في 14 أيار/مايو، عقب اجتماعه مع الرئيس العراقي فؤاد معصوم، حذر المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي من أنّ “السعوديّين قد ارتكبوا خطأ كبيراً في اليمن، وأنهم حتماً سيتضرّرون من جرّاء ذلك”. وأكدّ أيضاً أنّ “المجزرة” هناك ينبغي أن تتوقّف في أقرب وقت ممكن، وأنّ “متخذي القرار في السعوديّة بشأن اليمن لديهم عقلية غير حكيمة وجاهلة.”
ويعتبر الصراع في اليمن أحدث الساحات التي سعت إيران من خلالها إلى تحدي الولايات المتحدة وحلفائها العرب. وبسبب هذا الصراع، اشتدّ الخطاب المعادي للسعودية من قبل المسؤولين الايرانيين ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة ووصل إلى مستوى لم يسبق له مثيل منذ عام 1987، عندما أدّى قمع السعودية للمتظاهرين الإيرانيّين في مكة المكرمة إلى سقوط مئات القتلى ووقف العلاقات الدبلوماسية بشكل مؤقت. واليوم، تشن الجمهورية الإسلامية مرة أخرى حرباً دعائية ضد آل سعود.
التصريحات الرسمية المعادية للسعودية
في 9 نيسان/أبريل، ألقى خامنئي خطاباً حذر فيه الرياض من أنّ التدخل في اليمن سيؤدي إلى الفشل: “سيخسر السعوديّون حتماً في هذا …. وسيمرّغ أنفهم في التربة.” وأوضح توقعاته قائلاً: “إن قدرة الصهاينة العسكرية هي أقوى بكثير من القدرة السعوديّة، وغزة منطقة صغيرة، ولكن لم تتمكّن [إسرائيل] من تحقيق الإنتصار هناك، في حين أنّ اليمن بلد شاسع وفيه عشرات الملايين من الناس”. وأعلن أيضاً أنّ “العديد من الشباب عديمي الخبرة قد تولوا شؤون [المملكة العربية السعودية] واختاروا الهمجية سبيلاً بدلاً من اللباقة. وحتماً سيدفعون ثمن ذلك (لمعرفة المزيد عن “الشباب عديمي الخبرة” الذين أشار إليهم خامنئي، انظر المرصد السياسي 2412) ‘الشاب عديم الخبرة’ في المملكة العربية السعودية.”
وتابع خامنئي التعبير عن غضبه تجاه قضيّة اليمن في خطاب ألقاه في 6 أيار/مايو، شاملاً هذه المرة الولايات المتحدة في نقده فقال: “أنتم ترون أنّ لا مبرّر لما تقوم به حكومة المملكة العربية السعودية في اليمن… فلا يمكن تبرير السبب وراء إرسال طائرات لاستهداف الناس والبنى التحتية، وارتكاب الجرائم، وقتل النساء والأطفال، واشعال مناطق بأسرها. اليوم فقدت أمريكا مصداقيتها في نظر دول الشرق الأوسط. فهم يرون الوضع ويصرحون أنهم يدعمون [السعوديين]. فهم لا يخجلون. وبدلاً من ذلك يشْكون من سبب دعمنا لـ [الحوثيين]. لقد أردنا أن نرسل أدوية، وليس أسلحة لـ [اليمنيين]. فهم لا يحتاجون الى أسلحتنا. إذ يسيطر «أنصار الله» على القواعد العسكرية والجيش في اليمن… لقد اختارت الأمّة الإيرانية طريق النهاية السعيدة، الطريق الصحيح … وسوف تنجح باختيارها.”
وواصل خامنئي هذه اللهجة الكلامية في خطاب آخر ألقاه في 16 أيار/مايو قائلاً: “حتى الوثنيين في مكة المكرمة كانوا يعمدون إلى وقف الحرب في الشهر المكرّس [رجب]. واليوم أولئك الذين … يقصفون اليمن مائة مرة، ومائتي مرة في أربع وعشرين ساعة هم أسوأ وأقبح من وثنييّ مكة المكرمة”. بالإضافة إلى ذلك، وصف الجمهورية الإسلامية بأنها “محور الصحوة” في الشرق الأوسط، ثم ألمح إلى أنّ السعوديين يقاتلون عبثاً هذا المحور منذ “خمسة وثلاثين عاماً.”
