مع تعاظم ووضوح الخلافات السعودية الإماراتية فيما يخص «عاصفة الحزم» من جهة، وتزايد الفجوة الأمريكية السعودية لعدم تحمس واشنطن لـ«عاصفة الحزم» وضغطها لإنهائها، وفي ظل استقلال نسبي للقرار السعودية بعيدا عن أمريكا اعترفت به صحيفة «لوس أنجلس تايمز» في تقرير بعنوان: «السعودية باتت تعتمد على نفسها لحماية مصالحها»، عقب مبادرة الرياض بالحسم العسكري في اليمن دون انتظار للأوامر الأمريكية، ظهرت مؤشرات على تقارب استراتيجي بين واشنطن وأبوظبي فيما يخص ملفات المنطقة، بدلا من الرياض.
وجاءت الزيارة التي يقوم بها وفد إماراتي برئاسة «محمد بن زايد» منذ الثلاثاء 21 أبريل/نيسان الجاري ولقاءاته مع الرئيس ونواب الكونجرس وكبار القادة العسكريين والاستخبارات، وتأكيده: «نبلور رؤية مشتركة مع الولايات المتحدة لأمن المنطقة»، لتكشف الستار عن طبيعة هذا التعاون الذي قال «بن زايد» أن من ضمنه اتفاقات «عسكرية واستراتيجية» لم يفصح عنها.
ضمانات أمنية وقواعد أمريكية
ومع أن الإمارات لم تفصح عن طبيعة هذه الاتفاقات، إلا أن تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، الخميس 24 أبريل/نيسان، تحدث عن «ضمانات أمنية أكبر للإمارات وشقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي تشمل مبيعات الأسلحة الجديدة، وزيادة عدد قوات الجيش الأمريكي في الخليج، وإنشاء خطوط حمراء واضحة تدفع الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري ضد إيران».
وتحدث التقرير عن أن «دولة الإمارات برزت كمشتري رئيسي للأسلحة الأوروبية والأمريكية، ففي العام الماضي، أنفقت أبوظبي حوالي 23 مليار دولار على مشتريات الأسلحة، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يتعقب تجارة الأسلحة العالمية».
والتقى «محمد بن زايد»، خلال زيارته المستمرة للولايات المتحدة عددا من المسؤولين الأمريكيين، تحدث بعدها عن «بلورة رؤية مشتركة مع الولايات المتحدة تقوم على تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم أجمع»، وأكد أن الزيارة «ستحقق مصالح البلدين والشعبين الصديقين في العديد من القطاعات الاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية والاستراتيجية».
وخلال لقاءاته في واشنطن مع عدد من كبار الأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب بالكونغرس الأمريكي على هامش زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، جري الحديث -بحسب الصحف الإماراتية والأمريكية- حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية من بينها التحالف العربي بقيادة السعودية، في دعم الشرعية في اليمن وحفظ أمن واستقرار الشعب اليمني.
ومعروف أن هناك خلافات بين الرياض وأبوظبي تحدث عنها مغردون على صلة بالقرار السعودي، منهم «مجتهد»، مشيرين إلى أن الخلاف يدور حول رفض أبوظبي اعتماد السعودية والتحالف على إخوان اليمن (حزب الإصلاح) لطرد «الحوثيين»، ورغبة الإمارات في الإبقاء علي الرئيس المخلوع «علي صالح» ونجله الذين يعتبرا عصا الإمارات في المنطقة.
وعقب باجتماعه بأعضاء في الكونجرس، كان ملفتا قول «محمد بن زايد» إن: «علاقتنا بواشنطن تتطور»، ما اعتبره مراقبون تحالفا أوثق بين الطرفين على حساب التحالف التقليدي القديم بين السعودية وأمريكا.
كما أكّد الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن زيارته الحالية الولايات المتحدة الأميركية تمثل فرصة مهمة لتعميق التشاور وتبادل وجهات النظر مع الرئيس الأميركي «باراك أوباما» وكبار القادة الأميركيين حول العديد من التطورات والمستجدات السياسية المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
وأوضح أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين تسير بخطوات ثابتة ونمو مطرد بما يناسب طموحات قيادتي البلدين الصديقين وشعبيهما وما توفره هذه العلاقات من فرص واعدة للتطور والارتقاء وهي مرشحة للمزيد من التطور في ظل توافر الإرادة المشتركة لتطويرها وتعزيزها، فضلا عن امتلاكها مقومات وأسسا راسخة من الاحترام المتبادل والثقة والمصالح المشتركة.
الإمارات تدعم اتفاق «أوباما» مع إيران
وعلي عكس السعودية التي رفضت ضمنا نتائج المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية، وبدأت صحف غربية تتحدث عن سعي الرياض لتأمين نفسها بعيدا عن أمريكا التي باعتها للحليف الإيراني الجديد، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، عن أن «أوباما» يضغط على ولي عهد أبوظبي لدعم اتفاق إيران.
وقالت إن الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» يسابق الزمن لحشد تأييد ودعم الدول العربية لدبلوماسيته الجديدة مع إيران، وأنه سعي لإقناع دولة الإمارات أحد أقوى حلفاء الولايات في منطقة الشرق الأوسط، وأن الإمارات أعلنت عن ارتيابها بشأن الصفقة النووية الناشئة بين واشنطن وطهران، والتي من شأنها أن ترفع العقوبات المفروضة على إيران في مقابل وضع حد أقصى لبرنامجها النووي.
