ليس من العسير ملاحظة تفرد محمد بن زايد آل نهيان بالمشهد الإماراتي، وتنحية أخيه الشيخ خليفة بن زايد الرئيس الفعلي للاتحاد وولي عهد أبو ظبي، عن المشهد السياسي والإعلامي بصورة شبه كلية، إضافة إلى تغييب حاكم دبي ورئيس وزراء الاتحاد الشيخ محمد بن راشد.
ظهر الأمر دون ريبة في لقاء القمة الذي جمعه بملكي السعودية والأردن، والذي يُعد خروجاً على الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات السياسية بين البلاد، حيث يرى نشطاء إماراتيين أن محمد بن زايد الرجل الأول والأقوى في الإمارات نفذ انقلاباً أبيضاً على أخيه الرئيس الشيخ خليفة بن زايد، أما تغييب الشيخ محمد بن راشد فيعود إلى استغلاله للأزمة المالية التي عصفت بالأول، والتي أحسن الشيخ محمد بن زايد في اللعب السياسي على وتر الأزمة التي أدت لانكسار دبي أمام أبو ظبي في العام 2009م، عندما دفعت لإمارة دبي عشرة مليارات من الدولارات مقابل أثمان سياسية كبرى، رآها كبير خبراء الاقتصاد في البنك السعودي الفرنسي جون سفكيان كيس، عندما عبر في حديثه مع CNN تعليقاً على المساعدات التي تلقتها دبي من جارتها الغنية أبو ظبي “أن الثمن السياسي يتمثل في إخضاع دبي لقيود سياسة وتجارية تفرضها أبو ظبي” وقال: “المسألة السياسية كانت دائماً مهمة، ومن المعروف أن دبي كانت تسعى دوماً للتمتع بسياسة خارجية منفصلة، وهو أمر كانت أبو ظبي على الدوام ترغب في التدخل فيه، وقد حصلت اليوم هذه الفرصة”، وتلتقي أقوال سفكيان مع تصريحات مسؤول كبير في حكومة أبو ظبي للشرق الأوسط “أن الجارة الغنية ستتدخل لمساعدةً دبي في أزمتها المالية، غير أن هذا الدعم من أبو ظبي لن يكون مفتوحاً بل سيكون مشروطاً”، وقد اضطرت دبي لتغيير اسم أهم معالمها من “برج دبي” إلى “برج خليفة”، كما أنها صمتت طويلاً حيال السياسات الخارجية والداخلية المتهورة لولي العهد محمد بن زايد.
إلا أن وقع الخلافات الحادة وازدياد التحكم للشيخ محمد بن زايد على صراعات الإمارات، وقوته في التفرد بسياساتها الخارجية دون الرجوع إلى باقي حكام الإمارات، أدت لتعبير محمد بن راشد حسب المعلومات التي حصل عليها موقع عرب برس: “بأن لا وقت للانتظار أو المزيد من الصمت حول سياسة محمد بن زايد الداخلية والخارجية، وعلى حكام الإمارات التدخل والاعتراض بشكل علني للحفاظ على مكانتهم وإمارتهم، التي إن ظلت تحت قيادة محمد بن زايد سوف تتدهور”.
ووفق مصادر في دبي فقد عرقلت الأجهزة الأمنية لإمارة أبو ظبي، آلاف الطلبات الخاصة بالاستثمار داخل الإمارة التي تعتمد على السياحة والاستثمارات العقارية، مما أدى بدبي للتمرد والتحلل من المعوقات الأمنية، بمنح نفسها حق إصدار تصاريح العمل وتأشيرات الدخول للمواطنين العرب والأجانب الراغبين بالاستثمار داخل أراضيها.
ما يمكن قوله أن أبو ظبي مُنحت عوامل تقويتها في ذاتها من حيث التوزيعات الطبيعية التي تُشبع رغبتها بالسيطرة، مساحة جغرافية واسعة وحقول نفطية عديدة، وكثافة سكانية متفوقة عددياً، ثم حسن لعبها على وتر الأزمة المالية لدبي بتحقيق مكاسب سياسية، وإخضاع الأخيرة لرؤيتها وسياستها أدت بشكل واضح لتفردها بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات، ومن ناحية أضيق فنجاح محمد بن زايد بالسيطرة على مقاليد حكم إمارة أبو ظبي، مكنته من التحكم بشكل أوضح بصراعات الإمارات، وقوته في تغييب الأخريات وسيطرته المتفردة.
وقد لاحظنا الشواهد في الأزمة المصرية وفي الأزمة الليبية على الوجه الأخص، حيث قراره المنفرد بتوجيه الضربة العسكرية لليبيا، كما أن التصلب في قرارات وسياسات الشيخ محمد بن زايد دون إلقاء وزن لحكام الإمارات الأخرى، وبالأخص حاكم دبي كما في ملف الاعتقالات الأمنية، وإخضاع الأخيرة لسياساته ورؤيته، ما كان إلا ليزود حجم المؤشرات والتأكيدات بأن إمارة أبو ظبي وبالأخص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يتحكم فعلياً في السياسة الخارجية لدولة الإمارات ويتفوق غير قليل في إحكام سيطرته على الإمارات الأخرى خلال صراعاتهم.
* الحلقة الثالثة من بحث لـ (مركز برق) للأبحاث يتعلق بالإمارات ودورها في النزاع السوري وينشر حصريا بالاتفاق مع المركز