أصدر اﳌﺮﻛﺰ ﺍﻟﺪﻭﱄ ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ تقريره السنوي 2015 بعنوان:” خلف الأبراج الشاهقة: المعايير المزدوجة لحقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة”، وخص المركز تقريره السنوي حول الحالة الحقوقية في الإمارات بصورة حصرية. و رأى مراقبون أن ذلك يعبر عن اتساع حجم الانتهاكات الحقوقية في الإمارات ما تطلب إفرادها وتغطيتها بتقرير خاص يقتصر عليها.
تقرير المنظمة، ومقرها سويسرا، جاء في نحو 40 صفحة من القطع الكبير، وكان شاملا ومفصلا للحالة الحقوقية في الدولة بصورة تميزه عن التقارير الحقوقية الأخرى التي تتناول حقوق الإنسان في الإمارات بمساحة محددة ضمن حالات حقوقية أخرى خليجية أو عالمية.
انتهاكات مفزعة لحقوق الإنسان
استهل المركز تقريره بوصف الانتهاكات الواقعة على الحالة الحقوقية الإماراتية بأنها بلغت “حدا مفزعا”، ونوه التقرير إلى خيبة أمل الإماراتيين الذين حرموا من تطلعاتهم المشروعة من وجود مجلس وطني منتخب يعبر عن صورة نقية من صور الديمقراطية يشاركون فيه بالترشح والانتخاب بلا قيود أمنية أو إدارية أو سياسية، كما هو حال الانتخابات التي ستجري في أكتوبر من العام الجاري.
و وثق التقرير افتقار محاكمة الناشطين الإماراتيين “لشروط العدالة والنزاهة” ومحاكمتهم بالسجن من 10- 15 عاما، بعد توقيعهم عريضة حول تطوير المجلس الوطني الاتحادي.
وأكدت المنظمة، أنه ورغم أن الإمارات كانت في منأى عن الربيع العربي، إلا أنها كانت على “رأس الأنظمة العربية التي تصدت للثورات العربية” بتوفير دعم مالي هائل من مالها السياسي في تونس ومصر وليبيا.
خطة مدبرة لإسكات الإصلاح
وقال التقرير إن محاكمات أعضاء وناشطي دعوة الإصلاح ومقيمين آخرين إنما كانت خطة معدة لإسكات صوت الإصلاح في الإمارات، بعد أن تعرض قسم كبير من الناشطين للإقصاء من وظائفهم وسحب جنسياتهم ومنعهم من السفر ومنع ظهورهم الإعلامي وصولا إلى محكاماتهم ومواصلة التضييق على ظروف سجنهم والتنكيل بعائلاتهم وأبنائهم وذويهم بصفة عامة.
عام 2014 ردة حقوقية و”انقلاب على الدستور”
وأكد المركز أن عام 2014 شهد ردة حقوقية وانقلابا على الدستور الإماراتي وتراجعا لتعهدات الدولة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2013. وأثبت التقرير الكثير من مظاهر التعذيب الجسدي والمعنوي الذي يتعرض له معتقلو الرأي ولا سيما معتقلي سجن الرزين، الذي وصفه التقرير “بغوانتانامو الإمارات”، علما أن آخرين يسمونه “أبو غريب الإمارات” أيضا. وأبدت المنظمة أسفها لعدم تعرض الإمارات لضغوط حقيقية من جانب المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات الحقوقية لهؤلاء المعتقلين رغم أن ممارسات التعذيب تلك معروفة لدى حكومات وبرلمانات غربية ولكنها لا تحرك ساكنا نتيجة تفضيل تلك الدول لمصالحها الاقتصادية على مبادئها الحقوقية.
وأسهب التقرير في ذكر الانتهاكات الحقوقية التي يواجهها المعتقلون أدت إلى تعرض بعضهم إلى جروح نتيجة الأغلال والقيود وظروف زنازين السجن التي لا ينطبق عليها أي معايير إنسانية أو فنية. وأشار التقرير إلى منع محمد الركن من الاتصال بعائلته بهدف عزله عن العالم الخارجي، ومنع طارق القطان من تلقي العلاج المناسب وإبقائه مكبل اليدين والقدمين أثناء تلقي العلاج ونقله للمستشفى.
أوقفوا التعذيب في الإمارات
كانت هذه الجملة نداء ملحا وصرخة قوية لوقف التعذيب بالإمارات من جانب المنظمة الحقوقية بعد أن تناهى إلى مسامعها شهادات متواترة حول عمليات تعذيب منظمة تقع على المعتقلين. وضرب التقرير مثلا على حالات التعذيب بال”94″ ومعتقلين مقيمين عربا آخرين ليبيين ومصريين وفلسطينيين.
