كيف راهنت إيران على علي سالم البيض قبل أن تدفع بالحوثيين في محاولتها لسحب اليمن من السعودية؟
بعد حرب الانفصال التي انتهت في العام الذب بدأت فيه، 1994، اضطر علي سالم البيض، آخر رئيس للدولة اليمنية الجنوبية وأول نائب لرئيس اليمن الموحد، للرحيل قسرا إثر خسارته الحرب، إلى سلطنة عمان المجاورة، التي منحته اللجوء السياسي ثم الجنسية بشروط تتضمن عدم قيامه بأي نشاط سياسي، وفقا لمتابعين.
خلال العقدين الأخيرين، اعتمد الرجل سياسة التقارب مع أطراف إقليمية من خارج المظلة التي تمتع بها غريمه علي عبدالله صالح. فكان أن نسج البيض علاقة “عميقة” مع إيران عبر وسطاء أمنيين، بعد اندثار الحليف الأبرز، الاتحاد السوفيتي.
ووفقا لتقارير، فإنه منذ بداية العام 1991، وهو العام الأول للوحدة اليمنية، كان البض قد أرسل مبعوثا جنوبيا من جهاز الأمن السياسي إلى طهران للتعارف وبناء الثقة، وهي عملية استغرقت ثلاثة أعوام متتالية من الزيارات المتبادلة، التي نشطت وبنجاح لم تكن تتوقعه مخابرات الرئيس صالح، لكنها لم تكن تحركات ذات ثقل إستراتيجي، كما يرى مراقبون.
وفي الوقت الذي فتح فيه البيض قنوات مستقلة عن صنعاء للتواصل مع الخارج، كان الرئيس صالح ينفذ مخططاً لإمداد قواته في الجنوب وزيادة أعدادها بشكل سري وتدريجي، حيث وصل “لواء العمالقة”، وفقا لمصادر، من 4 كتائب إلى 14 كتيبة معززة.
ووفقا لما كتب أحد المتابعين، فإن التواصل بين علي سالم والقيادة الإيرانية استمر طوال سنوات إقامته في مسقط، وإن بشكل أقل كثافة مقارنة بأيام حكمه إلى جانب صالح في صنعاء.
فالدافع الإيراني، وفقا للكاتب نفسه، كان دوما محاولة اللعب على تحالفات إقليمية تضمن تقليم الأظافر الخارجية للنظام العراقي بقيادة صدام حسين بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية. وبما أن صالح كان حليفا وصديقا لبغداد، كان البيض أقرب الممرات للخوض في تناقضات الساحة اليمنية، إلا أن ثقله في الميزان الإيراني تراجع بعد لجوئه لعمان، في مقابل برودة أبدتها طهران في التعاطي مع الملف اليمني منذ ذلك التاريخ، وفقا للكاتب نفسه.
قبل ست سنوات وفي ذكرى الوحدة بين شطري اليمن، أبلغ علي سالم البيض الإيرانيين بأنه سينتقل إلى أوروبا، كما أورد الكاتب، حينها كان علي عبدالله صالح قد أضحى “خصما” لإيران بعد خوضه 6 حروب ضد أصدقاء طهران من الحوثيين.
وفي مايو 2009، توجه البيض إلى فيينا وأعلن نيته السعي لفك الارتباط بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، مطالبا الدول العربية والعالم بتأييد مطالبه، ومعلناً في الوقت ذاته تحالفه مع مكونات الحراك الجنوبي كافة.
وبهذا أحيا الرجل فكرة إيرانية بدأت مع مؤسس حركة “أنصار الله” حسين بدر الدين الحوثي، وفقا للكاتب، تقضي بتشكيل طوق يمتد من صعدة إلى عدن لإذابة نظام صالح وسحب اليمن من الصندوق السعودي.
