“مصر .. التعذيب .. والاختفاء”، تحت هذا العنوان نشرت مجلة ذا ويك الأمريكية تقريرا للكاتبة سوفي آنموث تناولت فيه قصة شاب مصري اختفى عن الأنظار منذ يوم فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013، والذي لا تزال أسرته معلقة على أمل أن يعود إليها، رغم عدم علمها بما إذا كان حيا أم ميتا.
وجاء نص المقال كالتالي :
آخر مرة رأت فيها بدارة السيد ابنها عمر كانت في 14 أغسطس 2013، وتقول ربة المنزل البالغة من العمر 46 عاما إنها منذ ذلك اليوم تحاول بشتى الوسائل للعثور على ابنها.
“المشارح ,اختبار الحامض النووي (دي إن إيه) .. نتائج سلبية .. السجون ووزارة الداخلية والدعاوى التي رفعت للنائب العام .. نحن نواصل تكرار نفس الخطوات مرة بعد أخرى .. أنا آمل فقط في أن أتمكن من رؤيته، أو الحصول على معلومات رسمية عنه، أو معرفة ما إذا كان ميتا أو حيا”.
الأم تحمل مشاعر مختلطة بين الأمل والخوف من أن يكون محتجزا في سجن العزولي العسكري السري، وأولئك الذين خرجوا من هذا السجن يروون قصصا عن التعذيب، وإجبار الجنود للمعتقلين على الاعتراف بأنهم إرهابيون، حتى إن لم يكونوا كذلك، مثل عمر محمد علي علي حماد الذي كان يبلغ من العمر 21 عاما وقت اختفائه.
فقد استيقظ ذات صباح منذ ما يقرب من عامين وذهب إلى جامعته في القاهرة لمعرفة نتيجته في الاختبارات وتأدية عرض راب مع زملائه.
وبالقرب من الحرم الجامعي، كانت جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة إسلامية سياسية أطيح بها من الحكم، تقود مظاهرة، وأقام أنصارها مخيما مترامي الأطراف في تقاطع لطريقين متسعين، لقد كان مسجد رابعة العدوية الشهير هناك، وبالقرب منه، كانت وزارة الدفاع.
لقد كان فض الاعتصام يقترب، لكن لم يكن أحد يعلم متى ذلك، ولم يكن أحد يعلم أن الجيش، بجرافاته وقناصته، سيرتكب مذبحة في حق نحو ألف مصري أغلبهم من العزل، ففي ضوء النهار، كان يظهر ضوء آخر ناتج عن اشتعال أجسادهم.
وتقول مريم (23 عاما) شقيقة عمر إنه كان يتدرب من أجل “حفل نهاية العام الذي كان سيحييه هو وزملاؤه”.
لقد كانت الشائعات تتكرر يوميا طوال شهر كامل أن الفض سيكون “اليوم”، إلا أنه لم يأت، “ولهذا ظننا أنه لن يحدث في ذلك اليوم أيضا، وذهبنا على أي حال، وها قد مر عام ونحن مفترقين .. لقد اعتدنا على فعل كل شيء مع بعضنا البعض”.
لقد بدأت العملية في السابعة صباحا، وبعد ذلك بساعات قلائل، انضم عمر إلى أصدقائه في الشوارع لحمل المصابين إلى سيارات الإسعاف، وكان الاتصال الخلوي سيئا، فقد اتصلت به مريم مرارا وتكرارا، وفي الواحدة ظهرا، تمكنت أختهم الصغرى من الاتصال به، وقالت له “أرجوك عد إلى البيت”.
لكنه رد عليها بقوله “لا تخافي .. سآتي قريبا”.
في فبراير 2011، تنحى الرئيس حسني مبارك عن الحكم بعد بعد أسابيع من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، وفي صيف 2012، شهدت البلاد أول انتخابات حرة في تاريخها، لكن بعد كل ذلك، ورغم جهودهم ومقتل المئات، أصيب الثوار بخيبة الأمل.
فقد أسفرت الانتخابات الرئاسية عن تنافس بين محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وهو إسلامي محافظ، وأحمد شفيق، آخر رؤساء حكومة نظام مبارك.
