زاد حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من دعمهم للثوار الذين يقاتلون ضد القوات السورية في الأشهر الأخيرة، وهو ما يعكس اتساع الهوة بين إدارة أوباما وشركائها الإقليميين.
ووفقًا لمسؤولين في المنطقة، ارتفع نفاد صبر الشركاء على نحو متزايد تجاه بطء الإدارة الأمريكية في تنفيذ برنامج تدريب وتجهيز قوات المعارضة السورية، وإصرارها على تركيز هؤلاء المقاتلين لمحاربة الدولة الإسلامية. ولتسهيل تحقيق هدفهم الأساسي في إزالة الرئيس بشار الأسد من السلطة؛ فإن هؤلاء الحلفاء يمضون قدمًا في تنفيذ الخطط الخاصة بهم.
وسهَّلَ تسليم كل من المملكة العربية السعودية، وتركيا، وقطر، أسلحة ومساعدات مالية إضافية للثوار، في حدوث التطورات الأخيرة ضد القوات الحكومية شمال غرب سوريا على يد جيش الفتح، وهو مجموعة مظلة تشكلت حديثًا، وتضم جماعات ثائرة مختلفة، بما في ذلك جماعة تابعة لتنظيم القاعدة، وجماعات إسلامية أخرى، جنبًا إلى جنب مع المقاتلين “المعتدلين”.
ويصر المسؤولون الإقليميون على أن هذه المساعدات، بما في ذلك صواريخ TOW أمريكية الصنع، ليست ذاهبة للإسلاميين؛ بل لتمكين الثوار المعتدلين من تعزيز مكانتهم بين مقاتلي المعارضة، بعد سنوات من تفوق الجماعات المتشددة عليهم بالسلاح والتمويل.
وتأتي هذه المبادرة أيضًا في ظل شعور متزايد في المنطقة بأن الولايات المتحدة مشغولة بمفاوضاتها النووية مع إيران وبحربها ضد الدولة الإسلامية في العراق. وفي غضون ذلك، وفقًا لما يقوله مسؤولون وخبراء إقليميون، فشلت إدارة أوباما في التوصل إلى استراتيجية شاملة لمعالجة الشواغل الأكثر إلحاحًا بالنسبة لحلفائها في المنطقة.
ويستند هذا التقرير إلى مقابلات مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية وفي حكومات الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، وقد تحدث معظم هؤلاء المسؤولين شريطة عدم الكشف عن هويتهم؛ لأنه من غير المسموح لهم مناقشة القضايا الحساسة للتحالف.
في وقت مبكر من هذا الشهر، وتحديدًا في اجتماع للتحالف استضافه الأردن، تعرض مسؤولو الإدارة لهجوم من التساؤلات حول قيادة الولايات المتحدة للمجموعة المؤلفة من 60 دولة، وكيف سوف تعالج أمريكا موضوع التوسع العالمي للدولة الإسلامية.
وكان هذا الفراغ في القيادة الأمريكية أكثر حدة في حالة سوريا من أي مكان آخر، وفقًا لما رأته العديد من الدول المعنية. واستجابةً لذلك؛ أنهت المملكة العربية السعودية وتركيا، بمساعدة من قطر، قطيعةً طويلة مؤخرًا لمعالجة الاهتمام المشترك بالمعركة ضد الأسد.
وقد يقوض هذا النهج الجديد ثلاث سنوات من السياسة الأمريكية تجاه سوريا، القائمة على مبدأ تأمين تسوية تفاوضية للحرب؛ عن طريق وضع ما يكفي من الضغط على الأسد كي يشعر بأنه مضطر لتقديم تنازلات، وعدم إعطاء ما يكفي من الدعم للمعارضة؛ بحيث لا تسجل فوزًا صريحًا قد يؤدي إلى الفوضى ويتسبب في المزيد من انهيار سوريا.
ولكن، معظم الجماعات المعتدلة، التي اختارت أن تتلقى دعمًا، قضي عليها أو حجبت من قبل المتطرفين؛ وتعطلت عملية التفاوض التي بدأت منذ سنوات في جنيف.
ومع لعب جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة، دورًا حاسمًا في كثير من الأحيان؛ أطاحت قوات الثوار بجيش الأسد في مدينة إدلب، وفي سلسلة من البلدات والحاميات العسكرية الواقعة على طريقها نحو البحر الأبيض المتوسط غربًا. وجنبًا إلى جنب مع وجود علامات تفكك في بنية قيادة الأسد؛ أدى هذا التقدم للثوار إلى اعتقاد كثيرين بأن الحكومة على وشك السقوط.
ورغم ذلك، يعبر مسؤولون أمريكيون عن شكوكهم في تحقق هذا السيناريو، مشيرين إلى أن ميزان القوى في سوريا تغير مرارًا وتكرارًا طوال الأربع سنوات السابقة من الحرب. وقال مسؤول كبير في الإدارة: “من الواضح أن النظام عانى انتكاسات خطيرة. ولكن هذا الصراع من النوع الذي يتأرجح صعودًا وهبوطًا“.
