“فتاة بيضاء لم يسبق لها الزواج من قبل ظريفة ولطيفة مين يشتري؟ وهذه سيدة سمراء طويلة من يتقدم للفوز بها؟ وثالثة شاطرة ولهلوبة مين قال هات”، هذه عبارات ربما قد نسمعها في الأفلام القديمة عن تجارة الرقيق قبل ظهور الإسلام، وربما يظن الكثير أن هذه التجارة بعيدة تمامًا عن مصر، فلم نسمع عن “سوق النخاسة” في أي منطقة، ولكن المفاجأة أن هناك عدة مناطق تشتهر بتجارة “اللحم الرخيص” أشهرها مدينة تقع على بعد 60 كيلومترًا جنوب القاهرة، وهي الحوامدية، فمع اقتراب فصل الصيف تزدهر هذه التجارة التي فرضها الجوع والفقر.
في مدينة “الحوامدية” التي ذاع صيتها حتى ملأ آفاق المنطقة العربية بأسرها، حيث يتوافد الأثرياء العرب لحضور مزاد علني على أجساد الفتيات صغيرات السن، مقابل حفنة من المال، والنتيجة مآسٍ تقشعر لها الأبدان، رغم أن جميع الأديان السماوية والدساتير تحرم الاتجار بالبشر واعتبارهم سلعة تباع وتشترى.
وبدأت ظاهرة زواج العرب من مصريات في الثمانينيات، عندما وفد عدد من الطلبة الخليجيين للدراسة بمصر وتزوجوا من فتيات قاصرات، إلا أنها انتشرت كما تنتشر النار في الهشيم خاصة في قرية الحوامدية والعزيزية.
وزادت وتيرة هذه التجارة القذرة بشكل لافت بعد ثورة 25 يناير، حيث تشعر معظم الحالات أنهن لا يملكن شيئًا يتاجرن به إلا أنفسهن، وربما يحلمن بأن يأخذهن “العريس المنتظر” هربًا من مرارة الوضع الذي تعيشه في مصر الآن للخارج، ظنًا بأن “رغد العيش” ينتظرهن، ولا يعلمن أن المنطقة العربية بأسرها أصبحت كجمرة نار.
تجارة الشرف
اقتربت من هذه القرية في البداية ملأني الخوف من أن أخرج منها صفر اليدين، فالعقل والمنطق يفرضان على الأهالي التكتم وعدم الإفصاح عن تلك الصفقات المخزية، لكن زادت دهشتي عندما وجدت الجميع يتجاوبون مع أول محاولة للحديث معهم، ويثرثرون في أدق التفاصيل دون أدنى مواربة أو خجل أو أي إحساس ولو بسيط بالذنب.
وجدت رجالاً دق أعناقهم الفقر وفقدوا كل معاني “النخوة” و”الخوف على العرض” وذهبوا لسماسرة عن طريقهم تتم صفقات الزواج، ليطلبوا منهم أن يضعوا مواصفات بناتهم ضمن قائمة “المعروضات” على الأثرياء العرب، حيث يتصدر هؤلاء السعوديون ثم الكويتيون، وتأتي البحرين وقطر والإمارات في المراكز التالية، حسبما أظهرت دراسة حديثة.
لن تبذل كثيرًا من الجهد أو تتبع أسلوب المحايلة حتى تتعرف على قصص الفتيات اللاتي تحولن لسلعة في هذه التجارة القذرة، فالجميع يعرف هذه الحكايات، وربما تكون إحداهن “علكة” على لسان الرجال على القهوة في المساء، عما أحضرته لأهلها من الخارج، أو مواصفات العريس القادم لابنة فلان.