وبعد فوز مرسي بفارق ضئيل، آلت موجة من الاحتجاجات ضد الإخوان إلى انقلاب عسكري في الثالث من يوليو 2013، وهو ما تزامن مع نزول أنصار جماعة الإخوان إلى الشوارع، وبحلول أغسطس، كان عشرات الآلاف في ميدان رابعة العدوية.
وتؤكد أم عمر وأخته على أنه لم يشارك في أي احتجاجات ولم يكن على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين التي تم حظرها ووصفها بأنها جماعة إرهابية في ديسمبر 2013 (على الرغم من عدم وجود دلائل تقريبا على أي صلة بين الجماعة والهجمات على الجنود).
من الصعب معرفة ما إذا كان عمر حقا يقدم المساعدة بكل بساطة أو ما إذا كان يحتج ويقاتل.
وتعارض الأم والأخت النظام، وأحيانا ما تشاهدان القنوات التليفزيونية للإخوان المسلمين .. هما محافظتان، ففي شقة بدارة (أم عمر) يرن صوت الأذان بقوة من خلال مكبرات صوت المسجد القريب منها، وعلى جدران غرفة معيشتهم، تعلق صورة للقدس وآية قرآنية، وهو أمر مألف بالنسبة للديكور في البيوت المصرية، وفي وسط الملصق الذي يحمل الآية القرآنية، هناك ملصق ضئيل وردي اللوزن لدمية راقصة.
تعتني بدارة بأبنائها وتفتخر بهم، وامتد دفؤها إلي شخصيا، فهي ترفض أن ألتقط أي صور قبل أن أتناول الطعام المكون من حساء وخضروات وأرز وقمح مجروش ودجاج، وهي الوجبة التي أعدتها للغداء في الساعة الخامسة.
وتقول مريم إنها لن تتمكن أبدا من أن تصرح بآرائها السياسية في الجامعة خوفا من أن يتم اعتقالها .. هي جميلة ومتألقة وتهتم كثيرا بالسياسة، وربما أقل اهتماما بتدقيق المعلومات.
وفي صور العائلة، يبدو عمر وكأنه مشجع كرة قدم ثوري، وسيم، حليق اللحية، يرتدي نظارات شمسية أكثر من كونه إسلاميا، وقد لعب كحارس مرمى في نادي الزمالك الذي يعد واحدا من أكبر ناديين كرويين في مصر، ودرس الهندسة في جامعة الأزهر الإسلامية العريقة، وكان يؤلف أغاني الراب مع أصدقائه، وكان اسمه الفني “عمر كانو”.
وحملت إحدى أغنيه عنوان “انتخابات رئاسية”، وأطلقها في منتصف عام 2012، قال فيها – فيما معناه – “نريد رئيسا لا يكون رمسيسا جديدا”، وهي توضح ذكاء عمر ووعيه السياسي، وكان يهاجم بحرية جميع المرشحين، بمن فيهم مرسي.
لكن في أغنية تالية، والتي حملت اسم “صانع ثورة” أصدرها في عام 2013، أبدى ولو على الأقل تعاطفا مع الإخوان، حيث قال – فيما معناه – “كلاب النظام يلعبون لعبة قذرة .. الشعب لا يثق في الإخوان ويشجع الطائفية والانقسامات السياسية .. إنهم يريدون إسلاما بلا مسلمين .. كلهم متآمرون في أيدي الأمريكان”.
وقالت مريم إن عمر “كان يحب بلده .. لم يكن يهتم كثيرا بالانتماء السياسي، ولم يكن على قدر عال من الالتزام الديني، وكان لديه الكثير من الأصدقاء المسيحيين، وكان يذهب إلى كنيستهم في المناسبات”.
سيزعم الجيش أن محتجي الإخوان كانوا مسلحين وحاربوهم .. لقد رأى صحفيون بعض المدنيين وهم يحملون أسلحة، لكن كان عددا ضئيلا، وغالبية الذين قتلوا أسيبوا بطلقات في الرأس والصدر، بل ودفن رجل حيا داخل خيمته.
وتقول بدارة إن “عمر شخص اجتماعي جدا ولطيف وطيب ولديه جوانب أخلاقية جيدا جدا”، وتقول أخته، وهي طالبة في كلية الحقوق، إنه كان يدرس ليكون “مهندسا معماريا يبني بلده”.