الحماسة التي أبدتها إدارة الرئيس باراك أوباما لتدريب وتجهيز “المعارضة السورية المعتدلة” خارجة عن المألوف، إذ حسب وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، ستبدأ الولايات المتحدة العمل بالبرنامج، الذي أعلنته العام الماضي، في التاسع عشر من الشهر الحالي، على أن يتخرج 300 مقاتل كل شهر، ما يعني أنه مع نهاية العام، ستكون قوة معارضة مؤلفة من 2100 جندي جاهزة للانخراط في الحرب السورية.
وتأتي الحماسة الأميركية في وقت لم يعلّق فيه وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، أثناء استقباله رئيس الائتلاف السوري المعارض، خالد خوجة الأسبوع الماضي، على مطالب ضيفه بإقامة مناطق آمنة داخل سوريا.
واكتفى كيري بتكرار “نقاط الكلام” الأميركية، التي تتمحور حول حل سياسي عبر حوار مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي غياب أي حديث أميركي عن مهمة القوة المزمع تدريبها في تركيا، يبدو أن أهداف واشنطن خلف التدريب لا تتعلق بتغيير موازين القوى العسكرية على الأرض السورية، فالحكومة الأميركية تعلم أنه حتى القوات الأكثر عديداً والأحسن تدريباً وتسليحاً، مثل البشمركة الكردية والجيش العراقي، تعاني في مواجهاتها مع قوات تنظيم “الدولة الإسلامية”.
كذلك، تعلم أميركا، من تجاربها السابقة، أن “التجهيز” الذي ستزوده للقوة المعارضة المعتدلة لن يوازي قدرات قوات النظام ولا قوات المعارضة الإسلامية، التي لا تستسيغها الولايات المتحدة.
هذا يعني أن هناك سببين رئيسين وراء البرنامج الأميركي، وهما نفس السببين اللذين دفعا “وكالة الاستخبارات الأميركية” (سي آي ايه) للإشراف على برنامج مماثل في الأردن قبل أكثر من سنتين.
السبب الأول، أن أي برنامج تدريبي يعطي الولايات المتحدة فرصة للاحتكاك بمقاتلي المعارضة، وتكوين فكرة عن الفصائل وترتيبها وارتباطها ببعضها البعض.
كما تعطي برامج من هذا النوع الولايات المتحدة فرصة لتحديد “من مع من” بين المعارضين السوريين المقاتلين، ومن يمكن لأميركا الركون إليه، ومن عليها أن تضعه تحت المراقبة الاستخباراتية خوفاً من نشاطات مستقبلية قد يقوم بها ضد مصالح أميركية وغربية.
لذلك، رأينا واشنطن تشرف في الماضي على برنامج “خفيف” من نوعه، فيه تدريبات بسيطة على استخدام السلاح، ويغيب عنه التسليح، فيما اكتفت أميركا بتزويد الثوار الأصدقاء بـ”مساعدات غير فتاكة”، على شكل أجهزة اتصالات ووجبات طعام جاهزة.
السبب الثاني، أنه بسبب الانتصارات العسكرية التي حققتها المعارضة السورية على مدى الأسابيع الماضية، تخشى الولايات المتحدة أن يؤدي انهيار نظام الأسد، ووصول المعارضة المسلحة إلى الحكم، إلى غياب أي أصدقاء لواشنطن من بين المعارضين المسلحين، أي أنه –حسب التعبير الأميركي السائد– تريد واشنطن أن “يكون لها حصان” بين الفصائل السورية المختلفة حتى يكون لديها عيون وآذان، وكذلك كلمة في حقبة ما بعد الأسد.
لهذه المصالح الأميركية الذاتية، سارعت واشنطن إلى إبلاغ المسؤولين الأتراك استعدادها لإعادة تشغيل برنامج “التدريب والتجهيز” المتعثر منذ شهور، فالولايات المتحدة لا تسعى إلى إنشاء قوة عسكرية تساهم في تغيير الوقائع على الأرض، أو تكافح الفصائل التي تصنفها واشنطن عدوة، بل جلّ ما تريده هو أن يكون لديها قوة صديقة بين الثوار إذا ما اكتسح هؤلاء ما تبقى من الأراضي التي يسيطر عليها الأسد وتسلموا زمام الحكم.
موقف واشنطن الفعلي من تسارع الأحداث العسكرية في سوريا، هو ما قاله كيري علناً أمام خوجة: حوار سياسي بين المعارضة والنظام، تليه مرحلة انتقالية وحكومة جامعة لكافة الأطياف السورية. أما بقية التصريحات الأميركية حول التدريب والتجهيز والتسليح، فمجرد كلام بكلام.
واشنطن / حسين. ع