وأضاف: “قبل بضعة أشهر، اعتبرت القوات الحكومية في تصاعد. وقد يكون الناس الذين يعتقدون الآن بأن (النظام) على وشك الانهيار مخطئين على حد سواء“.
ولكن مساعي حلفاء الولايات المتحدة لزيادة الدعم لقوى المعارضة أثارت دوامة من التكهنات بين خبراء سوريا بأن الإدارة الأمريكية تخاطر بأن تصبح غير ذات صلة بسوريا إذا لم تقم بدورها أو إذا لم تزد من مشاركتها في الحرب هناك على الأقل.
ويعتقد البعض أيضًا بأنه من الصعب ألا تكون الولايات المتحدة مشاركة في ارتفاع دعم المعارضة الجديد. وقال أبي شهبندر، وهو عضو سابق في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية: “تقاد المبادرة من قبل الدول العربية المتحالفة مع تركيا؛ للضغط من أجل حل عسكري حاسم. ولكن، من المرجح أن الولايات المتحدة تلعب دورًا فيها من وراء الكواليس“.
ومن جهة أخرى، يعتقد البعض بأن الشركاء في المنطقة قد قفزوا متقدمين بفارق كبير على سياسة الولايات المتحدة، في محاولة لخلق واقع على الأرض تضطر الإدارة الأمريكية لقبوله ودعمه.
وقال جمال خاشقجي، وهو المعلق السعودي البارز الذي لديه علاقات وثيقة مع النظام الملكي: “إذا زاد الأتراك والقطريون والسعوديون دعمهم للثوار السوريين، فلا أعتقد أن الأمريكيين سيكونون في وضع يمكنهم من قول: أنتم على خطأ“.
وتدعم كل من تركيا والسعودية وقطر إنشاء “منطقة آمنة” للثوار المعتدلين واللاجئين ف
ي شمال سوريا، تحميها الولايات المتحدة وقوات التحالف الجوية. ولكن الإدارة الأمريكية، ولوجود خلافات مع تركيا حول بعض النقاط في الخطة، قاومت هذه الفكرة حتى الآن.
وقال مسؤول في واحدة من الحكومات المعنية: “بينما تستمر المفاوضات حول إنشاء منطقة آمنة، ما قمنا دائمًا بمناقشته، وما ناقشه الأتراك، هو أننا بحاجة لتحسين تدفق الأسلحة إلى الشمال“. وأضاف: “نحن نقول (لتركيا) … دعونا نصل إلى التزام بما أنتم على استعداد للقيام به وما نحن على استعداد للقيام به معكم. ومن ثم سنتمكن من العودة إلى شركائنا في الائتلاف والقول: حسنًا، هذه هي الخطة“.
وبالإضافة إلى التحكم بوتيرة المعركة ضد الأسد، أصرت الإدارة الأمريكية على أن تدفق الأسلحة يجب أن يتم بالتنسيق بين الحلفاء؛ لضمان عدم وقوع أي من هذه المعدات في أيدي جماعات متشددة، مثل جبهة النصرة.
وعلى مدى العام الماضي، تم تنسيق جميع شحنات أسلحة التحالف من خلال مراكز العمليات الإقليمية في تركيا والأردن والعاصمة السعودية، الرياض. وفي هذه المراكز، يقوم مسؤولون عسكريون واستخباراتيون من جميع الحكومات المعنية بفصل الجماعات الثائرة ضد الأسد إلى فئات خضراء (مسموح تقديم الأسلحة لها)، حمراء (غير مسموح بتقديم الأسلحة لها)، وصفراء (بحاجة لمزيد من الدراسة).
ولكن، يقر جميع المعنيين في الوقت نفسه بأن تطبيق مثل هذا التصنيف الأنيق صعب للغاية على أرض المعركة؛ حيث انجذبت الوحدات المعتدلة والمقاتلون الأفراد بشكل متزايد نحو عقد تحالفات أو توحد تام مع الجماعات المتشددة الممولة بشكل أفضل، مثل جبهة النصرة.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن هناك قلقًا من أن النصرة أخذت زمام المبادرة في الكثير من عمليات القتال في شمال سوريا. وأضاف: “نحن لسنا عميانًا لرؤية الحقيقة التي لا مفر منها إلى حد ما، وهي أن الأسلحة الأمريكية سوف تقع في أيدي متشددين في نهاية المطاف“.
ومع ذلك، يشير العديد من المحللين إلى أن الولايات المتحدة بحاجة لتحمل المزيد من المخاطر في تسليح الثوار إذا ما كانت تريد البقاء على صلة بالوضع السوري.
وقال روبرت فورد، وهو السفير الأمريكي السابق في سوريا: “يحاول الأتراك والسعوديون والقطريون تحريك الأمر. إذا كنت لا تريد منهم زيادة شحنات الأسلحة، فما هو الحل الآخر لديك؟ الجواب على هذا السؤال لا يمكن أن يكون بأننا ذاهبون لقصف داعش“.
واشنطن بوست – التقرير