اليمن، مثلها كالعديد من الدول الأخرى في المنطقة، لم تتفق أبدا وقواعد الدول والأمم المتماسكة. فمنذ عام 1990، تعد اليمن بؤرة للأزمات بسبب الصراع والمنافسة المستمرة بين سلطة الدولة القائمة وبين مختلف العشائر والجماعات القبلية والحركات العابرة للحدود والانفصاليين. وبالإضافة إلى هذه الطبقات (الداخلية) من الصراع، فقد حاول اللاعبين الإقليميين تعزيز عدم الاستقرار الداخلي لخدمة مصالحهم الخاصة.
وكما كانت هذه التدخلات الخارجية سببا في تفاقم الصراع في اليمن، فإن اليمن اليوم لن يكون قادرا على تحقيق قدر معقول من الاستقرار بدون مساعدة من اللاعبين الإقليميين. استراتيجية خليجية محددة وموحدة في اليمن، مع نية واضحة لتقديم المصالح اليمنية الشاملة على المصالح الجزئية لدول الخليج قد تكون حجر الأساس للاستقرار المنشود.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية تعتبر تدخل التحالف العربي السني، الذي تقوده السعودية، ضد الحوثيين، حركة فضفاضة من الميليشيات والمتمردين الشيعة، هو صراع طائفي بالأساس. إلا أن الخلافات الأساسية تبدو أكثر تعقيدا. في الواقع، فقد جرت العادة على استخدام الخلافات الدينية والقبلية والجغرافية والأيدولوجية في تقسيم اليمن للنهوض بمصالح السلطة.
جذور الصراع
وتعود أصول الصراع التاريخي في اليمن إلى الصراع ما بين العشائر والقبائل، وكذلك بين الطائفتين السنية والزيدية (أبرز طوائف الإسلام الشيعي في اليمن). وقام النظام الجمهوري بتهميش الزيديين في الشمال سياسيا واقتصاديا واجتماعيا منذ سقوط الإمامة الزيدية عام 1960. وقد وفر التهميش بذور الانشقاق الطائفي التي تم التقاطها من قبل الحوثيين الذين ينتمون بدورهم إلى الطائفة الزيدية.
وتتركز الصراعات ما بين العشائر والقبائل دوما على قضيتي تركيز الموارد والسلطة، والتي تضمن بدورها ولاءً مؤقتا من الأفراد والحركات. في مجتمع قبلي، فإن جاذبية القائد الكاريزمي وشبكته التراثية هي وسيلة الأفراد للارتقاء الاجتماعي والاقتصادي، وبشكل أهم، الارتقاء السياسي. بينما تأتي أسئلة الانتماء الديني والأيدولوجي في مرتبة تالية.
ولهذا ندعي أن التدخل الخارجي هو أحد المساهمين الرئيسيين في الصراع داخل اليمن. ففي بلد يعتمد على المساعدات الخارجية، تصبح قدرة الزعيم على تأمين هذه المساعدات متناسبة مع نفوذه الاجتماعي والسياسي في وجه الزعماء الآخرين، بل في وجه الدولة نفسها. خلال الخمسين عاما الماضية، كانت المملكة العربية السعودية أبرز المانحين الأجانب لليمن، حيث دعمت على أوقات متفرقة الملكيين الزيديين والجهاديين الوهابيين والإسلاميين المعتدلين والجماعات القبلية العلمانية، كما دعمت النظام القومي العربي للرئيس السابق «علي عبد الله صالح». كل هؤلاء نالوا قسطا من الدعم السعودي الذين كان يغير وجهته بتغير الاهتمامات السعودية.
الإمارات وقطر
ومنذ عام 2011، صارت دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر انخراطا في اليمن. حيث دعمت «علي صالح» ضد الإسلاميين في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهي جماعة سنية مدعومة من قبل حليف السعودية السابق، وعدو «صالح»، اللواء «علي محسن الأحمر». ومع استمرار الدعم إلى الآن، فقد صارت الإمارات تمول الحليف الأكثر حداثة للحوثيين الذين يشتبكون مع التجمع اليمني للإصلاح. وربما يكون نفور قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة من الإسلام السياسي هو المحرك الرئيسي لهذه السياسة.
في المقابل، كان الدور القطري في اليمن أقل تأثيرا. حيث حاول البلد الصغير استغلال قوته المالية وسمعته الجيدة كوسيط للتوصل إلى اتفاق سلام بين الحوثيين والنظام خلال عامي 2008 و2010. وبعد عام 2011 تحولت قطر إلى دعم خطة الانتقال السياسي والمصالحة. وفي الواقع، فقد تحالفت مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهي القوة التي تعهد كل من الحوثيين والقوات الموالية لـ«صالح» بسحقها على الأرض.
الانقسامات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى افتقارها لاستراتيجية واضحة المعالم في اليمن، وعدم قدرتها على فرض مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي غير الحاسمة للانتقال السياسي في عام 2011، كل هذه العوامل قد فتحت الباب على مصراعيه، لإشراك لاعب خارجي آخر هو إيران.بضع ملايين من الدولارات لا غير تم إنفاقها في الأسلحة والنفط والإعانات سمحت لإيران بشراء ولاء الحوثيين.
