السعودية لم تحقق أي انتصار في الحرب الدائرة باليمن، فرغم قتل طائراتها عدد غير معروف من المدنيين، واستمرار عملية “عاصفة الحزم” لنحو 27 يوما، فلم تنجح في تحقيق هدفها الرئيس، المتمثل في قطع ذيول إيران بالمنطقة، وتهديدها، بإمكانية تنفيذ التحالف العربي في سوريا هجوما ضد نظام الأسد.
بكلمات أخرى، فإن الهجمات السعودية، المستمرة رغم الإعلان عن انتهائها ونجاحها، لم تؤد لتراجع الحوثيين، بل وتثبت اليوم أنه ليس هناك تهديد عسكري عربي موجه للتدخل الإيراني، سواء في صنعاء أو دمشق.
كان هذا ملخص تحليل لـ”تسفي برئيل” محلل الشئون العربية بصحيفة”هآرتس” اعتبر فيه أن إيران هي الرابح الوحيد من الحرب اليمنية،. حيث توصلت الرياض لقناعة مفادها أنه لا يمكن إنهاء الحرب، إلا عبر تدخل بري، وهو ما ترفضه عدد من الدول العربية، التي ترفض أيضا استخدام القوة العسكرية ضد الأسد في سوريا.
إلى نص المقال..
بطل حرب التحالف العربي في اليمن، هو المتحدث السعودي للقوات” المشتركة” العميد أحمد عسيري . ففي كل يوم ظهر عسيري، الذي يتحدث الانجليزية والفرنسية أمام جموع الصحفيين وأوضح مسار الحرب التي استمرت 27 يوما، وصف الهجمات والأهداف التي جرى تدميرها، وأجاب على الأسئلة مثلما فعل المتحدثون الأمريكيون في حروب الخليج.
في الأسبوع الماضي أعلن للعالم فجأة، أن الحرب قد انتهت حيث” تم تحقيق الأهداف”، ومنذ ذلك الوقت تم الانتقال من معركة” عاصفة الحزم” لعملية” إعادة الأمل”، وهي في الأساس حملة دبلوماسية لإعادة الاستقرار السياسي في اليمن.
هنا من المناسب إنهاء الحرب. يعلنون ببساطة عن النصر لينتهي الأمر. وبشكل مشابه لبيانات النصر الإسرائيلية في عملية”الجرف الصامد”، كذلك أسهب عسيري في الحديث عن الأهداف التي جرى تدميرها، بينها قواعد عسكرية، ومواقع صواريخ، وضرب البنية التحتية للقوات الحوثية، والهزيمة القاسية التي تلقوها. عنصر واحد غاب عن كل هذه التقارير هو عدد المواطنين اليمنيين الذين قتلوا.
بعد ذلك بيومين استؤنفت الهجمات، ولم يبق شيئا من الهدنة. وأيضا من أهداف الحرب. لم يغادر الحوثيون المدن التي استولوا عليها، ولم يتبلور بعد الحل السياسي، وما زال اليمن غارقا في حرب أهلية دامية، بينما يحاول الرئيس عبد ربه منصور هادي حشد أبناء القبائل للقتال ضد الحوثيين، وتبدو القوات المؤيدة له مليشيات أكثر منها جيشا منظما.
إذا ما سعت السعودية لوقف التأثير الإيراني في اليمن، وأن تثبت لطهران أن قوة عسكرية عربية صارمة قادرة على رسم حدود تأثيرها، فمن الواضح أن هذا الهدف ما زال بعيدا عن التحقق. كذلك فإن الذريعة التي سوقت لوقف إطلاق النار، والتي تقول إن الرئيس اليمني هو من طلب الهدنة، غير مقنعة. العملية العسكرية فقدت جدواها عندما اتضح أنه بدون قوات برية، وفقط بالاعتماد على القصف الجوي، سيكون من المستحيل تحقيق الحسم.
على الورق، أعلنت 10 دول عربية استعدادها للمشاركة في الحرب أو تقديم المساعدة اللوجيستية، لكن عمليا كانت هذه في الأساس معركة سعودية. في مصر التي سارعت لتأييد الحرب، ُتسمع انتقادات حادة للحرب، وتحديدا ضد الاتجاه لإرسال قوات، بينما أعربت تركيا عن دعم شفهي.
استعرضت الولايات المتحدة الأمريكية عضلاتها، وساعدت بالمعلومات الاستخبارية واللوجيستية، لكن الخوف من اندلاع مواجهة إيرانية- أمريكية بحرية على حدود اليمن، وتحديدا في الوقت الذي استؤنفت فيه المحادثات النووية، أصبح عنصرا جوهريا في إنهاء المعركة العسكرية. وقبل الإعلان عن انتهاء هذه الحرب رسميا، علمت إيران بذلك، ويبدو أنه تم التنسيق معها بشكل مباشر لاتخاذ هذه الخطوة.
لكن كان هناك هدف استراتيجي لتلك الحرب، وهو إرسال رسالة تهديد لإيران على الجبهة السورية أيضا، مفادها أنه بعد إنجاز الأهداف في اليمن، يمكن للقوة العربية المشتركة العمل أيضا في سوريا، لجلب حل عسكري. لكن يتضح هنا أن الدول العربية ليست موحدة في آرائها حيال العمل العسكري ضد نظام الأسد. فقد أوضح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الحل في سوريا ليس عسكريا، بل سياسيا، وأن بشار الأسد جزء من الحل، أي أنه سيكون شريكا في المفاوضات لإحداث تغيير سياسي في البلاد.
في المقابل، تدفع قطر نحو حل عسكري، بينما السعودية غير متأكدة حتى الآن من الحل الممكن، في ظل الانقسام في المواقف العربية.
وداخل الديوان الملكي السعودي من الواضح أنه ليس هناك إجماع، ففي حين يعارض بعض مستشاري ووزراء الملك سلمان الهجوم على سوريا، يعتقد آخرون أن الحل العسكري ممكن شريطة تشكيل تحالف عربي قوي، يعمل بشكل مستقل عن التحالف الغربي الذي يعمل ضد داعش وليس ضد الأسد.
كذلك فإن ثمة خلافات بين مصر والسعودية فيما يتعلق بتغيير النظام في سوريا واليمن. فبينما تعارض مصر أن يحكم في اليمن حزب الإصلاح الذي يمثل الإخوان المسلمين، فإن السعودية التي يصنف الإخوان المسلمين فيها كجماعة إرهابية، غيرت مؤخرا رأيها، حيث ترى في هذا الحزب قوة يمكن دفعها لتعزيز موقع الرئيس هادي.
وفي سوريا تعتبر مصر الأسد عنصرا هاما في كبح زمام الإخوان المسلمين، في حين تدعم السعودية المليشيات المسلحة التابعة للإخوان المسلمين، التي تعمل ضد النظام. ربما يمكن أن تتفق كل من السعودية ومصر على أنه ليس هناك مفر من مشاركة الأسد في مفاوضات سياسية حول مستقبل سوريا، لكن يتوقع أن تنشب خلافات بين الدولتين حول طبيعة النظام الذي سيحل محله.
في ظل هذه الخلافات، يمكن لإيران في ذات الوقت الاسترخاء. فأي حل سياسي في اليمن، سوف يتطلب من الآن فصاعدا وضع قوة الحوثيين في الاعتبار، وكذلك بالطبع المكانة الإيرانية، وبعد الحرب في اليمن التي توقفت بعداء، يتضح أنه لا يوجد حتى اللحظة تهديد عسكري عربي بشأن التورط العميق لإيران في سوريا.