في 27 نيسان/أبريل، انتقد قائد «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، المملكة العربية السعودية بسبب تدخلها العسكري الأخير في اليمن، متهماً “السعوديين الخونة” بأنهم “يسيرون على خطى إسرائيل” من خلال “القصف والقتل الجماعي” للشعب اليمني “بوقاحة وبصورة مخزية”. واعتبر أن العدوان السعودي المتزايد في المنطقة يتطلب استجابة أكثر صرامة من طهران. وبالمثل، حذر نائب الأمين العام لـ «حزب الله» نعيم قاسم في مقابلة أجراها مع وكالة “أسوشيتد برس” في 13 نيسان/أبريل بأن المملكة سوف “تتكبد خسائر فادحة جداً” و”تدفع ثمناً باهظاً” نتيجة لحملتها في اليمن. ونظراً إلى السوابق التاريخية – ناهيك عن العديد من التصريحات الغاضبة الأخرى الصادرة مؤخراً عن طهران (انظر المرصد السياسي 2423، “الحرب في اليمن تُصعّد لهجة الخطاب الإيراني المعادي للسعودية”) – ينبغي على الرياض أن تأخذ هذه التهديدات على عواهنها.
تاريخ حافل باستهداف المصالح السعودية
لدى إيران تاريخ طويل من التخطيط لهجمات ضد منافسيها السعوديين رداً على التجاوزات الحقيقية والمتصورة. وقد استهدفت تلك المؤامرات، التي نفذها عملاء إيرانيون ووكلاء «حزب الله»، المصالح السعودية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. ومن بين أحدثها – التي يمكن إرجاعها الى قائد «قوة القدس» التابعة لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» قاسم سليماني وغيره من كبار صناع القرار في إيران – المؤامرة الفاشلة في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 لاغتيال السفير السعودي في واشنطن من خلال تفجير المطعم الذي كان يتردد عليه. ومع ذلك فإن مخططات طهران المعادية للسعودية تعود تقريباً إلى وقت تأسيس النظام.
فبعد ثلاثة أشهر فقط على إنشائه في أيار/مايو 1987، شن الفرع السعودي لـ «حزب الله» (الذي يعرف أيضاً باسم «حزب الله الحجاز») أول هجوم له داخل المملكة. وسابقاً، وقعت مواجهة بين حجاج شيعة وقوات الأمن السعودية في موسم الحج في تموز/يوليو 1987 تحولت بعد ذلك إلى مجابهة عنيفة، وتصاعدت إلى تدافع قتُل فيه أكثر من 400 شخص. وكان من بين القتلى عدد من رجال الشرطة السعودية وحجاج إيرانيين، فانتشرت الشائعات بأن بعض القتلى كانوا مرتبطين بالمنظمات الشيعية السعودية السياسية منها وتلك المسلحة. وفي سعيها للانتقام، بدأت إيران التلفت إلى المتطرفين الشيعة في المنطقة الشرقية للمملكة بهدف جذبهم لتنفيذ هجمات. وبعد أسبوع من المأساة، أصدر «حزب الله» السعودي أول بيان رسمي له، متعهداً بتحدي العائلة الحاكمة. وفي الشهر التالي، أعلن مسؤوليته عن هجوم على منشأة النفط في رأس الجعيمة. وفي بيانات صادرة في بيروت وطهران، هدد الحزب بتنفيذ هجمات انتقامية إضافية تستهدف المسؤولين السعوديين. وبعد شهر من ذلك، هدد بشن هجمات ضد المصالح الأمريكية والسعودية في الخارج.
ووفقاً لتقارير “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية في ذلك الوقت، كانت إيران قد سبقت “وهربت المتفجرات إلى المملكة العربية السعودية” في ذلك الحين “ونفذت عمليات إرهابية ضد أهداف كويتية”. وفي إشارة إلى التفجيرات التي وقعت في بيروت ما بين العامين 1983 و1984، قدرت الوكالة أن “العديد من القادة الإيرانيين استخدموا هذه السابقة كدليل على أن الإرهاب قد يحط عزم الولايات المتحدة” ورؤوا في “التخريب والإرهاب خياراً هاماً في مواجهتهم مع الولايات المتحدة في الخليج العربي”.
وفي غضون عام، نفذ «حزب الله» السعودي تهديده عبر مهاجمة قطاع صناعة البتروكيماويات السعودية، الذي كان آنذاك كما هو الحال الآن، يشغّل العديد من الأمريكيين. وفي آذار/مارس 1988، أعلن الحزب مسؤوليته عن الانفجار الذي وقع في مصنع “صدف” للبتروكيماويات في منطقة الجبيل. كما أن قنابل إضافية أصابت مصفاة رأس تنورة، في حين أن قنابل أخرى لم تنفجر على ما يبدو في رأس الجعيمة.
