العملية العسكرية باليمن “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية، انطلقت فجأة وبدون مقدمات، وانتهت كذلك.. مما يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل حققت أهدافها لكي تنتهي الآن؟.. إلا أن الواقع الميداني والعسكري والسياسي وحالة أطراف الصراع يؤكد أنها حققت بعض مكاسب، لكنها أيضًا نتج عنها خسائر، وفشل على بعض المستويات التي تقر بأن العاصفة لم تصل بعد للحد الأدنى المرجو منها، والذي قامت من أجله، بل عادت بجميع الأطراف مجددًا للمربع صفر.
فما زالت جماعة الحوثي “الشيعة المسلحة” والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، التي قامت العملية ضدها، تمتلك كثيرًا من قدراتها العسكرية، ومازالت طرفًا أساسيًا في اللعبة السياسية وعملية التفاوض، في ظل غياب حتى ضمانات تلزمها بما قد تسفر عنه إن استأنفت، ولم تعترف بعد بشرعية الرئيس اليمني عبد ربه هادي، وما زالت تحظى بدعم إيراني واسع لم ينقطع، بل تزايد واتسعت دائرته لتشمل حكومة العراق وحزب الله، بينما تعاني السعودية تهديدًا إيرانيًا متزايدًا واستعراضًا إيرانيًا للقوة، وخسائر اقتصادية بتحمل التكلفة الأكبر لفاتورة العملية، وسط معاناة إنسانية لليمنيين، وخسائر بشرية ومادية لم تحصى بعد.
المستوى السياسي يعود للمربع صفر
ويعزز ذلك عدة مؤشرات تكشف أن العاصفة لم تحقق هدفها السياسي، التي انطلقت من أجله، وهو إجبار الحوثيين على الاعتراف بشرعية الرئيس عبد ربه هادي، وولم تضمن حتى الآن عملية انتقال سياسي آمن، ولم تخرج الحوثي وصالح من المعادلة السياسية، حيث ما زال الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وجماعة الحوثي يفرضان شروطهما كأطراف بالحوار، مما يعيدنا للمربع صفر.
ومع الإعلان عن عملية “إعادة الأمل”، والشروع بخطوات التهيئة لاستئناف العملية السياسية، وفقًا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بدأت بورصة الترشيحات للشخصيات التي سيعهد إليها للقيام بقيادة المرحلة المقبلة، ومنها خالد بحاح، أي أن “هادي” لن يستمر على الأرجح، وهذا ما كان يستهدفه الحوثيون.
وبحسب محللين، فقد فشلت الضربات الجوية في تأمين مكان آمن محصن بداخل اليمن يستطيع من خلاله الرئيس عبد ربه هادي، ممارسة مهامه كرمز للسلطة الشرعية، رغم إعلان العاصفة نجاحها في تأمينه وتهيئة البيئة المناسبة لممارسة مهامه.
ووفقًا لمصادر إعلامية يمنية، فإن نائب رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء اليمني الدكتور خالد بحاح، سيحل مكان عبد ربه منصور هادي في رئاسة اليمن، وإنه من سيقود الحوار الوطني لحل الأزمة بالبلاد، طبقًا للمبادرة العمانية التي تم إيقاف عاصفة الحزم على أساسها.
وبما يؤكد العودة لنقطة البداية، ذكر موقع “إب برس” اليمني، أن “بحاح” تقدم بالفعل بطلب للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، طالب فيه بإيقاف “عاصفة الحزم”، والرجوع للحوار لكل الأطياف والأحزاب، والالتزام بالمبادرة الخليجية كونها المخرج الوحيد.
أي أن الحوثيين سيمثلون على مائدة التفاوض السياسي لإملاء الشروط، بدليل تأكيد رئيس الهيئة الإعلامية في جماعة الحوثي أحمد حامد، فجر الأربعاء، في تصريحات صحفية، أنه “لا يوجد هناك اتفاق مع التحالف”، قائلًا: “لا اتفاق مع العدوان الظالم، كما أنه في ظل العدوان لن يكون هناك اتفاق.. ربما هناك رغبة أمريكية في إيقاف الحرب، لأنها لم تحقق لهم الأهداف السياسية التي من أجلها شنوا الحرب”.
قرار مجلس الأمن 2216 يحتاج لضمانات
في 14 إبريل الجاري، استطاعت دول الخليج حشد تأييد دولي يعضد موقفها باليمن، وبالفعل صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 بشأن اليمن، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يقيد كثيرًا جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح في عملية التفاوض، فقد ركز البند الأول على “الكف عن استخدام العنف”، وسحب الحوثيين قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وكذلك “التخلي عن جميع الأسلحة الإضافية التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، بما في ذلك منظومات القذائف”، و”التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في اليمن”، ولكن هذا القرار يحتاج إلى آليات وضمانات للتنفيذ، وبحسب مراقبين، فإنه لن يستطيع وقف الدعم الإيراني غير المعلن للحوثيين بالسلاح والأموال عبر العديد من المنافذ.
