أعادت فتوى أصدرها العالم الموريتاني الشيخ محمد الحسن ولد الددو الاثنين الموقف الديني من ظاهرة الاسترقاق إلى الواجهة، إذ تتهم منظمات حقوقية موريتانية وعلى رأسها حركة “ايرا” العلماء بإصدار فتاوى تشجع على ممارسة العبودية، وتقول إن تلك الفتاوى مسؤولة عن تنامي الاستعباد وبقائه بشكله الحالي.
واعتبر الشيخ الددو في حديث عن العبودية أن جميع أنواع الاسترقاق باطلة من الناحية الشرعية، وأضاف أن القوانين الموريتانية واضحة في تجريمها لكافة أنواع الرق التي لم تعلن الحكومة الموريتانية عن تجريمها بموجب نص القانون حتى سنة 1981.
ايرا: اقتدوا به!
فور اصدار الددو وهو من أشهر الفقهاء الموريتانيين فتواه ببطلان ممارسة العبودية من الناحية الشرعية، جاء الترحيب سريعا من عدد من الحقوقيين الذين دعوا إلى تبني الفتوى، لكن الترحيب الأوسع جاء من مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية المعروفة بحركة “ايرا”، التي رأت أن هذه الفتوى في غاية الوضوح، ودعا بيان لها بقية علماء البلد إلى الاقتداء بالشيخ الددو حين يتحدثون عن العبودية في موريتانيا.
وكررت حركة “ايرا” انتقاداتها لرابطة العلماء الموريتانيين ( أكبر تجمع للعماء في البلاد) بخصوص بيان أصدرته في 26 آذار/مارس الماضي تنفي فيه وجود أي حالة استرقاق في البلاد، وهو ما يتناقض تماما مع مواقف حركة ايرا ( أشهر حركة مدافعة عن حقوق أبناء الأرقاء السابقين) التي تؤكد وجود حالة عبودية واستغلال في القرى والأرياف والمناطق المعزولة.
/p>
ورغم أن رابطة العلماء الموريتانيين اعتبرت الرق محرما شرعا، إلا أن ايرا رأت في تعاطي الرابطة مع الموضوع نوعا من اللبس.
وتوجه “ايرا” انتقادات لاذعة للعلماء والفقهاء تتهمهم فيها بإصدار فتاوى تعيق جهودها في استئصال ما تبقى من آثار الظاهرة، بل إن الحركة أقدمت في ربيع 2012 على حرق بعض كتب الفقه المالكي التي قالت إنها تتضمن تشجيعا وحثا واضحا على ممارسة العبودية.
الرق.. واقع أم ماض؟
ترفض الحكومة الموريتانية الاعتراف بوجود العبودية كممارسة ما زالت موجودة، لكنها تقر بأن “ممارسات” مرتبطة بالرق لا تزال معاشة في البلاد، ويصطدم هذا الموقف بإصرار من مدافعين عن حقوق أبناء الأرقاء السابقين يؤكد على وجود حالات من العبودية تمارس ضد العرب السود (لحراطين)، وتقول إنها تتركز أساسا في المناطق القروية حيث يغيب نشاط الجمعيات والحركات الحقوقية.
ويصنف تقرير صادر عن مؤسسة “Walk Free Foundation” ومقرها في استراليا موريتانيا كأول دولة في العالم على مقياس ممارسة أشكال “العبودية العصرية”، ويوضح التقرير الذي يغطي سنة 2014 أن أربعة في المائة في مجموع سكان موريتانيا ( أزيد بقليل من ثلاثة ملايين) يعانون من شكل من اشكال العبودية المعاصرة.
ومن بين الأشكال التي يتحدث عنها تقرير المنظمة المهتمة بحقوق الإنسان هي الزواج الإجباري والعمل القسري وعمالة الأطفال والاتجار بالبشر، وهذه الأشكال يتضرر منها حسب التقرير ما يقارب 36 مليون شخص عبر العالم.
قوانين تجرم و أحكام تدين
في عام 1981 صدر أول نص قانوني يحرم ممارسة الرق في موريتانيا، وكانت هذه أول مرة يجد العرب البيض (البيظان) أنفسهم أمام أمر واقع يمنعهم من معاملة العرب السود (لحراطين) كعبيد لهم، كما كان عليه الحال منذ قرون في هذا البلد، ورغم أن الكثيرين بادروا إلى تحرير “عبيدهم” بسبب هذا القانون إلا أن الممارسة بحسب منظمات حقوقية ظلت قائمة، لكن بشكل أقل حدة مما كانت عليه في السابق.
وفي 2007 صدر قانون يجرم العبودية، و أعقبته قرارات أخرى تتعلق بالموضوع ذاته منها إنشاء محكمة خاصة بالنظر في الجرائم المتعلقة بالعبودية، وأقرت الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى في البرلمان الموريتاني) مطلع العام الجاري قانونا يعتبر أن الجرائم المرتبطة بالاسترقاق جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
ورغم كل هذه القوانين يقبع حاليا في السجن قادة من حركة “ايرا” المناهضة للرق ضمنهم زعيم الحركة بيرام ولد اعبيدي، فقد قضت محكمة الجنح بمدينة روصو جنوب البلاد منتصف كانون الثاني/يناير الماضي على ولد اعبيدي ونائبه ورئيس منظمة حقوقية أخرى بالسجن سنتين نافذتين.
ووجه الادعاء العام لولد اعبيدي تهم قيادة منظمة دون ترخيص والتجمهر غير المشروع وتهديد استقرار البلد.
وقبل هذا الحكم سبق للرجل أن تردد أكثر من مرة هو وأعضاء في حركته على مخافر الشرطة ووجهت لهم استدعاءات عدة مرات في قضايا تتعلق بنشاطهم ضد مسائل تتعلق بالاسترقاق في موريتانيا.