من جهتها، ردت السلطات السعودية بقوة، واعتقلت عدداً من المشتبه بهم من المسلحين الشيعة المتطرفين. وألقت القبض على ثلاثة من أعضاء «حزب الله» السعودي بعد مواجهة دامية، قتل فيها العديد من رجال الشرطة وأصيب آخرون بجروح. وقد أعدم هؤلاء الرجال وعضو خلية آخر علناً في أيلول/ سبتمبر 1988.
ومن أجل الانتقام للعناصر المعدومين، أعلن «حزب الله» السعودي الحرب على أي شخص يعمل لصالح “آل سعود”، وشرع في حملة اغتيالات في الخارج، بشنه هجمات على مسؤولين سعوديين في تركيا وباكستان وتايلاند. وفي معرض تعليقه على إحدى هذه الهجمات، أشار تحليل أصدرته “وكالة المخابرات المركزية” في كانون الأول/ديسمبر 1988 إلى أن “الرياض قلقة من أن يكون اغتيال دبلوماسي سعودي في أنقرة في 25 تشرين الأول/أكتوبر الجولة الافتتاحية في حملة إرهابية شيعية تستهدف مسؤولين سعوديين ومرافق سعودية”.
إن عملية إطلاق النار مدار البحث في أنقرة قد أودت بحياة عبد الغني البداوي، السكرتير الثاني في السفارة السعودية في تركيا. وجاءت محاولة اغتيال أخرى بعد شهرين، عندما أصيب أحمد العمري، السكرتير الثاني في البعثة السعودية في كراتشي، باكستان، بجروح خطيرة من جراء إطلاق عيار ناري عليه في أواخر كانون الأول/ديسمبر. وبعد ذلك، في 4 كانون الثاني/يناير 1989، قتل صالح عبد الله المالكي، السكرتير الثالث في السفارة السعودية في بانكوك خارج منزله. وزعم فصيلان من «حزب الله» السعودي مسؤوليتهما عن العملية الأخيرة في تصريحات صدرت تحت أسماء «جند العدل» و «منظمة الحرب المقدسة في الحجاز»، وكلاهما ربط عملية القت
ل إلى الإعدامات التي جرت في الرياض في أيلول/سبتمبر 1988. وفي شباط/فبراير 1990، قتل أربعة دبلوماسيين سعوديين آخرين في تايلاند في قضية ارتبطت في النهاية إلى «حزب الله» السعودي.
وفي الوقت نفسه، تم القبض على مجموعة من الكويتيين والسعوديين الشيعة التابعين لـ «حزب الله» في الكويت أثناء قيامها بتهريب المتفجرات إلى المملكة في تموز/يوليو 1989، ووضعها في محيط “المسجد الحرام” في مكة. وفي أيلول/سبتمبر من ذلك العام، تم قطع رؤوس ستة عشر كويتياً وأربعة سعوديين لضلوعهم في المؤامرة، الأمر الذي دفع بكل من «حزب الله» السعودي والكويتي للدعوة إلى الانتقام في مؤتمر صحفي عقداه في بيروت، حيث كان بإمكان ممثليهما التحدث بحرية تحت حماية راعيهما، «حزب الله» اللبناني. يُشار إلى أن العديد من الكويتيين الذين أُعدموا كانوا من أصل إيراني، وقد اعتبرهم المسؤولون في طهران “شهداء”، وأعلنوا أنه يجب الانتقام لمقتلهم من خلال شن هجمات على المصالح السعودية والكويتية والأمريكية. في هذا الإطار، قدّر تحليل لـ “وكالة المخبارات المركزية” نُشر في آب/أغسطس 1990 أن “هذه التصريحات قد تكون قد شجعت العناصر الشيعية المتطرفة على تنفيذ سلسلة من الهجمات ضد المنشآت السعودية وضد السعوديين”. وقد ورد أيضاً وفق تقييم الوكالة أن الهجمات الإرهابية المتعلقة بإيران التي نُفذت على مدى العام الذي سبق “ربما تمت الموافقة عليها مسبقاً” من قبل الرئيس وكبار القادة الآخرين.
