أكد مركز (الجزيرة للدراسات) التابع لشبكة قنوات الجزيرة القطرية، أن المساعدات الخليجية التي قدمت لمصر بعد انقلاب يوليو تظل لغزًا يستعصي على فهم الكثيرين؛ خاصة المحللين الماليين والمتابعين للأرقام، وذلك بسبب التضارب في أرقام تلك المساعدات والتي لا تقل عن 23 مليار دولار حسب أرقام رسمية، و30 مليار دولار حسب تسريبات مكتب السيسي، و47.5 مليار دولار طبقًا لأرقام غير مدققة.
وبشأن مستقبل المساعدات الخليجية للانقلاب العسكري في مصر والسيناريوهات المتوقعة لها، أوضحت الدراسة أن مستقبل المساعدات الخليجية لمصر يظل مفتوحا ومن الصعب التكهن به؛ خاصة وأن النظام المصري الذي نجح في إقناع بعض دول الخليج بقدرته على القضاء على جماعة الإخوان المسلمين بهدف المحافظة على حكمهم على الرغم من صعوبة ذلك عمليًّا، وربما يكون قادرًا أيضًا على إقناعهم بأهميته في الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا وليبيا والحوثيين باليمن.
وأكد المركز في دراسته أنه عند الحديث عن حجم وأرقام المساعدات الخليجية المقدمة لمصر منذ انقلاب 3 من يوليو 2013 وحتى موعد انعقاد المؤتمر الاقتصادي بمدينة شرم الشيخ بداية شهر مارس 2015، فإننا نجد أنفسنا أمام 3 روايات متناقضة:
الرواية الأولى: الرواية الرسمية؛ ومصدرها وزير الاستثمار المصري أشرف سالمان، الذي قدَّر هذه المساعدات بنحو 23 مليار دولار في الفترة من يوليو 2013 وحتى نهاية 2014؛ حيث قال في مؤتمر اقتصادي عُقد في دبي في فبراير 2015: “مصر تلقَّت 23 مليار دولار من الكويت والسعودية والإمارات على مدى 18 شهرًا الماضية” وأنه إذا ما أضفنا لهذا الرقم المعلن من قِبَل الوزير 12.5 مليار دولار أخرى تعهدت دول الخليج بتقديمها لمصر في الفترة المقبلة خلال مؤتمر شرم الشيخ يرتفع رقم المساعدات إلى 35.5 مليار دولار.
الرواية الثانية: مصدرها تسريبات مكتب السيسي التي تقول: إن المساعدات تجاوزت 30 مليار دولار دون إضافة تعهدات شرم الشيخ الأخيرة، وحسب التسريبات المذاعة على قناة “مكملين” الفضائية مساء يوم 12 من فبراير 2015 فإننا نجد أن اللواء عباس كامل -مدير مكتب السيسي- يعدِّد الدعم الخليجي؛ سواء من السعودية أو الإمارات أو الكويت، فيجمع عباس كل ذلك في جملته المعروفة “علاوة عالمواد البترولية.. علاوة عالحاجات.. لما سيادتك تجمعها.. سيادتك والله معدي التلاتين مليار دولار”، أي حوالي 200 مليار جنيه نقدًا”.
الرواية الثالثة: رواية غير رسمية ومنقولة عن مصادر واقتصاديين متابعين لملف المعونات الخليجية المقدمة لمصر في فترة ما بعد الانقلاب، وهذه الرواية تقول: إن حجم المساعدات الخليجية لمصر فاق 47.5 مليار دولار منذ يوليو وحتى نهاية عام 2014، وهذه المساعدات تتوزَّع ما بين منح نقدية مباشرة، ومساعدات نفطية من بنزين وسولار وديزل وغاز ومازوت وغيرها من مواد تُقدَّر قيمتها بـ 9 مليارات دولار، ومساعدات عينية أخرى منها المستشفى الميداني المقدَّم من السعودية للقوات المسلحة.
وتؤكد الدراسة أن هذا الرقم لا يأخذ في الاعتبار المساعدات الخليجية الأخيرة لمصر؛ التي تقرَّرت خلال مؤتمر شرم الشيخ والبالغة 12.5 مليار دولار، فبإضافة التعهدات الأخيرة سيرتفع رقم المساعدات إلى 60 مليار دولار، وتستند هذه الرواية ليس فقط إلى أرقام المتابعين لملف المساعدات، بل إلى أرقام رسمية صادرة عن وزارات المالية والتخطيط والبترول، إضافة إلى أرقام التسريبات.
سناريوهات المستقبل للمساعدات الخليجية:
وبحسب مركز الجزيرة للدراسات، فإنه إذا ما تحدثنا عن مستقبل المساعدات الخليجية لمصر فإننا نجد أنفسنا أمام ثلاثة سيناريوهات يتوقف تحقيق أحدهما على ظروف إقليمية وعالمية بالدرجة الأولى تتعلق بمستقبل الاضطرابات الأمنية والقلاقل السياسية في المنطقة، ومدى إسهام مصر في احتوائها، أو بأسعار النفط العالمية، أو تتعلق بالداخل المصري نفسه ومدى استفادة السلطات من هذه المساعدات في تحريك الاقتصاد؛ وهنا تبرز عدة سيناريوهات لمستقبل المساعدات الخليجية لمصر؛ هي:
السيناريو الأول: استمرار المساعدات الخليجية لمصر؛ لكن بوتيرة أقل؛ وهو ما ظهر بشكل ملحوظ في مؤتمر شرم الشيخ حيث تعهدت 4 دول خليجية بتقديم 12.5 مليار دولار مساعدات جديدة لمصر ما بين ودائع واستثمارات ومساعدات نفطية. وجاء استمرار المساعدات الخليجية لمصر في شرم الشيخ مخالفًا لتحليلات ذهبت إلى توقف المساعدات لظروف تتعلق بالوضع المالي الجديد للموازنات الخليجية؛ خاصة عقب تعرضها لخسائر تقدر بنحو 300 مليار دولار بسبب تهاوي أسعار النفط، حسبما صرحت كريستين لاجارد مدير صندوق النقد الدولي في شهر يناير الماضي”.
السيناريو الثاني: توقف المساعدات لأسباب تتعلق بالوضع المالي والسياسي للدول الخليجية؛ خاصة المنتجة للنفط، وحسب مجلة فورين بوليسي فإنه إذا ما واصلت أسعار النفط تراجعها، فإن دول الخليج ربما لا تكون قادرة على مواصلة تدفق أموال المساعدات لجيرانها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي لا يتمتعون بمخزونات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط؛ مثل: مصر والمغرب”.
السيناريو الثالث: استمرار المساعدات النفطية لا النقدية لمصر؛ خاصة أن انخفاض أسعار النفط يساعد على ذلك، وكذا استبدال المساعدات النقدية باستثمارات؛ وهو ما كان ملحوظًا في تعهدات دول الخليج خلال مؤتمر شرم الشيخ؛ حيث تعهدت الكويت بضخ 4 مليارات دولار استثمارات في مصر خلال الفترة المقبلة، كما تعهدت السعودية بضخ مليارين في صورة استمارات من الأربعة مليارات التي تعهدت بها، ومثلهما من الإمارات.