لا يزال الرأي العام الإماراتي يعيش إرهاصات وتفاصيل وردود فعل “فيديو المواطنة” الذي شغل الشارع الإماراتي طوال الأسبوع الماضي. الأجهزة الأمنية والتنفيذية أصابها الذهول من تفاعل الرأي العام مع هذه القضية وحيثياتها فوقعت في ارتباك ملحوظ وتناقض لا تخطئه عين المواطن الإماراتي. فما هي مظاهر هذه الصدمة وما هي مؤشرات الارتباك، وهل سيكون لهذه القضية ما بعدها على صعيد الرأي العام الإماراتي؟
الواقعة “مؤامرة إخوانية”
رأى مراقبون أن الإعلام الإماراتي المعبر عن توجهات الدولة السياسية والأمنية وقع في فخ الارتباك على أقل تقدير إن لم يكن قد حاول فعل أكثر من ذلك كما سيتضح بعد قليل. الكاتبة الصحفية في صحيفة “الاتحاد” عائشة سلطان كتبت مقالا (16|5) بعنوان “ليس مجرد مقطع فيديو” حاولت فيه إقناع الإماراتيين بأن الواقعة برمتها “مؤامرة إخوانية” وبتواطؤ مع الممثلة نفسها حسب تلميحات سلطان. اتجاه مقال سلطان الذي ادعت فيه أن هناك أمرا “دُبر بإحكام لصناعة فتنة مجتمعية بين الإماراتيين أنفسهم وبين الإماراتيين والإخوة المصريين” أثار موجة من السخرية واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي على ما حاولت سلطان ترويجه خلافا للحقائق التي لمسها الإماراتيون بأنفسهم هذه المرة بموقف عفوي وتلقائي.
انتقاد تعامل شرطة دبي مع الواقعة
إلى جانب مقالات عديدة ظهرت في صحيفة البيان “انتقدت” الممثلة المصرية بصورة واضحة ومحددة و”تحفظت” على “حماسة” المرأة الإماراتية، نشر الكاتب الإماراتي علي العمودي في الاتحاد(17|5) مقالا عده مراقبون “نادرا واستثنائيا” بعنوان “فيديو المواطنة” تضمن انتقادات واضحة لتعامل شرطة دبي مع الواقعة وخاصة انتقاد بيانها.
العمودي قال إن، “القضية في تفاعل مستمر، وموضع نقاش واسع زاده اشتعالا تصريح أحد مسؤولي شرطة دبي”، وتهكم الكاتب على هذا البيان واصفا إياه بمن يطمئن السياح على سلامتهم “بينما كان القرش يفتك برواد البحر”، حسب وصفه.
وأضاف العمودي منتقدا، في دولة لا تتسامح مع انتقادات كهذه قائلا،” المسؤول الرفيع بشرطة دبي لم يسمِ الأشياء بمسمياتها، في مسألة أراد البعض تصويرها كقضية “تهكم” من “امرأة لم يتم التأكد من هويتها”، متوعدا إياها بالمتابعة والملاحقة القانونية!!”.
واعترف العمودي بأن غالبية الرأي العام ساند تصرف المرأة الإماراتية إزاء “تفشي عدم الاحتشام في المراكز التجارية والأماكن العامة بصورة مستفزة، جعلت الكثير من العائلات المحافظة تصرف النظر عن الذهاب اليها”.
وبانتقاد محدد، قال العمودي “لم نسمع من هذا المسؤول أي كلمة تدعو الأجانب والزوار إلى احترام خصوصية مجتمع الإمارات”. وطالب العمودي المسؤول بـ”أن يكشف للرأي العام سر الغضب العارم الذي دفع “المواطنة” إلى “سب” الزائرتين”. وزاد العمودي موجها خطابه للمسؤول،” تمنيت منه احتراما للرأي العام أيضا لو أوضح ما تم تناقله بأن “المواطنة” اُستفزت لما رأت إحدى السيدتين تخرج من غرفة القياس بملابسها الداخلية بصورة خادشة للحياء في مكان عام”.