هذا وكمن هجوم «حزب الله» الأكثر شهرة على المصالح السعودية في تفجير “أبراج الخُبر” في حزيران/ يونيو 1996، أسفر عن مقتل 19 جندياً أمريكياً وعدد غير محدد من المدنيين السعوديين في حديقة مجاورة، وعن جرح 372 أمريكياً آخر. وعلى الرغم من أن الطرف المسؤول عن الهجوم لم يكن واضحاً في البداية، إلا أن “مكتب التحقيقات الفدرالي” الأمريكي استنتج في النهاية أن إيران هي التي خططت لذلك التفجير ونظمته ورعته بينما نفذته عناصر من «حزب الله» السعودي، مما أدى إلى توجيه اتهامات من السلطات الفدرالية الأمريكية ضد ثلاثة عشر عضواً من «حزب الله» السعودي وأحد عناصر «حزب الله» اللبناني المجهولين.
حرب ظلال من نوع آخر
في حين لا يزال «حزب الله» عنصراً نشطاً في حرب الظلال بين طهران والغرب، إلّا أنّ «قوة القدس» قد خططت أحدث مؤامرات النظام الإيراني المستهدفة للمصالح السعودية ونفذتها أيضاً. وعلى غرار حملة الاغتيالات التي قام بها «حزب الله» في أواخر الثمانينات، شملت المؤامرات الأخيرة استهداف المسؤولين في الخارج.
في أيار/مايو 2011، أطلق عملاء إيرانيون النار على دبلوماسي سعودي آخر في كراتشي وأردوه قتيلاً، الأمر الذي شكل إنذاراً لمؤامرة تفجير المطعم في واشنطن التي كان قد سبق التخطيط لها آنذاك. وفي حزيران/ يونيو 2012، اعتقلت السلطات الكينية مواطنَيْن إيرانيَيْن، زُعم أنهما عميليْن من «قوة القدس»، يُعتقد أنهما كانا يخططان شن هجمات على أهداف إسرائيلية أو أمريكية أو بريطانية أو سعودية في كينيا أو أي مكان آخر في أفريقيا. وفي الواقع يُقال أن «قوة القدس» أنشأت كياناً متخصصاً بـ “العمليات الخارجية الخاصة” معروفاً باسم “الوحدة 400” تنحصر مهمته على تنفيذ هذه الأنواع من الهجمات، التي تستهدف في المقام الأول دبلوماسيين من الدول التي كانت تحاول جاهدة تقويض البرنامج النووي الإيراني. أما الحرب الإلكترونية فيبدو أنها دخلت سياق المنافسة في هذه المرحلة أيضاً، ففي آب/أغسطس 2012 تعرضت شركة النفط السعودية الحكومية “آرامكو” لهجوم إلكتروني نَسَبته الاستخبارات الأمريكية إلى إيران، إذ وصفه وزير الدفاع آنذاك ليون بانيتا بأنه “تصعيد كبير للتهديد الإلكتروني”.
لقد بدا أن النظام يعلّق هذه الحرب السرية بينما تتكشف المفاوضات النووية المتعددة الأطراف، ولكن التوترات الطائفية الراهنة في المنطقة قد تكون قد أضرمت من جديد اهتمام طهران و«حزب الله» في استهداف خصومهما السعوديين من خلال شن هجمات غير متناسقة ويمكن إنكارها بشكل معقول. وكانت التوترات الإقليمية شديدة بالفعل حول دعم الرياض وطهران للعناصر الفاعلة المتنافسة في لبنان وسوريا والعراق. ولكن القيادة السعودية للائتلاف العسكري الذي يستهدف المتمردين الحوثيين في اليمن – الذين يمارسون الإسلام الزيدي، الذي هو فرع من المذهب الشيعي – أتت بمثابة مفاجأة غير مرحب بها لإيران (لمعرفة المزيد عن روابط طهران مع الحوثيين، انظر المرصد السياسي 2364، “زيديو اليمن: نافذة للنفوذ الإيراني”).
ونظراً إلى هذه الخلفية المليئة بالهجمات الإيرانية وتلك التي شنها «حزب الله» في الماضي ضد المصالح السعودية، تشكل التحذيرات الأخيرة أكثر بكثير من مجرد انتقادات دلالية معزولة في الحرب الكلامية بين الرياض وطهران. ونظراً إلى هذا التاريخ والتوترات الفعلية بين السنة والشيعة التي تجتاح المنطقة، فإن تعهد نعيم قاسم من 13 نيسان/أبريل – بأن «حزب الله» “لا يمكن أن يكون صامتاً” حول “الإبادة الجماعية” التي ترتكبها السعودية في اليمن – قد يسفر عن أكثر من مجرد تصريحات غاضبة.
ماثيو ليفيت هو زميل “فرومر- ويكسلر” ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب “«حزب الله»: التأثير العالمي لـ «حزب الله» اللبناني”. (2013).