منذ أن بدأت الأزمة السورية في الخامس عشر من مارس عام 2011م، توالت العديد من ردود الفعل المحلية والرسمية، خاصة داخل أوساط الجيش السوري، والذي انشق العديد من أفراده، وانضموا إلى فرق مناهضة للنظام السوري.
لم يدخر الرئيس السوري بشار الأسد جهده منذ أن اشتد الصراع الداخلي في قتال وتصفية المعارضين لسياسته ونظامه، فبدأ يعد العدة عبر وسائل مختلفة، إما الاعتقال، وإما القتل عن طريق التصفية، وإما حتى الإقالة من بعض المناصب، وهو ما اتضح جليًّا في الآونة الأخيرة.
حتى إن تصفية الدائرة المحيطة بالرئيس بشار تتكتم عليها وسائل الإعلام السورية التابعة له، مكتفية بالقول إنها كانت نتيجة لتفجير انتحاري تخطط له “جماعات إرهابية”، للانقلاب على الرئيس، في حين تخرج أصوات منشقة لتفصح أنها عملية تصفية لرموز النظام.
وبالتالي، فإن الإعلان عن وفاة رئيس الأمن السياسي السابق في سوريا رستم غزالة قبل أيام، فتح الباب واسعًا لتسليط الضوء على أبرز رموز النظام السوري الذين تم تصفيتهم لحسابات شخصية وإقليمية، وهم كالتالي:
أولًا: رستم غزالة
في 24 أبريل الجاري، أعلن التلفزيون السوري وفاة رئيس الأمن السياسي السابق في سوريا رستم غزالة، وقال إن سبب الوفاة وعكة صحية، بيد أن رواية أخرى أكدت أنه كان يرقد في المستشفى بعد تعرضه لضرب مبرح وسحل على أيدي رجال مخابرات تابعين لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء رفيق شحادة قبل ثلاثة أشهر.
وعلى الرغم من كثرة الروايات وتضاربها، فإن هنالك شبه إجماع على أن من أصدر الأوامر بتصفية غزالة هم زملاء له في الجيش، حيث إن أبرز المشتبه بهم هو الجنرال جميل حسن، رئيس المخابرات الجوية.
لذلك، الجنرال حسن هو من أصدر الأوامر للطائرات بقصف محيط منزل غزالة، بذريعة منع مقاتلي الجيش الحر من التقدم داخل بلدة قرفا، ورفيق شحادة مدير المخابرات العسكرية الذي اتهم غزالة ببيع البنزين لمقاتلين معارضين للنظام في جنوب البلاد.
في المقابل، ثمة من يرى أن غزالة كان قد أثار غضبًا كبيرًا في صفوف زملائه بسبب رفضه السماح لقوات من إيران و”حزب الله” بالتمركز داخل منزله في مرتفعات بلدة قرفا في محافظة درعا، حيث أرادت تلك القوات اتخاذه مركز عمليات ومستودعًا للمدفعية والمدرعات لصد تقدم المعارضة على محور دمشق – درعا.
ويشار إلى أن رستم قد شغل وهو من قرية قرفا بدرعا، منصب رئيس جهاز الأمن والاستطلاع “المخابرات العسكرية” للقوات السورية في لبنان سابقًا قبل أن تنسحب من هناك عام 2005، وبعد ذلك عين رئيسًا للفرع العسكري لمخابرات ريف دمشق، فرئيسًا لإدارة الأمن السياسي التابعة لمخابرات النظام.
وثمة من يرى من ضباط الأمن السوري، أنه تم تكليف عناصر إيرانية باغتيال غزالة، بعد أن تواترت أنباء عن اكتشاف النظام مخططًا كان يعده غزالة لتنفيذ انقلاب على الرئيس بشار الأسد بمساعدة ضباط من الطائفة العلوية يعملون في الفروع الأمنية والحرس الجمهوري.
وبالتالي، يشكل رستم ملفًا ثقيلًا على النظام السوري، فهو مكمن سر النظام السوري، ومطلع على جرائمه ومشارك فيها من خلال موقعه الأمني منذ بداية الثورة، ويعتبر شخصًا خطرًا على بشار الأسد، كونه كان رئيس استخبارات النظام في لبنان عند اغتيال “الحريري”.
وكان غزالة، 62 عامًا، ضمن خمسة ضباط سوريين جرى استجوابهم من قبل لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري الذي قتل بتفجير في بيروت في فبراير/ شباط 2005.
ثانيًا: آصف شوكت
أعلن عن مقتله يوم 18 تموز2012 في انفجار استهدف مقر الأمن القومي في دمشق، أثناء اجتماع وزراء ومسؤولين أمنيين كبار، خلال الأزمة السورية، وهو نائب وزير الدفاع السوري.