(س.ص – 24 عامًا) هذه السيدة فائقة الجمال والمحظوظة، حسب وصف بنات القرية لها، والتي تزوجت أكثر من 5 مرات، ويعتقد الجميع أن “على قلبها أد كده”، ظننت أنني سألتقي امرأة يغطي ذراعيها الذهب وترتدي أفخم الملابس وتضع العطور، والغريب ما رأيت، هي جميلة حقًا ترتدي عباءة سوداء وطرحة يخرج نصف شعرها الذي صُبغ باللون الأصفر منها وزينت وجهها ببعض المساحيق، وأيديها بـ”المانيكير”، قائلة “أنا ولا على قلبي أد كده ولا حاجة، ساهمت في تزويج شقيقاتي الاثنين، من مصريين، وصممت أن تتزوجا من أهل البلد، وأن تنجبا وتعيشا حياة الاستقرار، التي لا أعرف لها طريق، كل مرة أتزوج وأقول هاجي اعمل مشروع بالفلوس التي أخذتها من الزواج”.
وأضافت: “الفلوس بتطير في وسط الغلاء الفاحش الذي نعيشه، لابد أن يزيد سعرنا نحن أيضًا، يا ريت والله الواحد يموت ولا يستشهد في أي حادثة في البلد، ودول كتير أوي، يمكن أهلي وأخواتي يأخذوا أموالاً تغنيهم عني، بدل ما أبيع نفسي كل مرة”.. هذه المرارة التي تحاول إخفاءها في حديثها لم تستطع دموعها أن تخفيها.
ومن جانبها تروى (ر.ع 28 عامًا)، العائدة من ليبيا منذ أقل من 4 أشهر، تفاصيل زواجها من “عريس ليبي 75 عامًا” قبلت الزواج منه بعدما فشلت كل محاولات استعراض جمالها القليل على ما يبدو من أي ثري آخر، قائلة: “دفع لأهلي 10 آلاف جنيه، وأبويا أتجنن بالفلوس، وسافرت معه، معاملته كانت شديدة السوء، متزوج من 3 غيري، يقمن في منزل واحد، هتقولوا دا كلام أفلام، ولكن هذه الحقيقة، هربت منه بعد ما سرقت ثمن أجرة العربية التي ستعود بي إلى مصر”.
وأضافت: “قبل أن أعود إلى أهلي مررت على السمسار، لعله يجد ضالتي في آخر يرفعني معه، ولكنني منتظرة الحظ كي يحالفني، البلد بقيت صعبة أوي، لا شغل، ولا راحة، مش عارفة الستات اللي فرحانة وبترقص فرحانين بإية”.
ويسرد (ص.ع)، قصة شاب من أحد أقربائه (طلب عدم الكشف عن اسمه) قائلا: “قريبي له ابنة عم شديدة الجمال، ولم تكمل التاسعة عشر من عمرها عندما تقدم رجل كويتي عمره 65عامًا للزواج منها، وقدم لها مهرًا وشبكة تجاوزت قيمتها 20 ألف جنيه، واستأجر لها شقة في حي راقٍ بالقاهرة.. إلا أنه بعد مرور أربعة أشهر فقط فوجئنا بهروب الرجل دون أن يترك لها ورقة الطلاق، وعلمت الفتاة بعدها أنها حامل في شهرها الثالث، وعندما حاول الأهل الاتصال بالزوج الهارب عن طريق المحامي الذي كتب عقد الزواج، أخبرهم أنه لن يعترف بالمولود، وأنكر الزواج من هذه الفتاة التي لم تكن تحتفظ بصورة من العقد.
ومضى (ص.ع ) يقول: “عرض أهل الفتاة على قريبي الذي لم يكن يجد أية فرصة عمل مناسبة، الزواج من الفتاة، ونسب الطفل إليه مقابل مبلغ من المال لستر الفضيحة، وبالفعل قبل الشاب العرض إلا أنه تعرض لقطيعة عائلته التي رفضت هذا الوضع المشين.
