بقلم: د. أيمن نور: سياسي مصري ورئيس حزب “غد الثورة”
أحسب أن أعظم ثائر في تاريخ البشرية –بعد الأنبياء– هو رجل لا يتجاوز وزنه 50 كيلو جرام، ونصف عاري لكنه كان يفكر‼ إنه الزعيم غاندي.
الفارق بين “الخناقة ” والمعركة، أنك يمكن أن تنتصر في الأولي، أذا نجحت أن تفعل ما تريد أن تفعله، لكنك لن تنتصر في معركة أبدا، إلا إذا حرمت خصمك، من أن يفعل ما يريد أن يفعله، أو بالأصح، إذا حرمته من أن يحملك للوقوع في حماقة فعل ما يريدك أن تفعله.
إننا ينبغي أن نقرأ جيداَ.. ماذا يريد السيسي من كل هذا التصعيد؟
فتنفيذ قرار الإعدام –هو قرار– سياسي، يتوقف علي إجراءات تتخذها السلطة التنفيذية، مثل “التصديق”.. وتحديد “الموعد”.
– لماذا إذن اختيار اليوم “التالي” مباشرة لصدور أحكام الإحالة للمفتي لـ108 من قيادات الإخوان، ورموزهم، وعلي رأسهم رئيس الجمهورية، ليكون هو الموعد للإعدام 6 من شباب عرب شركس رميا بالرصاص؟!
– لا أظنها.. محاولة للإلهاء، والتغطية على حدث بحدث آخر‼
– ولا أظنها .. محض مصادفة..
– ولا أظنها.. استخفافا بالرأي العام المحلي –والإقليمي– والدولي الذي يعرف السيسي قدر حساسيته، وتأذيه من فكرة “الإعدام”.
– لا أظنها.. قفزا في الفراغ أو المجهول.. من الرجل وأجهزته.
فهذا قرار لا يتخذه إلا السيسي منفرداَ.. ولا يمكن أن يكون خارج سياق محدد، ومتوافق عليه بين أجهزته، وفقاَ لخطة واضحة.. وأهداف محدده.. ونتائج، وردود أفعال منتظرة ومدروسة.
فما هي هذه الخطة الموضوعة؟ وما هي ردود الفعل المنتظرة، والمرجوة منها، والتي من أجلها يتخذ السيسي هذه الخطوة بكل ما تحمله من مخاطره، بل ومغامرة؟!
أولا: ماذا يريد السيسي من إعدام مرسي، وكل رموز الإخوان؟! ألم يكن كافياَ أن تصدر إحكام قضائية ضدهم بعشرات السنين؟!
وما هو المعني من صدور مئات الأحكام على مئات الأشخاص إذا كان الهدف هو القضاء على غريمه مرسي بوصفه الشرعية التي تنازعه؟! خصوصا إذا عرفنا أن عبد الناصر أعدم في كل سنوات حكمه فقط “سبعة” من الإخوان، رغم صدور أحكام على عشرات وليس مئات‼، بل إن عبد الناصر خفف الحكم الصادر ضد المستشار حسن الهضيبي للسجن 3 سنوات.
ورغم أن القضية 1954 كانت تتصل بزعم محاولة اغتياله شخصياَ، في المنشية، إلا أنه أُلغي حكم الإعدام على بعض من صدر ضدهم.
وفي قضية تنظيم 1965، أُعدم سيد قطب وهواس وعبد الفتاح إسماعيل، وخفض الحكم على عشماوي وأحمد عبد السميع وصبري عرفه الكومي، وحكم في هذه القضية بالسجن 15 سنة على د. محمد بديع، وعباس حسن السيسي، الذي أشاع عبد الفتاح السيسي عندما كان رئيساَ للمخابرات الحربية (وقت الإخوان) أنه عمه، بينما السيسي الكبير، كان من رشيد، وعبد الفتاح السيسي من الجمالية بالقاهرة.. وثبت أنها من بين الشائعات الكاذبة التي رددها توفيق عكاشة وفقاً لاعترافاته بالتنسيق مع السيسي لإقناع د. مرسي به‼
أخلص مما سبق للآتي:
السيسي وأجهزته يشعرون بحجم الأزمة الداخلية والإقليمية، ويدركون أنه لا سبيل له لتجاوزها دون معجزات، وهو ما سيضعه أمام مواجهة مع من وقفوا خلفه .. وساندوه على أمل من أنه سيصنع المعجزات
ولم يعد أمامه سبيل سوى انتظار معجزة –غالباً لن تحدث– بسبب توقف التدفقات الضخمة التي وصلته في بداية حكمه، وأضاعها بغير رشاده، منتظراً المزيد ..
إذن، الحل الآن هو استدعاء شبح التطرف والإرهاب وحقن المجتمع بأسبابه أو بالأصح بمزيد من الأسباب، وبالتالي لا بد من استدرار عطف الناس في الداخل والخارج، بوصفه يخوض معركة عنيفة ضد الإرهاب، وهو ما يدفعه لتوفير الأسباب الكافية لهذا الإرهاب، بتلك الأفعال التي لا منطق فيها غير رغبة التصعيد .. وإشعال النار في كل اتجاه.
يا شركاء الثورة .. هذا ما يريده الرجل، ولم يعد أمامه غير اختلاق تمثيلية مشابهه لحادث المنشية أو توظيف الأحداث الحالية بالطريقة التي تثير المشاعر وتدفع للمزيد من الاحتقان والعنف، لتحقيق غرضه.. ويصنع مبرراَ لوجوده واستمراره.
إذن وماذا بعد..؟! إذا كان هذا ما يريده السيسي، فلا بد أن يكون خيارنا هو أن نحرمه مما يريد‼
ولا نسمح له أن يجبرنا أو يجرنا إلى ملعبه‼ أو يدفعنا في الطريق الذي يختاره وفي الوقت الذي يحدده‼..
– احذروا .. من أن نحقق للرجل ما يريد..
– احذروا.. أن نعطيه الغطاء الشرعي لكل ما يرتكب من جرائم..
– احذروا ..
– وأدركوا أن الرجل يتداعى منفرداَ.. لا تدعموه، بأكثر مما يحتاج إليه، خصوصا بعد انهيار تحالفاته في الداخل والخارج.. لا توفروا لهذه التحالفات سبباَ للعودة إلى صورتها الأولي.
– اتحدوا فقط.. ولا توحدوهم خلفه، مرة أخرى بعد أن تفرقوا..
سلميتنا هي الرقم الصعب في معارك الثورة .. ولن نضحي بها أو نقبل أن يخصم منا ويضيف للثورة المضادة.