تتكون الدول من ثنائي الحكام والشعوب، وفي الحقيقة أن السياسة الخارجية ليست إلا امتداداً للسياسة الداخلية، فإذا ما كانت كذلك فإن العلاقة الجدلية بين الثنائي تلعب دوراً رئيساً في تحديد معالم سياسات الدول. ثم إن السياسة الداخلية هي بنت العلاقة القائمة بين الدولة والشعب، فإذا ما كانت ثم علاقة ديمقراطية، فإن كلا السياستين تصب بالضرورة في مصلحة الشعوب، وإذا ما كانت العكس فإن صانع السياسات دوماً ما يرقب مصلحة الحكام، وإذا ما كانت السياسات قائمة على المصالح، فإن البحث عن السياسة الخارجية لدولة الإمارات يطرح سؤاله المسبق، هل هي مصالح كلية للأفراد المحكومة أم للأفراد الحاكمة؟!
إذا ما عدنا إلى تاريخ تشكل دولة الإمارات، وراقبنا الظروف والملابسات لتشكل هذا الاتحاد، فربما نرى أن المصالح الفردية للحاكم تغلب على المصلحة الجماعية للمحكومين منذ التشكل الأول، ففي 6 أغسطس من عام 1966م كان الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان الحاكم الفعلي لإمارة أبو ظبي، ولم يكن حينها ثمة ملامح تعلو في الأفق لتشكل اتحاد إماراتي، ومع قدوم الشيخ زايد برز هذا الملمح ولكن السؤال كيف وصل الشيخ زايد للحكم؟!
وجدت بريطانيا أن الحاكم السابق الشيخ شخبوط يمتنع عن إنفاق أموال وعائدات النفط على المشاريع الإنجليزية في الإمارات، والتي لا تنتفع منها إلا الشركات البريطانية، فعملت على تشويهه سمعته، ولفقت له التهم، ثم حرضت عليه شقيقه الأصغر الطامع بالحكم الشيخ زايد، والذي استطاع بمساعدة القوات الإنجليزية محاصرة قصر شخبوط واعتقاله ونفيه، ثم اغتيال أولاده وأحفاده!
فإذا ما كان الوصول الأول عبر انقلاب تلطخت يده بالدم، وتأمين مصالح أجنبية على حساب مصالح شعبية للظفر بالحكم، فإن الإجابة على السؤال السابق تبدو أقرب إلى مصلحة حكام الإمارات منها إلى مصلحة شعبهم، والتي عليها ستتحد مستقبلاً كل السياسات الخارجية لدولة الإمارات. بعد تضييق دائرة المصالح يمكننا طرح سؤال، ما هي طبيعة المصالح التي تقوم عليها السياسة الخارجية لدولة الإمارات؟
أولاً: تثبيت العروش:
الناظر إلى خارطة الحكم لدولة الإمارات يرى بوضوح النزعة التوريثية للوصول إلى الحكم، فمنذ تشكلها إلى اليوم لم يخرج الحكم عن سلالة مشيختها الحاكمة للإمارات السبعة، وإذا ما كان الحكم وراثياً فإن الحفاظ على تلك الرتيبة بحيث يبقى الحكم متعاقباً سلالياً، يقدم كل المصالح مطوعاً كل منافذ الدولة وقوتها لحماية الحكم الوراثي! حيث تعاقدت دولة الإمارات مع شركة AGT (Asia Global Technology) السويسرية والتي يديرها رجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي ماني كوخافر، بملايين الدولارات لبناء مشاريع الحفاظ على الأمن الداخلي للدولة.
وجاء في التقارير التي نشرتها صحيفة ميدل إيست البريطانية “أن السلطات الإماراتية تعاقدت مع شركة أمنية مملوكة لإسرائيل؛ لتقوم بتأمين حماية مرافق النفط والغاز في الإمارات العربية المتحدة، وكذلك لإقامة شبكة مراقبة مدنية فريدة من نوعها على مستوى العالم في أبو ظبي”. وفي فبراير 2011م وقعت شركة فالكون آي أو (عين الصقر)، عقداً مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لأعمال المراقبة في العاصمة الإماراتية، وحسب تقارير ميدل إيست “نجحت الشركة في مراقبة هائلة داخل الدولة، حيث أن كل إنسان يُرصد من اللحظة التي يُغادر فيها عتبة بابه، إلى اللحظة التي يعود فيها إلى منزله، وكل ما يقوم به من عمل ومعاملات اجتماعية وتصرفات وسلوكيات يُسجل ثم يحلل ثم يُحفظ في الأرشيف”.