واعتبرت «وول ستريت جورنال» أن إقناع «أوباما» الإمارات مقدمة للضغط بقوة على الدول العربية لدعم الاتفاق الذي يعتقد مسؤولون أمريكيون أنه سيكون بمثابة إعلان وتأكيد لنجاح السياسة الخارجية للرئيس «أوباما»، وأنه سيسعى لهذا عندما سيستضيف أوباما قادة دول «مجلس التعاون الخليجي»، في البيت الأبيض وكامب ديفيد.
ويعد دعم الشيخ «محمد بن زايد» مفتاحا للفوز بتأييد شامل في «مجلس التعاون الخليجي»، على حد وصف مسؤولين أمريكيين وعرب، للصحيفة الأمريكية.
وتسعى دول «مجلس التعاون الخليجي» للحصول على ضمانات أمنية أكبر من البيت الأبيض كحائط صد ضد ما يعتقدون أنه تهديد متزايد تشكله إيران في المنطقة، وهناك مخاوف من أن إيران يمكنها أن تستخدم الانتعاش الاقتصادي المفاجئ من وراء الاتفاق النووي مع الغرب لتوسيع نفوذها الإقليمي ودعم الجماعات المتمردة ضد مصالح دول الخليج.
واتهمت المملكة العربية السعودية علنا إيران بتمويل وتسليح المتمردين «الحوثيين» في اليمن، والذين سيطروا على العاصمة صنعاء، واضطروا الرئيس «عبدربه منصور هادي» إلى الفرار إلى عدن الجنوبية.
التدخل في ليبيا
ومع أن الولايات المتحدة تحدثت في بيان سابق عن ضرورة توقف تدخل الدول في ليبيا ووقف مدها بالسلاح مشيرة لدولة خليجية بالتحديد دون ذكر اسمها، فقد رجح مراقبون أنها الإمارات التي تدعم قوات الفريق أول المنشق «خليفة حفتر» الذي يحارب القوي الإسلامية والثورية في ليبيا مثل «فجر ليبيا»، وأن أمريكا تسعي لتنسيق هذا التعاون العسكري في ليبيا.
وفيما كان «بن زايد» يناقش الملفات الاستراتيجية في واشنطن، استقبل الشيخ «منصور بن زايد آل نهيان» نائب رئيس الوزراء وزير شؤون الرئاسة الخميس 24 أبريل/نيسان الفريق أول الليبي المنشق «خليفة حفتر» والمعين من جانب برلمان طبرق «القائد العام للجيش الليبي».
وتدعم أبوظبي «حفتر» في ليبيا وتزوده بأنواع الدعم المختلفة وفق تصريحات سابقة له أكد فيها أنه تلقى دعما عسكريا من دولة الإمارات في صراعه مع الثوار في طرابلس، وذلك بعد تأكيد دبلوماسيين أمريكيين لصحيفة «واشنطن بوست» قيام مقاتلات إماراتية ومصرية الصيف الماضي بشن عدة غارات على مطار طرابلس لمساعدة اللواء «حفتر».
وزار «حفتر» مؤخرا الأردن والتقى العاهل الأردني الملك «عبدالله الثاني» في عمان للتباحث بشأن تدريب «الجيش» الذي يرأسه «حفتر»، كما تردد أنباء أنه «حفتر التقى مسؤولين (إسرائيليين) سرا أثناء زيارته العاصمة الأردنية عمان للحصول على أسلحة في ظل الحظر الذي فرضه «مجلس الأمن».
وسبق أن قال الأكاديمي الإماراتي «عبدالخالق عبدالله» في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في مقابلة تلفزيونية مع قناة «روتانا خليجية» أن الإمارات إذا شاركت في ضرب أهداف في ليبيا فإن هناك «أسبابا» لذلك، مؤكدا أن الدولة استثمرت في مصر كثيرا وأن نجاح الإسلاميين في ليبيا في أي انتخابات من شأنه أن يشكل تحديا لاستقرار نظام «السيسي»، وكان يرد على سؤال حول مشاركة طائرات إماراتية في قصف أهداف ليبية.
وقد كشف مصدر عسكري في «عملية فجر ليبيا» إن غرفة عمليات «حفتر» في المنطقة الغربية بالزنتان؛ يديرها أربعة ضباط إماراتيون، وأضاف المصدر لموقع «عربي21» مفضلا عدم ذكر اسمه، أن قوات «فجر ليبيا» تكثف غاراتها الجوية على مدينة الزنتان؛ لاستهداف غرفة عمليات الضباط الإماراتيين التي يتناوب عليها كل أسبوع أربعة من الضباط الإماراتيين، حيث يصلون عبر مهبط الزنتان في طائرات خاصة، تقل الأموال النقدية بالعملة الصعبة والمحلية، بالإضافة إلى الذخيرة، بحسب قوله.
وتزامن هذا مع تأكيد صحيفة «صنداي تليغراف» أن استشارات «بلير» العالمية عادت عليه بنحو 150 مليون دولار، وأن العلاقات الوثيقة بين «بلير» و«بن زايد» أساسها «كره الإخوان»، وأنه مستشار بارز للإمارات، وسط توقعات أن يكون هو الوسيط بين أبوظبي وواشنطن، وصاحب فكرة حلول الإمارات محل السعودية لدي الإدارة الأمريكية في ظل الخروج السعودي المستمر عن العباءة الأمريكية.
الخليج الجديد