وتحدث التقرير عن الإيقاف التحفظي الذي أخضع جهاز أمن الدولة العديد من الإماراتيين له رغم تبرئتهم قضائيا، إذ لا يزال يحتجز يوسف عبيد الزعابي كمثال على ذلك. وأحصى التقرير أيضا حالات الاختفاء القسري التي يتعرض لها الإماراتيون والخليجيون، مثل أحمد محمد عبد الرحمن الملا (إماراتي)، وخالد العجمي (كويتي) وعامر الشوا (فلسطيني)، وآخرون قطريون. وأحدث هذه الحالات اختطاف شقيقات معتقل الرأي عيسى السويدي الثلاث منذ ما يقارب مئة يوم.
العقوبات الجماعية
الانتقاصات الحقوقية المزرية في الإمارات استهدفت أيضا عائلات المعتقلين و الناشطين سواء الذين يعيشون في الإمارات أو الناشطين الذين تمكنوا من النجاة من سطوة أجهزة الأمن. وتطرق التقرير إلى عائشة حسين الجابري التي منعتها “جهات عليا” من دخول الجامعة. وتتعرض أمهات وزوجات وعائلات المعتقلين عموما من التضييق المستمر أثناء كل زيارة يقومون بها لذويهم في معتقلات أبوظبي، كإلغاء الزيارة أو تقصير وقتها. وذكر التقرير بالاسم والدة المعتقل خالد الشيبة التي تجاوزت الثمانين من عمرها، وابنة المعتقل فؤاد الحمادي التي تعاني من “السكري”.
قانون الإرهاب الإماراتي
نددت المنظمة الدولية للعدالة وحقوق الإنسان بقانون الإرهاب الذي يمكن أن يعرض أي مواطن إماراتي للاعتقال والمحاكمة إن استخدم حقه في التعبير عن رأي على نحو تعتبره السلطات الأمنية تهديدا “إرهابيا”. كما استخدم جهاز الأمن هذا القانون لبث الرعب والخوف في قلوب عائلات الناشطين والمعتقلين، معتبرا أن أم الناشط أو أباه أو زوجته أو ابنه شريكا في “جريمة إرهابية” إن لم يقم بالإبلاغ عن ذويه كونه في نظر ذلك القانون “متسترا” عليه.
الصورة الكاملة لحقوق المرأة في الإمارات
تدأب وسائل إعلام الإمارات ومسؤوليها على تسليط الضوء على حالات فردية تسوق بها نفسها على أن المرأة الإماراتية قد نالت حقوقها، متجاهلة أن المرأة الإماراتية لا تزال تعاني التمييز وتعاني القمع والاضطهاد والحرمان من حقوقها بصفة عامة. فعلى سبيل المثال، لا تُمنح للمرأة الإماراتية حقها في الانتخاب والترشح للمجلس الوطني إذا لم يقع عليها اختيار حاكم الإمارة التي تعيش فيها لتقوم بذلك. وتواجه المرأة التنكيل والمنع من السفر وتجديد الجواز وتلقي العلاج في الخارج، والأمثلة على تلك الحالات باتت من نافلة الأمثلة المثبتة.
ونوه التقرير إلى في عدة مواضع إلى حرمان عائشة الجابري، واستطرد التقرير في وصف “التمييز” الذي تعرضت له بنات المعتقلين، وتمثل بحرمانهم من حقهن بالتعليم وبالمنحة رغم أنهن من المتميزات في تعليمهن، وحرمان إحداهن من دراسة تخصص الكيمياء النووية رغم حاجة الدولة إلى كوادر مواطنة في هذا المجال تحديدا.
الرقابة على حرية التعبير
زادت السلطات الإماراتية عام 2014 من الرقابة على حرية التعبير وقيدت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومارست رقابة مباشرة على حرية الصحافة والانترنت بصورة كبيرة.
التهجم على المنظمات الحقوقية
وأفرد تقرير المنظمة مساحة للحديث عن الهجوم الإعلامي والانتقاد الذي تمارسه أجهزة الأمن الإماراتية ووسائل إعلام محسوبة عليها ضد منظمات حقوق الإنسان لأنها تسلط الضوء على هذه الحالة الحقوقية الإماراتية.
توصيات التقرير الحقوقي
اختتم التقرير الحقوقي بجملة من التوصيات لا بد أن تراعيها دولة الإمارات في سجلها الحقوقي. فقد طالبت المنظمة بالإفراج الفوري عن جميع سجناء الرأي بدون قيد أو شرط، وإيقاف التعذيب والتعسف بحق السجناء والناشطين وعائلاتهم. وطالبت المنظمة بإجراء تحقيق فوري ونزيه لكل التقارير الواردة بشأن تعرض المعتقلين للتعذيب. كما طالبت المنظمة دولة الإمارات المصادقة على الاتفاقية الدولية للحماية من الاختفاء القسري، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.