وقد ردّد عددٌ من المسؤولين الآخرين هذه المشاعر. ففي 27 نيسان/أبريل، قال اللواء محمد علي جعفري، القائد العام لقوات «فيلق الحرس الثوري الإسلامي»: “إن شاء الله، ستؤدي موجة التطورات المقبلة في المنطقة إلى انهيار آل سعود … [الذي] هو على شفير الاختفاء … ونحن نأمل أن يحدث هذا الأمر قريباً … فقد تتبّع اليوم الخائن السعودي خطى إسرائيل الصهيونية”. كما وصف حراك الحوثيين “بأحدث إنجاز للثورة الإسلامية”، مشيراً إلى أنّ “مصير كلّ من يقف في طريق هذا الإنجاز … سيهزم شرّ هزيمة.” وفي 2 أيار/مايو، قال رئيس ديوان مكتب خامنئي محمد محمدي كلبايكاني: “إنّ الناس الأبرياء في اليمن يموتون بالقنابل السعودية … وبالتأكيد أن آل سعود سيسقط قريباً بنعمة الله”. وفي اليوم نفسه، تفاخر سكرتير “المجلس الاعلى للأمن القومي” الإيراني علي شمخاني قائلاً بأن “مصير آل سعود سيكون مثل مصير صدام”. ويوم 11 أيار/مايو، قال مجتبى ذو النور، كبير مستشاري ممثل المرشد الأعلى في «الحرس الثوري الإسلامي»، “إن القرآن الكريم قد أذن لنا القضاء على إسرائيل، ولكن من الذي أعطى السعوديين مهمة إبادة اليمن، ولماذا يجب على أمريكا أن تدعم السعودية ؟ “
زيادة الانخراط في اليمن
عندما وقّع الحوثيون اتفاقاً مع الحكومة اليمنية في أيلول/سبتمبر 2014 بعد عدة سنوات من الصراع، هنأ ذو النور “الشيعة في اليمن” – مشيراً إلى المذهب الزيدي من الإسلام الشيعي الذي يمارسه الحوثيّون (لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع، انظر المرصد السياسي 2364 “زيديو اليمن: نافذة للنفوذ الإيراني”). وأكّد أيضاً أن “انتصار الجمهورية الإسلامية في اليمن سيفتح الأبواب أمام غزو المملكة العربية السعودية”.
وفي الوقت نفسه، وسّعت الحكومة الإيرانية مساعداتها لليمن. ووصف نائب وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان هذا الدعم في 13 آذار/مارس بأنّ: “القطاع الخاص الإيراني قد تفاوض مع الوفد الاقتصادي اليمني. وبالإضافة إلى المساعدة في تطوير البنية التحتية في اليمن، سيقوم تعاون كبير بين البلدين في مختلف المجالات المالية والاقتصادية … نحن نؤيد الشعب اليمني في حربه ضد الإرهاب، وفي مساعدته في نموه الاقتصادي … إن أمن اليمن هو من أمن إيران والشرق الأوسط… ولن ندع الآخرين يعبثو
ن بأمننا المشترك من خلال تصرفاتهم المغامرة”.
هذا وكانت إيران أيضاً ترسل سفناً إلى اليمن خلال عملية التدخل التي قادتها السعودية. وحذر المسؤولون الحكوميون الدول الأخرى من الاعتراض لها مدعين بأن هذه السفن تحمل مساعدات إنسانية. وفي 13 أيار/ مايو، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضيه أفخم، “لا يُسمح لتلك الدول التي هاجمت اليمن بتفتيش السفن الإيرانية”. كما أن مساعد قائد أركان القوات الإيرانية الجنرال مسعود جزايري حذر المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة على وجه التحديد، معلناً أن التدخل في شؤون السفينة الإيرانية التي كانت متجهة إلى اليمن سيؤدي إلى “إشعال نار الحرب التي قد تخرج عن نطاق سيطرتهم”، مضيفاً أن “هناك حدود لضبط النفس الإيراني”. من جهتها، اتهمت الرياض إيران باستخدام السفن والطائرات لإعادة تزويد الحوثيين بالسلاح. وتنفي طهران هذا الدعم بنفس الطريقة التي نفت فيها دعمها العسكري لـ «حزب الله» اللبناني على مر السنين، وتدّعي بدلاً من ذلك أن مساعداتها هي إنسانية وسياسية فقط.
وفي غضون ذلك، تعاطف رجال الدين الشيعة في إيران بشكل علني مع فصيل الحوثيين/الزيديين في الوقت الذي أدانوا فيه السعوديين. فخلال خطبة ألقاها عضو “مجلس الخبراء” أحمد خاتمي في 8 أيار/مايو، وصف خاتمي أعضاء الحكومة السعودية بـ “رجال الموت” قائلاً، إن سياستهم في اليمن هي نفس سياسة إسرائيل في غزة. كما هنأ “الشعب اليمني” على “قتاله ضد السعوديين وفي الحقيقة، قتاله ضد أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني.”
