في الأول من مايو، وبعد يومين من إجراء تغييرات جذرية في نظام الخلافة الملكي والمناصب الحكومية العليا في المملكة العربية السعودية، أعلنت الرياض عن إعادة هيكلة إدارة شركة النفط “أرامكو السعودية” التي تملكها الدولة.
وكما هو الحال في التغييرات السابقة، كان الابن المفضل للملك سلمان، الأمير محمد، من أكبر المستفيدين من هذا الإعلان الأخير.
والأمير محمد، هو في الثلاثينات من عمره ويشغل منصب وزير الدفاع وولي ولي العهد كما تم تعيينه رئيساً لـ”المجلس الأعلى” الجديد لشركة “أرامكو السعودية” الذي يتألف من عشرة أعضاء.
وسيُتيح هذا المنصب أمام الأمير إمكانية المشاركة بشكلٍ جوهري في السياسة النفطية السعودية في المستقبل، على الرغم من أن مؤهلاته لهذا الدور ضعيفة جداً في أحسن الأحوال.
وحتى الآن، تقع على شركة “أرامكو السعودية” مسؤولية التنقيب عن النفط وإنتاجه وتسويقه، في حين تعني وزارة النفط (المعروفة رسمياً باسم وزارة البترول والثروة المعدنية) بشؤون السياسة.
وكان “المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن”، الذي هو الهيئة الشاملة الأكبر، يلعب في السابق دوراً غامضاً في عملية صناعة القرار، ولكن الملك سلمان قام بإلغائه فور توليه الحكم في يناير.
وعلى الرغم من أن وزارة النفط وشركة “أرامكو السعودية” هما عبارة عن كيانين منفصلين، إلا أنهما عملا لسنوات في تناسق واضح، كما ظهر ذلك جلياً في الدور الذي لعبه علي النعيمي -المخضرم البالغ من العمر تسعة وسبعون عاماً- الذي كان يشغل منصبي وزير النفط ورئيس مجلس إدارة شركة “أرامكو السعودية” حتى الأسبوع الماضي. إلا أنه خسر المنصب الأخير -الذي هو عبارة عن رئاسة فخرية أساساً- في الأسبوع الماضي لصالح مخضرم آخر في الشركة هو خالد الفالح.
وبالتالي، يمكن لهذا التغيير أن يعجّل من تقاعد النعيمي الذي طال انتظاره من منصبه الوزاري. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يتمكن الأمير محمد بن سلمان من اختيار الوزير المقبل من خلال شغله منصب رئيس “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية”.
ومن بين المرشحين المحتملين أخيه غير الشقيق الأكبر سناً الأمير عبد العزيز، الذي شغل منصب مساعد وزير النفط لفترة طويلة ورقّي إلى منصب نائب وزير عندما أصبح سلمان ملكاً. لكن يُقال إن الأمير محمد بن سلمان لا يحب أخيه، لذا قد يختار شخصاً من خارج العائلة المالكة.
وعلى أي حال، يمكن لخروج النعيمي من اللعبة أن يُحدث تغييرات في سياسة النفط السعودية التي كان يوجهها بحذر، وكانت ناجحة بشكل عام على مدى السنوات العشرين الماضية.
وقد بدا متفاجئاً -مثله مثل أي شخص آخر- بمدى سرعة انخفاض أسعار النفط وحدتها في الإثني عشر شهراً الماضية. وكانت سياسته تقوم على ما يبدو على تحمل انخفاض الأسعار مع الحفاظ على حصة المملكة في السوق، وهو أسلوب أثبت صحته، على الأقل جزئياً، من خلال ارتفاع الأسعار من أدنى مستوى دون 50 دولاراً للبرميل إلى نحو 60 دولاراً في الوقت الحالي.
إلا أن المملكة تحتاج إلى حد أدنى من السعر يبلغ حوالي 100 دولار للبرميل للحفاظ على نهجها الذي تتبعه في الميزانية الحالية على المدى الطويل، وهو سعر يبدو من غير المحتمل أن يتكرر في أي وقت قريب، إلا إذا حدث انهيار في إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري الذي أثبت حتى الآن مرونة مستغربة في وجه انخفاض الأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التوصل إلى اتفاق نووي محتمل مع إيران بقيادة الولايات المتحدة إلى زيادة كمية النفط في السوق، الأمر الذي سيزيد من تراجع الأسعار.
ومن غير المعروف ما هو النهج الذي يتّبعه الأمير محمد بن سلمان في السياسة النفطية، إلا أن سياسات والده في الأشهر الثلاث الماضية تشير إلى توسع في الإنفاق.
فحين تولى الحكم، أمر الملك سلمان بصرف مكافأة بقيمة راتب شهرين لجميع موظفي الحكومة والمتقاعدين. وعلى الرغم من أن سخاءً كهذا ليس بالأمر الغريب بالنسبة لملوك السعودية المتوّجين حديثاً، إلا أن الملك سلمان قام أيضاً -في الأسبوع الماضي فقط- بمنح جميع أفراد الجيش والأمن مكافأة أخرى بقيمة راتب شهر واحد، وذلك على ما يبدو تقديراً لجهودهم في حرب اليمن، مما يشكل بحد ذاته إنفاقاً هائلاً وغير مخطط له.
والأمر الآخر الملفت للنظر أيضاً في الإعلان الذي صدر في الأول من مايو هو استبعاد ولي العهد الأمير محمد بن نايف من “المجلس الأعلى” الجديد. إضافة إلى ذلك، لا يشارك هذا الأخير في “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية”، مما يشير إلى أنه سيلعب دوراً محدوداً في السياسة النفطية، على عكس الأمير محمد بن سلمان، الذي يتولى حالياً مناصب عليا في هيئات صناعة القرار الثلاث الرئيسية في المملكة، بما فيها “مجلس الشؤون السياسية والأمنية” برئاسة الأمير محمد بن نايف.
ومع ذلك، يمكن اعتبار الترتيبات الجديدة مؤشراً آخر على أن الهيكل الحكومي السعودي والهرم السياسي في المملكة في حالة تغيّر مستمر، وأن الأمير محمد بن سلمان يستعد للعب دور أساسي في المستقبل.
سايمون هندرسون / باحث في شؤون الطاقة والخليج بمعهد واشنطن