قائمة الأسعار
وتقول شيرين عبدالعال، الناشطة وعضو جمعية “هي” للمرأة، إن المبلغ الذي يلوح به الثري العربي “ثمن العروس” يختلف حسب سنها وتجاربها السابقة، فإذا ما كانت الفتاة بكرًا يبدأ مهرها من 10 آلاف جنيه وينتهي بـ25 ألف، أما المطلقة فلها سعر آخر يبدأ من خمسة آلاف أيضًا لكنه لا يزيد عن عشرة آلاف بأي حال من الأحوال، فيما يفرض نوع عقد الزواج “تسعيرة” على هذه الصفقة، فإذا كان الزواج رسميًا وهو نادرًا ما يحدث، يتقاضى أهل العروس حوالي 15 ألف جنيه، أما إذا كان الزواج عرفيًا فإن المبلغ لا يزيد عن ثمانية آلاف فقط.
وأشارت إلى أن السمسار الذي يتولى مهمة إتمام “صفقة الزواج” يتقاضى ثلثي المبلغ الذي يتقاضاه أهل الفتاة، حيث يقوم بالاتفاق على الشروط ويتعامل مع كل الجهات المعنية لإتمام هذه الصفقة، مؤكدة أن السعوديين يتصدرون قائمة من يرغب في الزواج، يلي ذلك رجال الكويت والبحرين والإمارات على الترتيب، وغالبًا ما يفضلن الفتيات اللاتي يتراوح أعمارهن ما بين 12 إلى 17 عامًا.
وفجرت أمل طه، مسئولة الحالات بجمعية “هي”، مفاجأة غريبة، حيث قالت إن في “موسم الصيف” قد يتم تزويج الفتاة الواحدة أكثر من مرة، فقد يأتي “عريس” يطلب فتاة لمدة شهر واحد للزواج، وهو ما أسماه علماء الشريعة “الزواج بنية الطلاق” أو “زواج المتعة”، وعندما تنقضي المدة تتجاهل الفتاة وأهلها فترة العدة، رغبة في الفوز بعريس آخر، حتى لا يضيع الموسم هباء.
وسردت “أمل طه” قصة فتاة لم تتجاوز من العمر 20 عامًا، تزوجت 6 مرات، بعقود عرفية تستمر ما بين ثلاثة أيام إلى أسبوع، وبمجرد أن تطلق تتزوج من آخر في اليوم التالي لشدة حسنها وجمالها الأخاذ، ولا حساب لأي شرع أو دين، بشكل قد يعجز القارئ أو المستمع لهذه القصص أن يصدق ما يحدث وأنه يتم في مصر.
وأوضحت أن الكثير من الفتيات يتعرضن لصنوف من التعذيب على أيدي بعض الأزواج، فقد يفاجأن إذا ما سافرن للخارج أن هذا العريس متزوج من أخرى، أو أنه “شاذ”، ويطالبها بـ”الحرام”.
سوق الرقيق الجديد
وتحول موقع “فيس بوك” إلى سوق للرقيق يطرح فيه الزبون، أو “السمسار” مواصفات الفتيات المرغوب فيهن، والمبلغ المالي المطروح لإتمام الصفقة ومدة العقد.
ومن هذه الصفحات “زواج شباب خليجيين من مصريات بالقاهرة”، حيث تضع مواصفات العريس الخليجي، والذي يأتي لمصر لوقت محدد يتزوج فيها، بدلاً من ارتكاب “الخطيئة”، حسب الصفحة، يبحث عن عروس في شقة مفروشة، تحدد الصفحة أيضًا إيجارها، والمصروفات التي يستطيع “العريس” دفعها خلال فترة الزواج، أي من تقدم على هذه الخطوة تعلم متى ستنفصل.
واللافت أن عدد المعجبين بالصفحة لا يتجاوز الـ54 شخصًا، ولكن كم التعليقات ومن يطرح صفقته أكثر من ذلك بكثير، وغير هذه الصفحة الكثير يزيد عدد معجبيها عن 100 مكتوب عليها “مصرية وترغبي الزواج من خليجي ادخلي فورًا”.
المصريون