وتمارس الإمارات الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري بحق الناشطين السياسيين والمعارضين الإماراتيين، والذي يُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، تلك الممارسات هي بتخويل من القانون الصادر لجهاز أمن الدولة عام 2003م، الذي يمنح ضابط أمن الدولة سلطات واسعة لاحتجاز أشخاص مدة مطولة بدون تمحيص قضائي، فالمادة 28 من قانون جهاز أمن الدولة عند قراءتها مقرونة بالمادة 14، تتيح لرئيس جهاز أمن الدولة احتجاز أي شخص لمدة 106 يوماً، إذا وجدت أسباب معقولة وكافية تدفعه “للاعتقاد” بأن الشخص متورط ضمن أمور أخرى في أنشطة لتقويض الدولة، أو تعريض الوحدة الوطنية للخطر، أو أنشطة تعتبر مضرة للاقتصاد أو أي شيء يمكنه تقويض أو إضعاف مركز الدولة، أو إثارة أحقاد ضدها أو تقويض الثقة فيها. مخالفة بذلك المادة 27 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على ضرورة عرض المحتجزين على النيابة العامة في غضون يومين، وفي تحقيقات “رايتس ووتش” أكدت المنظمة أن قانون جهاز أمن الدولة بطبيعته مخالف للمادة 14(6) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، التي تنص على “أن يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية أمام أحد القضاة، أو أحد الموظفين المخولين قانوناً بمباشرة وظائف قضائية، ويجب أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو يفرج عنه”.
رغم أن دولة الإمارات تُعلن ظاهرياً التزامها بمبادئ حقوق الإنسان، وإعلان سياسات أكثر إنسانية، إلا أن ما سبق يُبين قوة القانون في تجاوز حقوق الإنسان، إذا ما تعارض ذلك مع مصالحها الأساسية، فقد قامت الإمارات في يونيو/ حزيران 2013م، باعتقال 69 من الإماراتيين بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، بعد محاكمة قالت عنها منظمات حقوق الإنسان أنها غير عادلة، وتشوبها مزاعم ذات مصداقية عن تعرض بعض المتهمين للتعذيب أثناء احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي في الحبس الاحتياطي. وكانت أسماء ومريم اليازية قد نشرتا تغريدتيهما على تويتر في 5 فبراير/شباط 2015م تضامناً مع المعتقلين السياسيين، ولم يغنياهما ذلك من الحبس والإخفاء القسري في دولة الإمارات، أسماء التي تكشف بتغريدها حجم التحوط الإماراتي من أي حراك داخلي أو يقظة شعبية، قد تؤدي بإطاحة حكم المشيخة في الإمارات: “بحثت ولم أقرأ في قضية أخي إلى اليوم سطراً منطقياً واحداً يدعو إلى عزله وحبسه وسجنه وحرمانه من الحياة لعشر سنين”.
وقال جو ستورك معقباً على السياسات الإماراتية: “يتعين على سلطات الإمارات التوقف عن استخدام الإخفاء القسري، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لمضايقة منتقديها وتخويفهم”. وقد تعرضت الإمارات لانتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، ولاقت اتهامات عديدة في الوقت ذاته، فبالرغم من أن دولة الإمارات تسعى للقضاء على الإرهاب ظاهرياً، واجهت هي الأخرى نفس الاتهام، إذ أكدت منظمة العفو الدولية على أن الإمارات في الوقت الذي تحاول فيه أن تظهر وجهها الحسن من حيث محاربة الإرهاب، تخفي وجهاً آخر قبيحاً، وقد أوضحت أنه في السنوات الأربع الماضية تم سجن ومحاكمة أكثر من مائة ناشط سياسي، وبذلك فقد رأت المنظمة أن هذا يظهر الوجه القبيح لدولة الإمارات، مع أنها تسعى لمحاربة الإرهاب وفي الوقت نفسه تقوم باضطهاد النشطاء، بل وتعذيبهم بطريقة سيئة وقاسية.
* الحلقة الأولى من بحث لـ (مركز برق) للأبحاث يتعلق بالإمارات ودورها في النزاع السوري