في ساحة “جامع الفنا الشهيرة” بمدينة مراكش، يتهافت الكثيرون على السياح ذوي البشرة البيضاء، فالموسم السياحي انطلق في الساحة..السياح يتمايلون ويترقبون ويتفرجون، لكن سرعان ما يتحركون سريعا هربا وفزعا من مشهد أفعى تكاد تمسك بتلابيبهم..لكن أساس وجودنا هنا هو البحث عن “الرجال المخنثين” الذين يرقصون بالساحة.
منذ سنوات خلت، وساحة جامع الفنا تشهد عروض رجال يرقصون عند كل مساء، يرتدون أزياء رقص نسائية، ويحشرون أجسادهم المتمايلة في جلابيبهم البراقة، فيما لا تظهر من وجوههم المخفية بلثام أسود سوى عيون متوثبة، ويحوم حولهم جمهور متعطش لمشاهدة حركاتهم الراقصة.
خصر الواحد منهم يتحرك بعنف وسرعة شديدة، حتى يشكل المرء أن يكون الذي يرقص أمامه رجل بالفعل..هكذا يبدو المشهد لأول مرة عندما تحضر عرضا لرجل مخنث يشتغل في الرقص بحلقات جامع الفنا، فالنساء هنا بالساحة ممنوعات من الرقص علانية أمام العموم، بينما لا ينطبق الأمر على الرجل المتنكرين بأزياء نسائية.
يقول يوسف، أحد الرجال الراقصين بالساحة المراكشية المعروفة، إنه يتذكر حضوره لأول مرة إلى الساحة منذ كان صغيرا رفقة والدته، مردفا بأنه “لم يسبق أن سأله شخص عن ميولاته الجنسية، أو هل هو ذكر أم أنثى، أو أنه مثلي الجنس”، قبل أن يخمن بأن “90 بالمائة من الرجال بالمغرب يميلون لنفس الجنس”.
سرنا على الأقدام في أزقة ضيقة للمدينة القديمة بمراكش، وسط حرارة شديدة، فكان “حكيم” أو “مخنث” صادفناه، والمخنث هنا وصف يطلقه المغاربة على الرجال المتحولين، أو الذين لهم هوية جنسية مزدوجة..كان حكيم يسبقنا في الطريق بقبعته الجلدية وسرواله الضيق الذي يكشف عن شكل أردافه.
حكيم، شاب في ريعان شبابه حيث لم يكمل بعد 24 عاما، قادم من آسفي، دعانا إلى الجلوس على أرضية غرفة ضيقة جدا، وبالقرب منه كان يتمدد أنبوب من الحشيش، ويقصد “السبسي”، أي الأداة التي تستعمل لتدخين الكيف، وبجانبه كأس شاي ارتشف الجميع منه جرعات صغيرة.
يعيش حكيم مع عمه، وهو رجل قصير القامة طردته زوجته قبل سنوات بسبب إدمانه على الخمر، فصار الاثنان يعيشان معا في نفس الغرفة البئيسة، وعلى مائدة هذا الشاب الراقص في جامع الفنا، يوجد فستان براق ووردي اللون، وهو من “لوازم” الشغل الذي يقوم به كل مساء بالساحة.
دلف حكيم إلى دولاب عتيق في بيته الضيق، ليخرج منه صورة شاب وسيم، يبدو واقفا إلى جانبه، وفي خلفية الصورة مشهد لبرج إيفل “مزور”، وقال المخنث المغربي بخصوص علاقته العاطفية التي جمعته قبل سنوات مع صديقه “إنه أول حب لي في حياتي، ولا زلت أحتفظ بذكراه إلى اليوم”.
ويتابع حكيم عندما سألنه عن أكبر مأساة في حياته التي باتت محصورة في الرقص مثل النساء كل يوم في ساحة جامع الفنا، مقابل دريهمات معدودات، بأنه يشعر كأنه وُلد في الجسد الخطأ”، وفق تعبيره، قبل ان يبدي أن أغلى أمنية في حياته أن يصبح مثل نور، ويقصد الراقصة المغربية المشهورة التي تحولت من نور الدين إلى نور.
*عن موقع “فيس نيوز” الهولندي
ترجمة بتصرف*: عبد المغيث جبران
(هسبريس)