منذ توحد ثوار سوريون في تحالف من جماعات إسلامية وثوار أطلق عليه نفسه اسمه «جيش الفتح»، يضم جبهة النصرة وحركة أحرار الشام وجند الأقصى، والجيش السوري الحر، ولواء شهداء إدلب، وألوية صقور الجبل، ولواء الحق، وفرسان الحق، وشكلت غرفة عمليات مشتركة باسم «جيش الفتح»، ويبدو أن الثوار يواصلون انتصاراتهم العسكرية وتقدمهم في وجه قوات النظام.
ففي الشهر الماضي، سيطر الثوار على مدينة إدلب عاصمة محافظة إدلب وعلى بضع بلدات أخري، وفي أبريل/نيسان الجاري سيطروا على بلدات أخري أخرها بلدة «جسر الشغور» بشمال غرب سوريا يوم السبت 25 أبريل/نيسان لأول مرة منذ بدء الصراع السوري قبل أربعة أعوام.
وقال نشطاء سوريون والمرصد السوري لحقوق الانسان إن المقاتلين «تقدموا داخل البلدة الواقعة على الطريق بين مدينة اللاذقية الساحلية ومدينة حلب ثاني أكبر مدينة في سوريا بعد أيام من قتال شرس، وأن جثث مقاتلي الأسد والشبيحة كانت تملأ بالشوارع، وتحدثت مصادر عن 60 جثة لقوات النظام بينهم ضباط ملقاة في شوارع المدينة»، وقال نشطاء أن مدينة (أريحا) القريبة ستنضم قريبا إلى جسر الشغور بعد قطع الإمدادات عنها وأن ضباط «الأسد» وشبيحته يبدؤون الهرب.
وتكمن أهمية مدينة جسر الشعور التي سيطرت عليها قوات المعارضة السورية وجبهة النصرة وفصائل إٍسلامية أمس السبت بشكل شبه كامل، أنها مدينة استراتيجية تفتح الطريق على محافظة اللاذقية معقل الطائفة العلوية التي ينحدر منها نظام «بشار الأسد»، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ما يعني فتح الطريق للزحف الي اللاذقية. (توضح العلامة الحمراء موقع مدينة جسر الشغور غربي إدلب)
ويهدد هذا التقدم النظام السوري في محافظة اللاذقية المتاخمة غربا لجسر الشغور، التي تعد معقلا لنظام الأسد ومؤيديه، حيث تمكنت المعارضة العام الماضي من السيطرة على قرى حدودية بالمحافظة مع تركيا، قبل أن يستعيد النظام سيطرته عليها.
وكانت القوات الحكومية أطلقت معركة الشهر الماضي لاستعادة السيطرة على بلدات خاضعة لسيطرة المعارضة بريف اللاذقية، خصوصا في جبلي الأكراد والتركمان المحاذيان لمحافظة إدلب، وتقدمت في خمس قرى.وتتمثل استراتيجية المعارضة بتهديد معاقل النظام في ريف اللاذقية، عبر فتح جبهات في مناطق يسيطر عليها في ريف إدلب الجنوبي والغربي وريف حماه الشمالي وسهل الغاب، المحاذي لجبال منطقة اللاذقية، وأطلق المعارضون على المعركة اسم «معركة النصر» التي تهدف إلى تحرير جسر الشغور ومعسكر القرميد وسهل الغاب من القوات النظامية بشكل كامل.
وعلقت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» على هذه الانتصارات بالقول أن: «سيطرة النظام السوري تراجعت إلى أقل من 25% على جغرافية سورية».
وحاول التلفزيون السوري الرسمي الإيحاء بأن ما جري هو «إعادة انتشار للقوات»، وقال نقلا عن مصدر عسكري قوله إن «وحدات من الجيش والقوات المسلحة تخوض معارك عنيفة مع التنظيمات الإرهابية في جسر الشغور ومحيطها بريف إدلب»، فيما بدأت الطائرات تغير على البلدة وتلقي براميل النار على منازلها وشوارعها.
