أخفقت الزيارة السريعة التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السعودية في مطلع الأسبوع الماضي، والتي استغرقت 3ساعات في تبديد حالة الشك التي سيطرت على العلاقات المصرية ـ السعودية منذ وصول العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للحكم، على الرغم الطابع البروتوكولي الذي حكم الزيارة التي كانت مخصصة لتهنئة ولي العد السعودي الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمنصبيهما وفق ما جاء في موقع (المصريون).
إلا أن قصر أمد الزيارة، واستمرار إهالة الإعلام المصري التراب على عملية “إعادة الأمل” في اليمن، وصدور إشارات من مقربين من دائرة صنع القرار السعودي تحذر الملك سلمان من مجمل المواقف المصرية، وإثارة الشكوك حول عدم نسيان مصر ما جرى من صراع مع السعودية واليمن في الستينيات طفا على سطح الخلافات بين البلدين.
وتصاعدت الخلافات حول الملف اليمني؛ -حسب الموقع٠ إذ لايزال موقف مصر غامضًا من الصراع الدائر في اليمن بين الرئيس عبدربه منصور هادي ووحدات الجيش الموالية له والمقاومة الشعبية من جهة، وبين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من جهة أخرى. إذ مصر القاهرة مواقف متحفظة وترفض التورط في حرب برية ولو محدودة في اليمن، على الرغم من اقتراب الحوثيين من السيطرة على عدن وشنهم قصفًا على مدن نجران وجيزان السعوديتين الحدوديتين مع اليمن، مع ذلك لم تتخذ القاهرة مواقف واضحة تجاه دعم الرياض في مساعيها للإجهاز على خصومها في الساحة اليمنية.
وجاء موقف القاهرة الباهت تجاه مطالبة الرئيس اليمني لمجلس الأمن للتدخل وإرسال قوات لليمن لإنقاذه من أن يقع في أيدي الحوثيين، ليضفي مزيدًا من الغموض حول رؤيتها للصراع منذ بدايته في 21سبتمبر الماضي، ففي الوقت الذي تعلن وبشكل رسمي دعمها لعملية “إعادة الأمل”، تصدر إشارات عن مقربين من دوائر الحكم في مصر، تؤكد أن القاهرة تسعى للعب دور الوسيط في الصراع الدائر باليمن، ما أثار انزعاجًا شديدًا لدى الرياض.
فضلاً عن انتقادات الإعلام المصري للمملكة، والإشارة إلى تحذير الرئيس عبدالفتاح السيسي للعاهل السعودي من عواقب وخيمة حال استمرار دعمه لقوات المعارضة السورية، ومجمل المواقف من الأزمة السورية، خصوصًا بعد سقوط إدلب، التي عزز سقوطها التوجه السعودي الرامي لدعم محاولات إسقاط نظام بشار الأسد بكل قوة. ولا تتوقف الخلافات بين القاهرة والرياض عند هذا الحد، فالتقارب والتنسيق الكامل بين القيادة السعودية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتقارير التي تؤكد وصول هذه العلاقات إلى التطابق التام فيما يتعلق بالملفين اليمني والسوري، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين والاستثمارات السعودية في تركيا، أثار انزعاجًا كبيرًا في القاهرة، وأثر بالسلب على علاقاتها مع الرياض، خصوصًا أن أنقرة ربطت بين إعادة العلاقات مع القاهرة وإعادة دمج جماعة “الإخوان المسلمين” وحلفائها في المشهد السياسي ردًا على جهود بذلتها السعودية لتطبيع العلاقات بين البلدين.
ويقول موقع (المصريون) إن الخلافات أخذت شكلاً أكثر عمقًا بعد رفع الرياض جميع القيود التى كانت مفروضة على الشخصيات المحسوبة على جماعة “الإخوان”، ومنها الشيخ سلمان فهد العودة والدكتور العريفي والشيخ عائض القرني، وتسهيل مهام المصريين المحسوبين على الجماعة في دوائر العمل السعودية، ووقف التعامل بالقرار الصادر إبان حكم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز باعتبار “الإخوان” جماعة إرهابية.
وتضع هذه الخلافات علاقات البلدين أمام جميع الخيارات، لاسيما أن كل الإشارات الصادرة من الرياض تؤكد عزمها الاستمرار في الملف اليمني إلى آخر الشوط وسعيها لاستئصال شأفة الحوثيين وأنصار صالح، وعدم القبول بأقل من الشروط التي وضعتها السعودية للقبول بوقف إطلاق النار، الذي يختلف عن الهدنة الإنسانية التي تدفع الرياض باتجاهها حرصًا على أمن وسلامة المدنيين اليمنيين. غير أن الحديث عن أزمة في العلاقات المصرية –السعودية يقابل بتشكيك من قبل خبراء للعلاقات الدولية يؤكدون أن التوتر بين الجانبين لايوجد إلا في خيال الإعلام فقط في ظل الطابع الاستراتيجي الذي تتسم به العلاقات بين البلدين وعدم قدرتهما على الاستغناء عن بعضهما البعض.
ووصف الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، العلاقات المصرية – السعودية بأنها “طبيعية وجيدة وإن كان الأمر لا يخلو من خلافات حول بعض الملفات إلا أنها تبقي مقتصرة على الصعيد التكتيكي وليس الاستراتيجية”.
وتابع فهمي: “لا يجب أن يعول أحد على خلافات قوية بين القاهرة والرياض في ظل مشاركة مصر في عملية “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل” ووجود تعاون عسكري وسياسي بين البدين”، منبهًا إلى أن الزيارة التي قام بها الرئيس السيسي للرياض تأكيد على قوة ومتانة هذه العلاقات. وأقر بوجود رؤية سعودية مختلفة عن مواقف القاهرة في بعض الملفات مثل الموقف في سوريا وتعامل الحكم الجديد في الرياض مع جماعات الإسلام السياسي، فالرياض لا ترغب في وجود جفوة بينها وبين الحركات الإسلامية، لاسيما أن المواجهة الممتدة مع طهران قد تجعلها بحاجة لهذا التيار، وفي ظل سيناريوهات تواجه المنطقة تتطلب الحفاظ على كل الأوراق والاستعداد لكل الخيارات.