على المستوى العسكري
على الرغم من أن تحالف “عاصفة الحزم” شن، وفقًا للمتحدث باسمه العميد أحمد عسيري، أكثر من 2400 طلعة جوية أدت إلى شل قدرات عسكرية مهمة للحوثيين والقوى المتحالفة معهم، وأزالت التهديد للسعودية، إلا أنه بحسب مراقبين، مازال الحوثيون يملكون قدرات أخرى تسهل لهم التحرك بين الكهوف والمدن والجبال.
وفي مؤشر على ذلك سيطر مسلحو جماعة الحوثي، اليوم الأربعاء، أي بعد وقف العاصفة، على لواء عسكري موال للرئيس اليمني عبد ربه هادي، في مدينة تعز، وسط البلاد، بحسب مصدر عسكري، مما دفع طيران التحالف إلى قصفه واستمرت الاشتباكات في عدن وفي محافظات قريبة منها، في حين تعهدت المقاومة الشعبية بالاستمرار في قتال الحوثيين حتى طردهم من الجنوب.
وقال مصدر عسكري- رفض ذكر اسمه: إن “مسلحي الحوثي سيطروا على مقر اللواء 35 الموالي للرئيس هادي غرب مدينة تعز، مركز المحافظة الأكثر سكانًا في اليمن، بعد اقتحامه من عدة جهات”، مضيفًا: “إن جنود اللواء انسحبوا من المقر بعد سقوط قتلى وجرحى منهم”، مشيرًا إلى أن سيطرة الحوثيين على اللواء العسكري جاءت بعد أن قصفه الحوثيون على مدار الساعات الماضية، من عدة جهات بالأسلحة الثقيلة والدبابات.
يأتي ذلك التطور الميداني، رغم إعلان تحالف عاصفة الحزم أنه حقق سلسلة إنجازات في عملياته ضد الميليشيات الحوثية في اليمن، مؤكدًا أنه جرى تدمير 98 % من الدفاعات الجوية التي تسيطر عليها هذه الميليشيات، إلى جانب إزالة تهديد الصواريخ الباليستية التي كانت تهدد دول الجوار، وذلك بعد تنفيذها 2415 طلعة جوية، في 27 يومًا بدأت في 26 مارس الماضي، استهدفت مواقع ميليشيات الحوثي والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح.
ورغم ذلك، صرح وزير الخارجية اليمني رياض ياسين الاثنين، “أن جماعة الحوثيين ومعهم قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يتواجدون فقط في 30 أو 35 % على الأكثر من أراضي البلاد”.
وتشمل النتائج الإيجابية التي حققتها عملية عاصفة الحزم، بحسب متحدثها الرسمي، تدمير 80 % من خطوط مواصلات ميليشيات الحوثي، واستهداف قدرات الميليشيات الجوية ومراكز السيطرة بنسبة 90 %، وتدمير 80 % من الصواريخ الباليستية التي تسيطر عليها الميليشيات، وإزالة 80 % من ورش الصيانة والتصنيع ومخازن الأسلحة، إلى جانب تدمير 90 % من مواقع الميليشيات المتاخمة للحدود السعودية، ومنعها من شن أي هجوم على الأراضي السعودية، وتهيئة مدينة عدن للعمليات البرية اللاحقة بنسبة 90 %.
إيران تعلن انتصار الحوثيين
وفي المقابل تروج وسائل الإعلام الإيرانية، للحديث عن “الهزيمة” للسعودية و”الانتصار” لجامعة الحوثي، خاصة وأنه سبق توقف “العاصفة” تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، توقع فيها وبثقة شديدة وقف الحرب في اليمن خلال ساعات، ليأتي الإعلان عن توقفها مساء اليوم ذاته، فيما تعده إيران نصرًا سياسيًا، إلا أن السعودية ترى أنها نجحت في تحجيم قوة إيران العسكرية، وأوقفت تمددها باليمن.
بينما يقول إعلام إيران الرسمي إن السعودية لم تحقق أيًا من أهدافها على الصعيد السياسي، بعد ما يقارب من مرور شهر من الهجمات الجوية المكثفة على الأراضي اليمنية، فالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، في خطاب وجهه من القمة العربية، أكد أن عاصفة الحزم لن تنتهي إلا بتحقيق شرطين، هما: انسحاب عناصر جماعة “الحوثي” من العاصمة صنعاء وميناء عدن إلى مواقعهم السابقة.
والثاني يتمثل بإعادة الرئيس اليمني وحليف نظامه عبد ربه منصور هادي إلى السلطة، وهو ما أطلق عليه عودة الشرعية، لكن طائرات التحالف بقيادة السعودية، لم تحقق بعد أربعة أسابيع من الضربات المتتالية أي من هذين الشرطين.
شؤون خليجية