وفقًا لرواية ضباط في الجيش السوري، وقادة لهم علاقات مع الأسد، فإن النظام هو من دبر تنفيذ العملية، والذي نجم عن الانقسام بين عائلة الأسد وحلفائها المتشددين من جانب، ومسؤولي النظام الذين يسعون لإجراء مفاوضات مع جماعات المعارضة من جانب آخر.
وشوكت هو شخصية أمنية قوية من الشخصيات التي تحكم سوريا فعليًّا، وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد يعتمد عليه كثيرًا فأوكله بالعديد من المهمات أهمها حماية ابنته بشرى الأسد التي تزوجها لاحقًا وأنجب منها ثلاثة أبناء.
ففي تموز عام 2012، وقع انفجار في مكاتب تابعة للأمن القومي، مما أسفر عن مقتل صهر الأسد آصف شوكت، و3 من كبار المسؤولين السوريين.
ويعد شوكت من بين الداعين لإجراء محادثات مع المعارضة السلمية والمسلحة، وهو موقف يتناقض مع الأسد، الذي يسعى لسحق التمرد.
ثالثًا: داوود راجحة
وهو وزير الدفاع السوري داود راجحة، والذي قتل في تفجير انتحاري استهدف مبنى الأمن القومي في دمشق، وكان راجحة عين وزيرًا للدفاع في 8 أغسطس 2011 في حكومة عادل سفر وتم التجديد له في حكومة رياض حجاب في يونيو 2012.
تم تصفيته على أيدي النظام السوري ونائبه آصف شوكت في تموز 2012م، حيث قام بزيارة سرية إلى روسيا لإبرام عقود جديدة للسلاح وتوسيع عقود قديمة.
وتم تعيينه رئيسًا لهيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة بتاريخ 4 يونيو 2009، وحصل على عدد من الأوسمة العسكرية خلال خدمته العسكرية، وفي الانتفاضة الشعبية المندلعة في سوريا اعتبر أن بلاده تتعرض لمؤامرة كبرى وحرب حقيقية تستهدف كيانها، واتهم الغرب باختلاق الأحداث.
وخلال توليه مسؤولية وزارة الدفاع اجتاح الجيش السوري عدد من المدن السورية في محاولة لقمع الانتفاضة، وهو ما جعل اسم راجحة يندرج في قائمة العقوبات الأوروبية والأمريكية والعربية مع 12 وزيرًا آخر، واعتبره الغرب أحد أبرز المسؤولين عن عمليات القتل والقمع في البلاد.
رابعًا: هشام بختيار
يعد اللواء هشام بختيار – الذي توفي متأثرًا بجروح أصيب بها في تفجير مبنى مكتب الأمن القومي بدمشق- من الأوفياء للرئيس السوري بشار الأسد وأحد أدواته في قمع الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ مارس/ آذار 2011 والمطالبة بالحرية والديمقراطية.
وهو رابع شخصية من أعمدة النظام السوري يقضي نحبه في الانفجار الذي أودى بحياة وزير الدفاع العماد داود راجحة ونائبه العماد آصف شوكت ورئيس خلية الأزمة العماد حسن توركماني وهو أيضًا معاون نائب الرئيس السوري.
وشارك هشام بختيار رفقة قادة كبار للجيش والاستخبارات بشتى فروعها في ما تعرف بخلية الأزمة التي أسست بعد انطلاق الثورة السورية في منتصف مارس/ آذار 2011، وهدفها متابعة الوضع في البلاد واتخاذ قرارات أمنية يومية، ورفعها إلى الرئاسة السورية.
ويذكر أن اللواء هشام بختيار لعب دور في خلق الفتنة الطائفية من خلال إبعاد بعض القيادات السنية عن دوائر الحكم، ويصفه البعض بأنه رجل إيران داخل سوريا.
خامسًا: جامع جامع
قتل اللواء الركن رئيس الاستخبارات العسكرية في دير الزور جامع جامع، في أكتوبر 2013م، بعد اتهامات وجهت للنظام السوري بتصفيته، فهو مفصل أساسي في العلاقة مع حزب الله، وضالع بملفات الاغتيال كملف رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وغيره لذا أصر النظام على تصفيته، حسب ما يرى المراقبون.
حينها لفت النظام السوري أنه حيث سيعمد إلى تنظيف “بيته الداخلي” في سلسلة طويلة لإغلاق الملفات، وسيكون من بينها الضابطان رستم غزالة وعلي مملوك، تمامًا كما قام بتصفية وزير الداخلية الأسبق غازي كنعان وعبد القادر قدورة.
ويشار إلى أن جامع كان لواءً في الجيش السوري وشغل منصب رئيس المخابرات العسكرية في محافظة دير الزور، وتولى قيادة فرع المخابرات السورية في بيروت حتى عام 2005، كما تولى قبل ذلك مسؤولية الأمن في مطار بيروت الدولي بالتنسيق مع السلطات اللبنانية آنذاك.
بثينة اشتيوي
(ساسة بوست)