مدينة لها ذاكرة
ولهذه المدينة لها أهمية كبيرة في الثورة السورية، ففي عام 1980 ارتكب «حافظ الأسد» فيها مجزرة وشرد أبناءها، وعام 2015 عاد الأحفاد ليثأروا للآباء والأجداد، بعد أن ظلت جسر الشغور منذ 50 عاما تئن تحت وطأة النظام العلوي الذي ارتكب أفظع المذابح بأبنائها.
وعندما اندلعت الثورة الشعبية السلمية في سوريا عام 2011، وبدأ القمع المسلح لها، سيطرت القوات السورية على بلدة جسر الشغور في يونيو عام 2011 بعدما زعمت الحكومة أن عصابات مسلحة قتلت أكثر من 120 من أفراد قوات الأمن في البلدة إثر تظاهرات كبيرة هناك.
وبعد خمسة أيام من المعارك، أعلن «جيش الفتح»، نهاية مارس/أذار الماضي، السيطرة على مدينة إدلب بالكامل لتكون ثاني مركز محافظة خارج سيطرة قوات النظام بالكامل بعد مدينة الرقة (شمالا).
وتقول مصادر بالمعارضة السورية أن الثوار بدأوا ثلاث معارك في آن واحد بعد الأربعاء 22 أبريل/نيسان الجاري في ريف إدلب وسهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، كبدوا فيها «شبيحة الأسد» وقواته مئات القتلى والمصابين، وغنموا أسلحة وذخائر وتقدموا في عدد من النقاط الاستراتيجية في معسكر القرميد قرب مدينة أريحا، وعلى طريق سهل الغاب المؤدي إلى مدينة جسر الشغور التي تقدم الثوار في أطرافها ثم استولوا عليها.
وواصلت غرفة عمليات «جيش الفتح» عملياتها العسكرية بعد تحرير مدينة إدلب، وحققت الأربعاء تقدماً كبيراً على جبهة معسكر القرميد الذي يعد خط الدفاع الأول عن قوات الأسد المتمركزة في مدينة أريحا، كما يعد موقعاً يساند معسكر المسطومة الواقع على طريق إدلب أريحا. وحقق الثوار في معسكر القرميد: السيطرة على تلة أسفن، وعلى حاجزي معملي المخلل، والبطاطا، وعلى منطقة الحرش، ودارت اشتباكات عند حاجزي الكازية والمداجن آخر مواقع قوات «الأسد» المدافعة على غرفة عمليات النظام في معسكر القرميد.
كما دمر الثوار 3 دبابات، و3 مدافع عيار 23، وأردوا أكثر من 150 من شبيحة و«قوات الأسد» قتلى خلال الاشتباكات التي بدأت عقب عملية تفجير نسفت الخطوط الدفاعية الأولى لقوات الأسد من الجهة الشرقية للمعسكر على طريق حلب أريحا عند حاجز معمل البطاطا، بالتزامن مع شل حركة معسكر المسطومة واستهداف قوات «الأسد» في محيط قريتي المقبلة وحيلا.
نتائج عملية جسر الشغور
ومساء الأربعاء الماضي، أطلق الثوار معركة تحرير مدينة جسر الشغور، والتي أطلقوا عليها اسم «معركة النصر» لرمزية المدينة التي شهدت أول حراك مسلح ضد «قوات الأسد» عام 2011، وتقدم الثوار في جسر الشغور بعد تفجير 9 مواقع وحواجز لقوات «الأسد».
وأعلنت غرفة عمليات معركة النصر عن سيطرة الثوار على عدة نقاط مؤكدين مقتل أكثر من 75 عنصراً من قوات وشبيحة «الأسد»، واغتنامهم دبابتين ومدفعا من عيار 23 مم وأسلحة متوسطة، وذخائر متنوعة، قبل أن تدخل وسط البلدة وتقتل المزيد من القوات وتدمير دبابات لقوات « الأسد».
وتعد مدينة جسر الشغور المحاذية لريف اللاذقية غرب مدينة إدلب، آخر المدن الخاضعة لسيطرة القوات النظامية في المحافظة، فيما يعتبر معسكر «المسطومة»، أكبر القواعد العسكرية الخاضعة أيضا لسيطرة النظام، وتشن قوات المعارضة منذ 25 مارس (آذار) الماضي، هجمات مكثفة للسيطرة على كامل محافظة إدلب الاستراتيجية الحدودية مع تركيا، وتمكنت من السيطرة على المدينة أواخر الشهر الماضي.
