قال تقرير استخباراتي أمريكي إن عمليات تحالف “عاصفة الحزم” الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد ميليشيات الحوثيين قي اليمن، تسببت في صداع لوجستي لقوات الحوثي والرئيس المخلوع على عبدالله صالح.
ورصد التقرير الصادر عن مركز “ستراتفور” الاستراتيجي في واشنطن، ما اعتبره تحولات طرأت على الحملة العسكرية التي تقودها الرياض، تحمل في طياتها بصمات وتكتيكات الإستراتيجية السعودية؛ ذلك أن التفاعل بين العمليات المتتالية في الحملة العسكرية، والجهود المبذولة لإيجاد حل تفاوضي للأزمة، تدفع باتجاه التركيز على تحوُّل ما، وليس نهاية فعلية للعمليات العسكرية.
” وهذا نص تقرير “ستراتفور” عن مجريات الحرب في اليمن
يرجع التباين في تفسير البيان الذي أصدره مسئولون سعوديون يوم 21 أبريل، في الغالب، إلى الإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم في منتصف الليل. رغم صحة ذلك، إلا أن البيان أوضح أيضًا أن عملية “إعادة الأمل” ستتبع “عاصفة الحزم”.
وبدلا من التحول الكامل من العمليات العسكرية إلى الجهود الإنسانية والدبلوماسية السلمية، فإن الفارق الدقيق الذي يحمله وصف “إعادة الأمل” يشير إلى استمرار العمليات العسكرية، بموازاة خلق مساحة لحل تفاوضي طويل الأجل. هذا الانتقال من عملية إلى أخرى، في إطار الحملة العسكرية ذاتها، يشبه الانتقال من عملية “درع الصحراء” إلى عملية “عاصفة الصحراء” أثناء حرب الخليج، أو ما بين العمليات المختلفة (عملية هاسكي، عملية أفالنش، عملية أوفرلورد، إلخ) التي مكنت حملة الحلفاء من استعادة أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.
بالنسبة للسعودية وحلفائها، لا يمكن التوصل إلى حل طويل الأجل إلا عن طريق تسوية تفاوضية؛ نظرا إلى أن الجميع لا يريدون التورط في عملية نشر قوات برية مكلفة في اليمن، قد يكون نجاحها بعيد المنال، ولا تصلح كبداية. بل حدثت بعض المفاوضات مع الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح عبر القنوات الخلفية.
لكن لم تُبرَم اتفاقات رسمية، رغم الشائعات التي تفيد بعكس ذلك. ويشير البيان، الذي تحدث عن أن جهودًا محددة سوف تبذل لتحقيق تسوية تفاوضية خلال العملية التالية، إلى أن السعوديين يشعرون بأنهم وصلوا إلى نقطة عسكرية يمكنهم الانطلاق منها للتركيز على المفاوضات. وبإثخان الطرف الآخر، ومنعه من تحقيق أهدافه، اكتسبت الرياض نفوذا لم تُظهِر أنها تمتلكه من قبل.
أما الإطار الحالي للحلول الدبلوماسية فهو اعتماد قرار مجلس الأمن الأممي رقم 2261. ويمثل التعاون الدولي في مجال تقديم المساعدات الإنسانية لسكان اليمن العنصر غير العسكري الذي يُلحَق بعمليات التحالف. ومع ذلك، فإن الحوثيين والقوات المتحالفة مع صالح لا تُظهِر، حتى الآن، أي إشارات على النظر في وقف الأعمال العدائية، ناهيك عن الانسحاب من المناطق التي احتلتها.
بينما يستمر كلا الجانبين في التموضع استعدادا للمفاوضات، خاصة بعد لجوء السعوديين إلى الدبلوماسية. ورغم أن العمليات الجوية التي تقودها السعودية لم تجبر مقاتلي الحوثيين والمتحالفين مع صالح على ترك مواقعهم، فإن الحملة كسرت زخم مواقفهم الهجومية، بينما حافظت على مواقع القوات البرية المتحالفة (مع العمليات).
حيث يُعَقِّد مقاتلو الحراك الجنوبي عمليات الحوثيين في مدينة عدن الساحلية، سواء بتصاعد المقاومة الشرسة في المدينة، أو عن طريق تعطيل خطوط الإمداد. كما استعادوا أيضًا المناطق الرئيسية، ودمروا الجسور الحيوية التي تربط بين شمال اليمن وجنوبه، ما تسبب في صداع لوجستي لقوات الحوثي وصالح.
