في 29 نيسان/أبريل، أصدرت المملكة العربية السعودية ستة وعشرين أمراً ملكياً أُعلن فيها عن إجراء تغييرات عديدة في مجلس الوزراء وفي تسلسل الخلافة في المملكة، بدءاً من التعديلات المفاجئة وانتهاءاً بالتنظيمات البيروقراطية. وفي هذا النطاق، أُعفي ولي العهد الأمير مقرن من منصبه، وهو الذي كان الخليفة المعيّن للملك سلمان ولكن جرى استبداله حالياً بوزير الداخلية ووليّ وليّ العهد، الأمير محمد بن نايف. أما الشخص الذي أصبح نائباً لمحمد بن نايف فهو الأمير محمد بن سلمان الذي حقق نجاحاً كبيراً في سرعة تقدمه على الرغم من كونه شاباً – نسبياً – وهو ابن العاهل السعودي الذي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً أو أكثر بقليل – والذي هو بالفعل وزيراً للدفاع. كما أن وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل قد أُعفي من منصبه هو الآخر، بعد أن كان قد أشغل هذه الحقيبة منذ ما يقرب من أربعة عقود لكنه يعاني من اختلال في صحته. وقد حل محله السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، الذي لم يتم الإعلان بعد عن خليفته في منصب السفير.
إن هذه التغييرات المفاجئة – التي تأتي بعد مرور ثلاثة أشهر فقط من تولي الملك سلمان منصبه، وهو الذي أجرى تغييرات جذرية في بنية السلطة التي ورثها من الملك عبد الله – تشكّل تذكيراً بأن النظام السياسي السعودي لا يزال غامضاً إلى حد ما. وقد ناقش الجبير هذا التصور عندما كان طالب دكتوراه في جامعة “جورج تاون” في بداية التسعينيات. ففي بحث بعنوان “السياسة الخارجية للدولة السعودية”، كتب، “إن وصف ونستون تشرشل للكرملين بأنه ‘لغز ملفوف بالسر مستخبى فى الغموض’ هو مفهوم تقريبي لطريقة تفسير ورؤية بعض المراقبين للمملكة العربية السعودية في العصر الحديث”. وبسخريته من هؤلاء المراقبين، اعترف الجبير أن بلاده “فريدة” [في نظامها].
ومن الواضح أن هذا التعديل الوزاري يأتي على خلفية الأزمات والخلافات التي تواجهها السعودية على عدة جبهات. وفي مقدمتها الحرب التي بدأتها المملكة منذ شهر في اليمن، وهو الصراع الذي دخل في مأزق على ما يبدو وتعقَّد بسبب التوترات مع إيران – المنافس الاقليمي للسعودية – والعداء الأوسع نطاقاً بين السنة والشيعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن سير الحرب نفسها قد أثار قلق واشنطن. وفي الوقت نفسه، ما زال تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» يشكل خطراً كبيراً – ففي 28 نيسان/أبريل، أعلنت الرياض أنها ألقت القبض – حتى الآن وخلال هذا العام – على ثلاثة وتسعين من المشتبه بهم من أعضاء «داعش» وأحبطت هجوم على السفارة الأمريكية في الرياض. وقد دفعت الضغوط السياسية والاقتصادية المحلية على إجراء بعض التغييرات أيضاً. على سبيل المثال، تم نقل مسؤول تنفيذي في شؤون النفط ليتولى قيادة وزارة الصحة، التي تعرضت مستشفياتها وعياداتها لانتقادات واسعة النطاق بسبب انعدام الكفاءة. كما تم استبدال المرأة الوحيدة في الحكومة، نائبة وزير التعليم نورة الفايز؛ ويرجح أن ذلك يشير إلى أن المحافظين المتدينين قد منعوا أخيراً استمرار جهود الفايز في تحسين التعليم للفتيات.