أزمة الاستقرار والرغبات المتعارضة
عبرت إيران الخط الأحمر مع المملكة العربية السعودية حين قررت توفير الدعم المباشر للحوثيين. ينظر العاهل السعودي الجديد الملك «سلمان بن عبد العزيز» لتمدد النفوذ الإيراني من خلال عدسة صراع انعدام صفري. محليا، يبدو «سلمان» منشغلا بتعزيز موقفه، وكذلك موقف ابنه المدلل، ولي ولى العهد الحالي. خارجيا، يهدف «سلمان» إلى تأمين الدور القيادي الإقليمي للمملكة العربية السعودية، الذي تم إهماله في السنوات الأخيرة. مع ذلك، فإن عمليته العسكرية في اليمن من المنتظر ألا تحقق الحسم الكامل للصراعات الكامنة. ولكن لأن عدن كانت على وشك الوقوع في يد الحوثيين والموالين لـ«صالح»، فإن المملكة العربية السعودية اعتقدت أن شيئا ما ينبغي فعله لإيقاف تمدد الحوثيين وتعطيل عملياتهم.
وليقينها أنها غير قادرة على هزيمة الحوثيين عسكريا، ولاسيما من السماء، أعلنت المملكة استعدادها لإيقاف العملية العسك
رية على أمل أن تحللا جزئيا للقدرة العسكرية للحوثيين سيمهد الطريق للعودة إلى طاولة المفاوضات، وهي النقطة التي تفترق عندها أهداف شركاء الائتلاف. المملكة العربية السعودية وقطر قد لا يرغبان في مواصلة دعم الرئيس «عبد ربه منصور هادي» بسبب تآكل قاعدته الشعبية، وفي المقابل فإن كل من الإمارات ومصر لن يتسامحا مع عودة حزب التجمع اليمني للإصلاح، ناهيك عن تحالف يرأسه الجنرال «محسن الأحمر». وعلى الرغم من أن إيران تسعى إلى إقحام نفسها في الوساطة الإقليمية، فقد عبر مجلس التعاون الخليجي بوضوح أنه لا يرغب بأي دور لإيران في التوسط في الاتفاق اليمني.
وبالفعل، فإن الحوار السياسي اليمني هو السبيل الوحيد للمضي قدما. وتعي المملكة العربية السعودية أنه في حال استمرت العملية العسكرية لفترة أطول فسوف يكون هناك صعوبة في استئناف المفاوضات. وقد وجدت القوات الجوية للائتلاف في الأيام الأخيرة صعوبات متزايدة في تحديد الأهداف، بسبب قلة عدد القوات الخاصة على الأرض والتي تقدم خدمة المعلومات. ونتيجة لذلك، ومع زيادة الخسائر الجانبية للعملية، فإن الرأي العام اليمني أصبح أكثر مناهضة من أي وقت مضى لعمليات التحالف. ومع ذلك، ورغم انتقال السعودية من العملية «عاصفة الحزم» إلى العملية «إعادة الأمل»، وهي عملية أقل كثافة تهدف إلى إعادة الاستقرار، فإن خطورة نشر قوات على الأراضي اليمنية لا تزال قائمة.
ويبدو أن مجرد تدريب وتجهيز القبائل في الشمال الشرقي والجنوب، والذين لا يجمعهم سوى معاداة «صالح» والحوثيين، قد لا يكون بديلا ناجعا للحملة الجوية السابقة. وإذا حدث ذلك، فإنه سيكون من المستحيل تقريبا بالنسبة للتحالف ألا يدعم بشكل غير مباشر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أو الإسلاميين الموالين لحزب التجمع اليمني للإصلاح على حد سواء. وهي السيناريوهات التي من شأنها أن تسبب عدم ارتياح في القاهرة وأبو ظبي، ناهيك عن واشنطن ولندن.
العمل العسكري لا يوفر حلا ولا الإغاثة للوضع الإنساني المتدهور على الأرض، إذا لم تدعمها إستراتيجية عربية موحدة، فإن أيا من أشكال التدخل العسكري سوف تؤجج نار الصراع. مجرد ترجيح التوازن الهش للقوة في اتجاه آخر.
ينبغي أن تكون استراتيجية إنهاء الصراع في اليمن اجتماعية سياسية، قائمة على العدالة الاجتماعية والأمن الفردي. ولكي يحدث ذلك، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تنحي جانبا خلافاتها، وأن تسهل انتقالا نزيها، وأن تدير الحوار دون محاباة خاصة للأقوياء من القبائل والجماعات، أو الحركات. إن الاستقرار الذي قد ينشأ عن هذه العملية سوف يجرد إيران من جاذبيتها باعتبارها حامية للأقليات، كما أنه من شأنه أن يمهد لتعاون إيجابي وبناء بين دول مجلس التعاون الخليجي.
المصدر | معهد الشرق الأوسط
ترجمة: فتحي التريكي، الخليج الجديد