ورأى الكاتب أن الود المتعاظم بين “الحراك الجنوبي” وتيار البيض تقاطع بشكل واضح مع “الرؤية” الإيرانية في اليمن مع بدايات إرهاصات الثورة اليمنية. فالمسافة التي أبقاها الحراك من الحوثيين و”تجمع الإصلاح” في الشمال، في موازاة تنامي الاحتجاجات في الشارع، أوجدت واقعاً يمكن البناء عليه لتسديد ضربة قاضية لنظام الرئيس حينها علي عبد الله صالح المدعوم “خليجيا”، باستثناء قطر، وأفرز هذا الواقع دعماً شبه مفتوح من قبل الإيرانيين لمكونات الحراك الجنوبي، وبالتحديد للزعيم الجنوبي علي سالم البيض، الذي آثر دوماً أن يُذكر إلى جانب الحراك في البيانات والتحركات لا أن يذوب فيه، وفقا للكاتب.
وخلال السنوات الخمس الماضية، يقول الكاتب، شهدت العلاقات بين البيض وطهران تطوراً قياسياً تمثل بحصوله على تمويل شهري لمكتبه السياسي في العاصمة اللبنانية بيروت، بموازاة تمويل طهران من خلال “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية” لقناة “عدن لايف”، التي انطلقت وبثت من بيروت طيلة السنوات الماضية، ومثلت الدعاية السياسية للبيض وللحراك الجنوبي، الداعية لانفصال الجنوب وفك الارتباط مع صنعاء.
ويقول الكاتب إن سنوات الحراك الشعبي ضد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لم تشهد أي صدام على المستوى السياسي بين الحوثيين والحراك الجنوبي أو البيض، خاصة وأن الأخير حافظ على قنوات اتصال دائمة بـ”أنصار الله”، بالتحديد في المرحلة التي تلت المبادرة الخليجية وخروج صالح من الحكم. وربما كان لاختيار عبدربه منصور هادي رئيساً دور في تعزيز هذا التعاون أو التواصل.
فهادي شخصية جنوبية طرحها الخليجيون وهو من الشخصيات التي يتهمها البيض بالوقوف إلى جانب علي عبد الله صالح في الحرب الأهلية اليمنية العام 1994.
ثم جاءت سيطرة المتمردين الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 لتحدث تغييرا مثيرا خلط الأوراق. فالحوثيون تحولوا بين ليلة وضحاها إلى حكام لصنعاء، وبالتالي باتوا الطرف المتلقف لمطالب الانفصال. وفي خضم الأحداث وتسارعها، وانقلاب الحوثيين على الرئيس والمكونات السياسية الأخرى، بات علي سالم البيض أمام واقع تصادمت فيه طموحاته السياسية بتحالفاته الداخلية والإقليمية.
وربما ساهم الإصرار الإيراني على موقف واضح من “عاصفة الحزم” في انعطافته السياسية الأخيرة، كما يرى الكاتب. فالرجل، وبعد أيام قليلة من الصراع العسكري، أيقن أن “اللجان الشعبية” التابعة لهادي قد تعثرت عسكر
يا، وأن الحراك الجنوبي بات المكون الأساس للميليشيات الشعبية التي تحارب الجيش والحوثيين في عدن بالتحديد.
وأمام هذا الواقع، كما يقول الكاتب، وجد نفسه صاحب الفرصة الأكبر في اقتناص النقاط. فالمنافس الجنوبي صاحب الشرعية لم يعد موجوداً على الأرض، فيما القيادات الشابة للمحاور قد تتحول مع مرور الزمن إلى أسماء لامعة يمكن الركون اليها في تفاوض ما بعد المعركة. وقبل أن يسحب البساط من تحت أقدامه، أشهر البيض انفضاضه عن التحالف مع إيران معلنا تأييده لعاصفة الحزم بقيادة السعودية.
وعلى هذا، كما يذكر الكاتب، أوقف التمويل الإيراني لمكتبه في بيروت في وقت سبق “عاصفة الحزم” في أعقاب بعض البيانات التي وصفتها أوساط إيرانية بـ”غير الواضحة”، صدرت عن الرئيس الجنوبي السابق ثم نفيت في وقت لاحق. وفي أحدث صور الاختلاف، أوقفت قناة “عدن لايف” عن العمل في بيروت وسرّح طاقمها، فيما استعاد البيض بثها من خارج لبنان، مع تغيير جذري في خطابها السياسي بشكل مطابق للقنوات العربية الخليجية. وترافق الأمر مع حراك سياسي في فنادق القاهرة وفيينا لقيادات جنوبية منفية.