“في الوقت الحاضر، يتمتع السيسي بشراكة قوية مع كل من السعودية وروسيا، لكن إذا تحسنت العلاقات بين القاهرة وموسكو أكثر من ذلك، سيكون من الصعب احتفاظ مصر بتحالفها مع السعودية”..
“بما أن روسيا موالية لإيران ومعادية للسعودية، سيتعين على مصر الاختيار قريبا: إما الروس أو السعوديين، وقد تؤدي هذه الخطوة إلى دفع مصر بعيدا عن السعودية، وجذبها نحو المعسكر الإيراني”.
هكذا قالت مجلة “ذا ترومبيت” الأمريكية في مقال للكاتب “جيرمياه جاكوز” تحت عنوان “هل تدفع روسيا لتباعد مصر عن السعودية؟” اليوم الأحد.
فيما يلي نص المقال:
أدى الصراع اليمني إلى تعزيز الشراكة بين مصر والمملكة العربية السعودية لمقاتلة عدو مشترك: الحوثيين.
الحوثيون هم جماعة شيعية متطرفة مدعومة من جانب إيران، يفرضون السيطرة على اليمن منذ يناير الماضي في أعقاب الإطاحة بالرئيس السني عبدربه منصور هادي، فيما تعمل السعودية ومصر وتركيا والدول السنية الأخرى لدحر الحوثيين من اليمن، وحظيت الحملة التي تقودها السعودية ضدهم على دعم الولايات المتحدة الأمريكية (والاتحاد الأوروبي الذي تقوده ألمانيا بشكل غير مباشر).
لكن “ذا ترومبيت” تعتقد أن هناك إسفينا سوف يباعد بين مصر والسعودية، ويضع القاهرة كصديق لإيران.
هل تكون روسيا هذا الإسفين؟
لا يخفى على أحد أن روسيا تنحاز إلى إيران في الصراع اليمني وفي العديد من القضايا الشرق الأوسطية أيضا، حيث يتشارك ملالي إيران هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء عصر الهيمنة الأمريكية، ويحرص الجانبان على التعاون للوصول لهذا الغرض كلما أمكن، وتقف موسكو وطهران معا في عرض الدعم الحازم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، إذ أن سوريا تحت حكم الأسد هي الحليف الأكثر قيمة في المنطقة لكل من إيران وروسيا.
تدرك المملكة العربية السعودية – حليفة الولايات المتحدة، والعدو الإقليمي الرئيسي لإيران – أن التدخل الروسي في المنطقة موالي لإيران، وترفض ذلك بشدة، حيث قال وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل في مارس: “بوتين يتحدث عن المشاكل في الشرق الأوسط كما لو أن روسيا لا تؤثر على هذه المشاكل”.
وكذلك تزدهر العلاقات الروسية مع مصر، إذ تعود بداية هذه العلاقة إلى العقد 1500، عندما قدم قياصرة روسيا الدعم للمسيحيين المصريين، واستمرت هذه العلاقة خلال الحقبة السوفيتية عندما قدمت موسكو الدعم الحيوي للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.
وتعرضت العلاقات للفتور تحت حكم الرئيسين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك، عندما ابتعدت القاهرة عن موسكو لصالح اتخاذ موقفا أكثر ولاء لأمريكا، لكن مصر الآن تحت حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي تحتضن روسيا من جديد.
قاطعت الولايات المتحدة السيسي بعد أن صعد للرئاسة من خلال عزل أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد محمد مرسي، ووصفت واشنطن العزل بأنه انقلاب، وعلقت ثلث مساعداتها العسكرية لمصر، بجانب حجب تسليم بعض الأسلحة لمصر، وهذا دفع السيسي للبحث عن حلفاء آخرين، بمن فيهم روسيا.
وبينما قطعت السياسة الخارجية الأمريكية المتخبطة بعض الدعم للسيسي، اقترب بوتين من نظيره المصري القوي، ففي فبراير الماضي، زار بوتين القاهرة، حيث كانت المرة الثانية التي تستقبل فيها مصر قائدا سوفيتيا أو روسيا منذ 50 عاما، فيما وصفت إحدى الصحف القومية المصرية الرائدة بوتين في صفحتها الأولى بأنه: “بطل هذا الزمان”.
وخلال الزيارة، أعطى بوتين للسيسي بندقية من طراز كلاشينكوف “إيه كيه 47” الشهيرة، وهي الهدية التي يعتقد المحللون بأنها ترمز إلى رغبة روسيا في ملء فراغ التسليح الذي تركته الولايات المتحدة، كما كشف بوتين عن خطط للمساعدة في دعم الصناعة النووية في مصر.
وعلقت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية على النفوذ الروسي على مصر بالقول: “تحت قيادة السيسي، أصبحت مصر قريبة من موسكو بشكل متزايد، وانحرفت بعيدا عن واشنطن.. وأصبحت السعودية داعما ماليا رئيسيا لمصر في السنوات الأخيرة، ويقترح البعض أن دعم السيسي الجامح للعمل العسكري في اليمن ينبع من الإحساس بالمديونية، لكن السعودية ليست حليفة لمصر وحدها، وربما لن يتخلى السيسي عن علاقاته مع بوتين”.
تؤكد الصداقة الحميمة بين بوتين والسيسي حقيقة أن كلا منهما رجلان قويان يقمعان معارضيهما، وبما أن بوتين يقاتل التمرد الإسلامي في الشيشان، فإنه يتعاطف مع معركة السيسي الحالية ضد الإسلاميين المصريين.
في الوقت الحاضر، يبدو أن السيسي يحافظ على صداقة مصر مع كل من المملكة العربية السعودية وروسيا، لكن إذا استمرت الروابط بين القاهرة وموسكو نحو المزيد من الدفء، من الصعب أن تظل مصر متراصة مع السعودية، وبما أن روسيا موالية لإيران ومعادية للسعودية، من المرجح أن مصر سيتعين عليها قريبا اختيار إما الروس أو السعوديين.
خلال العام الماضي، أدى خط الصدع السياسي إلى انقسام روسيا وأوربا بعمق، وإذا تواصل الانجذاب الروسي – المصري، فإن ذلك يعني أن خط الصدع سيقسم أيضا السعودية ومصر، ويساهم ميل أمريكا لخيانة حلفائها في حدوث ذلك، وقد تؤدي هذه الخطوة إلى دفع مصر بعيدا عن السعودية، وجذبها نحو المعسكر الإيراني.