بين “المؤامرة” و”الانتقاد”
المراقبون الذين لاحظوا تجاهل صحيفة الخليج بصورة تكاد تكون تامة لهذه القضية وتفاعلاتها، اعتبروا أن هذا الاختلاف في الصحف الإماراتية المحلية الرسمية إنما يعبر عن ارتباك نتيجة ما وصفوه “بصدمة” الأجهزة الأمنية والتنفيذية التي حاولت بداية الحادثة أن تقوم بهجوم منظم ومكثف ينزع الواقعة أبعادها الوطنية والمجتمعية والأخلاقية.
واستدل المراقبون بأن الاختلاف بين كُتاب المقالات في هذه الصحف هو دليل الصدمة والمفاجأة نتيجة “تحرك” الرأي العام الإماراتي ضمن معادلة جديدة قد يكون لها ما بعدها.
بينما رأى مراقبون أن هذا الاختلاف مثّل في مرحلة لاحقة وبعد فشل الأجهزة الأمنية من احتواء الغضب الشعبي، محاولة للتحايل على الرأي العام والتفاف عليه بمقالات وصفوها “بالمُسَكّنة” للشارع الإماراتي في محاولة لتطويق أي تداعيات محتملة.
تنظيم الكحول بمناسبة الإسراء والمعراج
ولم يكد الرأي العام يلتقط أنفاسه جراء انتهاك هويته وثقافته حتى تلقف خبر تعميم إداري أصدرته دوائر التنمية الاقتصادية في إمارات الدولة للفنادق والمنتجعات بمنع بيع وتقديم “الكحول” في يوم الإسراء والمعراج لمدة 24 ساعة تبدأ ليلة الجمعة وتنتهي ليلة السبت(16|5) الجاري.
الشارع الإماراتي يقول إنه يدفع ثمن سمعة الدولة وسمعته بصورة خاصة ومباشرة عندما يصنف تقرير منظمة الصحة العالمي بأن سكان دولته ثاني مرتبة في استهلاك الكحول على مستوى الوطن العربي والشرق الأوسط، متسائلا إن كان هذا التصنيف وتقديم الكحول وعري “الممثلتين” وغيرها من مواقف كثيرة يستحق أن يفقد الشعب الإماراتي سمعته أمام الأمم الأخرى.
الرأي العام يتحرك
لم تقع الأجهزة الأمنية والتنفيذية في صدمة بسبب “عري الممثلتين” ولا بسبب “تعميم الكحول” فهذه الأجهزة هي صاحبة الاختصاص بالترخيص والحماية، ولكنها فوجئت من ردة فعل الرأي العام الإماراتي الذي جاء قويا وحازما رغم عفويته. ويرى دارسون للرأي العام أن عفوية الرأي العام وتحركه المفاجئ بلا قوانين تضبطه أو ترصده أو تتنبأ به، هي ما يثير مخاوف الأجهزة الأمنية، ويكون قويا ومُدخلا أمام صانع القرار لا يمكن القفز عليه من جانب هذه الأجهزة أو تجاهله.
وعد مراقبون أن “حراك” الرأي العام الإماراتي في هذه الواقعة إنما يدلل على أنه لم يعُد “ي
تسامح” مع جملة الانتهاكات الأخلاقية التي لا تتوقف بدءا باستضافة عارضات عالميات من أمثال “مادونا” و “الليدي غاغا” وغيرها من المظاهر غير المرغوبة مجتمعيا، وهو ما قد يؤدي إلى “مواجهة” حسب العمودي، عندما أكد،” لا أحد يتذكر الأمر سوى بعد وقوع مثل هذه المواجهة التي عرفت على مواقع التواصل الاجتماعي بـ “فيديو المواطنة”، وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة”، ليطرح المراقبون تساؤلا قد يوضح بوصلة الرأي العام في المرحلة المقبلة، إن كان هذا الرأي سيتحول من الواجهة إلى المواجهة، وكيف ستواجه الأجهزة الأمنية هذا التحول؟!
(الإمارات ٧١)