ومع ذلك، يبدو أن السياق الرئيسي للتعديل الوزاري هو صراع يدور في صفوف العائلة المالكة السعودية. وإلى أي مدى كان الملك سلمان ضالعاً في هذه التغييرات هو موضوع قابل للنقاش. وتستمر التقارير عن حالته الصحية الواهية، وقد يكون العديد من لقاءاته الأخيرة مع مجموعة غير عادية من الشخصيات الأجنبية قد أبقاه بعيداً عن الكثير من صناعة القرارات – إما من تلقاء نفسه أو من خلال إلهاء متعمد من قبل المقربين منه. وفي الأسبوع الماضي وحده، استضاف رئيس إريتريا، ورئيس وزراء نيوزيلندا، ووزير خارجية ليتوانيا – وهذا اللقاء الأخير وضع الكثير من الناس في حيرة كاملة. ويبدو أن التأثير الرئيسي للعاهل السعودي على التعديل الوزاري هو تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد – وهي المرة الأولى التي يتم فيها ذكر إبنه رسمياً وبصورة غير مباشرة كملك [محتمل] في المستقبل.
ووفقاً لهذا التحليل، تمثل التعديلات الأخيرة حدوث تحول مستمر في الرياض وليس قيام تجمع جديد. فعلى سبيل المثال، يُنظر إلى ولي العهد الجديد، محمد بن نايف، وعلى نطاق واسع بأنه الملك المستقبلي المفضل لواشنطن، ولكن إرتقاء محمد بن سلمان وصعوده بلا هوادة في الأشهر الأخيرة يشير إلى أن هذا الشاب يمكن أن يحل محل الأمير محمد بن نايف قبل وصول هذا الأخير الى العرش. ويظهر أن نجل الملك يتمتع بالتأكيد بمثل هذا الطموح. وحيث يعتقد على نطاق واسع بأن محمد بن سلمان هو واحداً من “الشباب عديمي الخبرة” المشار إليهم بشكل تهكّمي من قبل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في مقالة نُشرت في وقت سابق من هذا الشهر، فقد وُصف وزير الدفاع بشكل إيجابي في الإعلان الملكي، حيث أُشير إليه بأنه يتمتع بـ “قدرات كبيرة اتضحت للجميع من خلال كافة الأعمال والمهام التي أنيطت به، وتمكن.. من أدائها على الوجه الأمثل، ولما يتمتع به من صفات أهلته لهذا المنصب، وأنه.. قادر على النهوض بالمسؤوليات الجسيمة التي يتطلبها هذا المنصب”. ومع ذلك، لم يكن هذا الرأي شاملاً – حيث استمر الأمر الملكي إلى الإشارة بأنه تلقى “تأييد الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة” (المؤلفة من كبار أفراد العائلة المالكة أو أكبر أبنائهم)، وهي الصيغة التي تشير إلى وحود بعض المعارضة.
وعادة ما تكون السياسة التي تتبعها العائلة المالكة السعودية جديرة بالملاحظة بسبب الاحترام الذي تضفيه على العمر، والخبرة، والصفات الملكية. ويفتقر محمد بن سلمان للصفتين الأوليتين، لذلك يبدو أن أقوى حلّة يلبسها هي قربه من والده. وفي حين أن عائلة آل سعود مهووسة بالإعلان علانية عن وجود جبهة موحدة في المسائل التي تخصها وفي الشرق الأوسط الكبير على حد سواء، فقد أظهرت أيضاً تاريخياً تصميمها على البقاء في السلطة حتى لو كان ذلك يعني تهميش أبناء من العائلة المالكة، الذين يبدو أنهم يعرّضون مبدأ الاستمرارية للخطر (كما في حالة الملك سعود في ستينيات القرن الماضي). لذلك، من غير المرجح أن تكون التعديلات التي جرت في 29 نيسان/أبريل هي الأخيرة من نوعها. والسؤال الرئيسي هو متى ستحدث الجولة المقبلة من التغييرات، ومن هم الذين سيستفيدون منها. ونظراً لدور المملكة العربية السعودية الرائد في تصدير النفط وكونها الدولة القيادية في العالمين الإسلامي والعربي، فإن هذه السياسات الداخلية سوف تبقى تشكّل مصلحة حيوية بالنسبة لواشنطن.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.