وتأتي خسارة «الأسد» لمينة جسر الشغور الهامة ضمن حلقة من الانتكاسات التي مني بها مؤخرا، والتي تزامنت مع التغيرات الإقليمية بحسب وكالة «رويترز».
ففي الجنوب الغربي على الحدود مع الأردن تشير سيطرة المعارضة على معبر نصيب إلى تصميم جديد بين مؤيديهم العرب الذين يريدون أن يروا رحيل «الأسد» ووقف توسع النفوذ الإيراني في أنحاء الشرق الأوسط.
وفي الشمال الغربي قرب الحدود مع تركيا أثار استيلاء جماعات إسلامية من بينها جناح تنظيم القاعدة في سوريا على مدينة بالكامل مزاعم في دمشق بأن أنقرة عززت دعمها لمقاتلي المعارضة.
في مناطق أبعد مثل مدينة إدلب في شمال غرب البلاد التي سقطت في أيدي المعارضة المسلحة يوم السبت ومعبر نصيب على الحدود الأردنية في محافظة درعا الذي سقط في أيدي معارضين يوم الأربعاء فإنه يبدو من الصعب بالنسبة لدمشق أن تمسك بزمام الامور.
وقال «نواه بونسي» كبير المحللين بالمجموعة الدولية للأزمات «إنه مؤشر على قيود القوى البشرية التي ستستمر وتصبح مشكلة متفاقمة دوما للنظام في المستقبل».
وقال «الأمر لا يهدد السيطرة على مناطقه الأساسية من دمشق إلى حمص وحتى الساحل. لكن خارج هذه المناطق الأساسية فالنظام غير قادر ببساطة على تعويض القوى البشرية التي يخسرها».
الثورة السورية تجني ثمار التقارب (السعودي – التركي – القطري)
ويرى مراقبون أن سلسلة تراجعات قوات النظام السوري ترتبط برفع تركيا والسعودية وقطر مستوى التنسيق فيما بينها تجاه دعم المعارضة السورية.
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها الأحد، أن التغييرات الميدانية على الأرض تعني أن المعارضة السورية المسلحة باتت تجني ثمار التقارب السعودي التركي خلال الأشهر القليلة التي مرت على حكم الملك «سلمان».
وقال السفير «عبد الله المعلمي»، مندوب السعودية في الأمم المتحدة، أثناء مداخلة له عن حرب اليمن قبل يومين أن بلاده «لن تدخر أي جهد لمساعدة الشعب السوري».
وبحسب صحيفة «رأي اليوم» فإن الترجمة الأكثر وضوحا لتصريحات «المعلمي»، تتجسد بوضوح في احتدام المعارك في الشمال الغربي لسوريا، حيث قرر الحلف الثلاثي (السعودي التركي القطري) تكثيف الهجمات العسكرية على النظام السوري في هذه المنطقة لفتح جبهة أخرى للحرب مع إيران وحلفائها، موازية لحرب اليمن.
ففي أسابيع معدودة خسر النظام السوري مجموعة من المدن الاستراتيجية في الشمال الغربي ابتداء من مدينة إدلب التي سيطرت عليها «جبهة النصرة»، ثم مدينة بصرى الشام، والآن جسر الشغور، وفي التوازي أيضا السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن.
سيطرة قوات «جبهة النصرة» بالتعاون مع قوات كتائب إسلامية أخرى مثل «جيش الفتح» على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية يمكن أن يشكل نقطة انطلاق للهجوم على مدينة اللاذقية.
ورأت الصحيفة أن القيادة السعودية عندما قررت الانفتاح على المحور القطري التركي على حساب المحور الإماراتي المصري، أدركت أن المحور الأول يمكن الركون إليه، والثقة فيه للضغط على إيران وحلفائها التي تشن ضدهم حربا بالنيابة في سوريا والعراق، ومباشرة في اليمن.
(الخليج الجديد)