وتمثل فعالية الحملة الجوية مجرد خطوة أولى على درب النجاح؛ ذلك أن إزاحة الحوثيين وقوات صالح سوف تتطلب عمليات مستمرة، في سياق الحملة الأوسع نطاقا التي سوف تشمل أيضا العمل مع القوات البرية اليمنية المحلية، حينما تكون قادرة على ذلك.
كما أن التمييز بين وقف هجوم العدو وتعويق قوة العدو القتالية قبل تمكين الهجوم المضاد يُفَسِّر سوء الفهم الناتج عن البيان السعودي الرسمي بشأن انتهاء عاصفة الحزم. حيث يتضمن النموذج الأمريكي لكيفية شن حملة جوية- وهو النموذج ذاته الذي تدرب عليه قادة سلاح الجو السعودي الحاليين- سلسلة من المراحل، مع التركيز الواضح على توزيع الأصول.
هذا يعني: (1) البدء بالقضاء على دفاعات وقوات العدو الجوية، من أجل ضمان التفوق الجوي. (2) ثانيًا، شن هجمات برية تستهدف منظومات الأسلحة الإستراتيجية والبنية التحتية للقيادة والسيطرة؛ بما يؤدي إلى تراجع التهديد الذي يشكله الخصم. (3) بالتوازي مع ذلك، شن ضربات عميقة ضد البنية التحتية اللوجستية، بما يعترض حركة العدو، ويقلل من قدراته القتالية. وانطلاقًا من الهدف السياسي للعملية، يمكن لهذه الغارات أن تؤدي في نهاية المطاف إلى استهداف التشكيلات العسكرية التكتيكية، وتوفير دعم جوي وثيق للعمليات البرية المتحالفة معها. وصف البعض العمليات الجوية السعودية بأنها فاشلة؛ لأنها لم تكن قادرة على استعادة الأراضي من الحوثيين والمقاتلين المتحالفين مع صالح. والتفسيرات الخاطئة للبيان الرسمي الصادر بتاريخ 21 أبريل لم يساعد في هذا الصدد.
صحيح أن دحر قوى المعارضة من الأراضي التي احتلتها هو بالتأكيد غاية مرجوة، لكن العمليات الجوية السعودية حققت فقط النجاح الأولي في هذا الاتجاه. ومع ذلك، فإن إدراك مفهوم الحملات الجوية السعودية
يجعل تلك النجاحات أكثر وضوحًا: (1) ففي البدء استهدفت قوات التحالف الجوية الدفاعات الجوية وسلاح الجو اليمني، لضمان التفوق الجوي. (2) ثم جاء دور الغارات الجوية على أنظمة الصواريخ الباليستية، وتجمعات المعدات العسكرية أو الذخائر في جميع أنحاء البلاد. (3) بموازاة ذلك، بدأت الغارات الجوية السعودية تشتد وطأتها بالفعل على هجمات الحوثيين وصالح وصولا لوقفها باستهداف خدماتها اللوجستية، فضلا عن وحداتها على الخط الأمامي. هذه الإجراءات وضعت الحوثيين وصالح في وضع لم يعد يمكنهم فيه توقع إحراز نصر كامل على: (1) القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، (2) والحراك الجنوبي، (3) وتشكيلة متنوعة من الميليشيات القبلية، من بينها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العرب.
والآن، يمكن للمملكة العربية السعودية وحلفائها أن يتوصلوا إلى نتيجة إيجابية عبر المفاوضات، رغم أن الحاجة للعمليات العسكرية قد تكون لا تزال قائمة. ومع استمرار الحرب على الأرض، سوف تحاول العمليات الجوية التي تقودها السعودية التأثير على الصراع من خلال منع حركة الحوثيين والقوات المتحالفة مع صالح، وسوف تسعى لتقديم الدعم الجوي الوثيق للقوات المعارِضة. وسوف تضمن مثل هذه العمليات ألا يتحول الصراع في الاتجاه الآخر مرة أخرى، كما ستعزز الموقف التفاوضي الذي ضمنه هادي والسعوديين.