأنها “على طريق الديمقراطية”.
ويبدو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي غير قادرين أو راغبين في استنتاج أن مبادراتهما الدبلوماسية الفاترة لا تجد آذانا صاغية في القاهرة، وفي الوقت نفسه، يعملان على تعزيز علاقاتهما مع الأنظمة الخليجية التي بدورها تمكِن نظام السيسي من سحق آمال الديمقراطية في مصر، من خلال دعمها المالي وغطاءها الدبلوماسي.
وبينما توقع الدول الغربية والشركات عقودا مربحة مع بعض الأنظمة الخليجية، وتنشئ مراكز ومبادرات مكافحة الإرهاب باسم محاربة داعش والإرهاب، فإن الموافقة والدعم النشط من هذه التحالفات تعطي السيسي الغطاء الذي يحتاجه لسحق أية دفعة للديمقراطية في مصر، وكذلك تثير المظالم نفسها التي تؤدي إلى الإرهاب.
ووقع خطأ فادح في مصر ما بعد الانقلاب: فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سقطا مرة أخرى في شراك الحكمة التقليدية وهي (أن الاستقرار مضمون من خلال دعم الحلفاء المستبدين)، تلك السياسة لا تتعارض مع مبادئ وقيم تقرير المصير والديمقراطية وحقوق الإنسان الغربية فحسب بل أنها تضمن العكس تماما من الاستقرار.
إن دعم الأنظمة الاستبدادية والقمعية مثل مصر وغيرها، يقوض الأمن الإقليمي والغربي ويعد أداة تجنيد لتنظيم داعش، وإذا كانت ال 15 الماضية قد علمتنا شيء، فهو أن القمع يولد العنف، ليس فقط ضد أولئك الذين يمارسونه بشكل مباشر، ولكن أيضا ضد من يرعونه ويمكنونه، و الاستبداد أبعد ما يكون عن الحل في الشرق الأوسط، فهو في الواقع معضلة.