الحوادث ذات الصلة
عملت أيضاً وسائل الإعلام التي تديرها الدولة على تحويل الطيار الإيراني الذي لم يتمكن من الهبوط في مطار صنعاء في اليمن الشهر الماضي إلى بطل بعد أن حذرته طائرات التحالف وأمرته بأن يستدير وقامت بقصف المدارج. وقد سردت “وكالة أنباء فارس” الأعمال “البطولية” للكابتن بهزاد صداقت، ووصفت كيف رحب به آية الله خامنئي خلال جلسة الصلاة التي تمت عند عودته. كما ورد أن القبطان قال إنه مستعد لإلغاء كافة رحلاته الأخرى والتركيز على البعثات الإنسانية إلى اليمن.
وفي حادث ملحوظ آخر، ادّعى مراهقَيْن أنهما تعرضا للتعذيب على أيدي حراس الأمن في مطار جدة في المملكة العربية السعودية في آذار/ مارس بعد أداء فريضة العمرة في مكة المكرمة. ووفقاً لوزارة الخارجية الإيرانية، فصل الحراس الصبيَيْن عن الركاب الآخرين لكي يخضعان لـ “التفتيش الجسدي”. وقد ادّعت “اللجنة القضائية المعنية بحقوق الإنسان” بأن ذلك “الاعتداء لجنسي” وقع بعد أن قام مفتي سعودي في جدة بإصدار فتوى تجيز مثل هذه المضايقات للإيرانيين. ورداً على ذلك، تظاهر مئات من الإيرانيين أمام السفارة السعودية في طهران، وفي 13 نيسان/إبريل علّقت السلطات الإيرانية جميع رحلات العمرة الجوية إلى المملكة (باستثناء السفر لموسم الحج الإلزامي في وقت لاحق من هذا العام). وسرعان ما انتشرت حملة كبيرة مناهضة للمملكة العربية السعودية (ومعادية للعرب، في بعض الأحيان)، على وسائل الإعلام الاجتماعية الفارسية، مما ساعد الحكومة على تبرير خطابها المعادي للسعودية.
منظور إقليمي
في تعليق يقدم فكرة عن كيفية نظر الجمهورية الإسلامية لاستراتيجيتها الإقليمية الشاملة، قال مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، العميد علي شادماني في 25 نيسان/أبريل: “على جبهة المقاومة، على مدى ثماني سنوات من الحرب [مع العراق]، كنا فقط قادرين على تنظيم بعض الأكراد في شمال العراق ضد صدام. والآن فإن كل هؤلاء الناس الذين يرغبون في القتال ضد القوى المتكبِّرة في في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق وأفغانستان واليمن يقفون تحت راية المرشد الأعلى الإيراني … لذا نعلن على الملأ أننا سندعم [المقاومة اليمنية] كما فعلنا في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان”.
وفي الآونة الأخيرة، هاجم رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المحافظة جداً، حسين شريعتمداري، مسؤولاً بارزاً في مقال نشره شريعتمداري في 12 أيار/مايو بسبب حديث المسؤول الإيراني عن مصالحة عربية-إيرانية. وكان أمين عام “مجلس تشخيص مصلحة النظام” والقائد العام السابق للقوات المسلحة الجنرال محسن رضائي قد قال لقناة “الميادين” إن “أسلحتنا هي للدفاع عن المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والعالم الإسلامي كله. وأنا على يقين من أنه إذا غزا أي طرف الحدود السعودية، سندافع عن المملكة العربية السعودية”. ورداً على ذلك، وصف شريعتمداري الرياض بأنها “النظام الذي ارتكب جرائم كارثية”، وقال أنه ليس لأحد “الحق في الدفاع عن الهيكل الذي يجسد الفساد والانحلال الذي يُدعى آل سعود … وبعد الهجوم البربري السعودي على اليمن، فإنه من الحق القانوني والديني لمسلمي اليمن مهاجمة حدود المملكة العربية السعودية”. كما اعتبر المملكة “دولة دمية” في يد أمريكا وإسرائيل.
المحصلة
تنظر الجمهورية الإسلامية إلى الصراع في اليمن على أنه فرصة لتحقيق أهدافها الإقليمية من خلال الاستفادة من الجماعة الزيدية الشيعية المسلحة (الحوثيين)، على غرار علاقتها بقادة «حزب الله» الشيعي في لبنان. وهي ترى أيضاً في اليمن ساحة معركة في حربها بالوكالة [حرب عملائها] ضد المملكة العربية السعودية، التي تنافسها منذ فترة طويلة على الهيمنة الإقليمية. فإذا استجابت الحكومة السعودية عن طريق درء السياسات المناهضة للشيعة من الداخل وفي البلد المجاور البحرين، لن يؤدي ذلك
سوى إلى تفاقم الصراع الطائفي الإقليمي وتبرير دعم إيران للجماعات الشيعية المسلحة أكثر من أي وقت مضى.
مهدي خلجي هو زميل “ليبيتزكي فاميلي” في معهد واشنطن.